للأرقامِ سحرُها، لذلكَ سأُخَصّصُ "رسالةَ اليومِ" للرسالةِ نفسِها، فرسالةُ هذا اليومِ هي الرسالةُ المئةُ التي نكتبُها ونقرأها معاً، "نكتُبُها" جميعاً لأنَّها تحاولُ أنْ توقِفَنا لحظةً لنُلقي نظرةً على أنفُسِنا في المرآةِ، ثُمَّ نُحصي ما ينقصُ الصُّورةَ من تفاصيلَ وما يشوّهُها منَ الأعشابِ المتسلّقةِ، وفي نهايةِ المشْهَدِ نكتبُ رسالةً هدفُها نَفْضُ الغبارِ عن ثَوبِ "فتح"، دونَ أنْ نشغَلَ أنفسنَا بسرابِ الغُبارِ الذي يتظاهرُ بأنّهُ يغطّي المرآةَ، وهو، كأيِّ سَرابٍ آخرَ، كاذِبٌ ومحتالٌ، فالغبارُ الذي يعرفُنا ونعرفُهُ هو الغبارُ الذي تَتركُهُ الخيولُ عالقاً على لُثُمِ الفُرسانِ في رحلةٍ لا تعرِفُ الاستراحةَ ولا التّعبَ ولا تعترِفُ بالظمأِ إلّا للوصولِ إلى الهَدفِ.

لا تعني "المئةُ" شيئاً سوى أنّنا نتقنُ قراءةَ ما نكتبُهُ ونفكُّ كلَّ رموزِهِ وأسرارِهِ، فالكتابَةِ فعلٌ لا يكتَمِلُ إلّا بالقراءةِ، وهي عملٌ طوعيٌّ، بينما تَرتقي القراءةُ إلى مرتَبةِ الفَرْضِ، ولأنَّها الأصْعبُ والأكثرُ مشقّةً فإنَّ اللهَ سبحانَهُ لمْ يأمُرْ نبيَّهُ الكَريمَ بالكِتابةِ، بَلْ خاطَبَهُ في أوّلٍ أمْرٍ واجبِ التّنفيذِ قائلاً: اقْرأْ...

"رسالةُ اليومِ" هي دعوةٌ لنا لنختارَ سبباً للتفاؤلِ رغمَ ما يُحيطُ بنا منْ عَتمةٍ تزحفُ كالجرادِ لتأكلَ خُضرةَ الحاضرِ وثمارَ المستقبَلِ وتقرضَ جذورَ أرواحِنا. نُؤمِنُ أنْ لا شيء يطفئُ العَتمةَ مثلَ مصباحِ الثّقةِ بالنّفْسِ وبأنَّ لجذورِنا مناعةً لا تَقوى عليها أسرابُ الجرادِ بكلِّ ما تسعى لزراعتِهِ في حُقولِنا من بذورِ القَحطِ والجفاف. لا نَختلقُ أسبابَ التّفاؤلِ لكنّنا نبحثُ عنها جيّداً بينَ ركامِ اللحظاتِ الصّعبةِ، فننفُضُ عنها سرابَ الغُبار الكاذبِ وندعُوها لتَنهضَ وتَقودَنا في مسيرةِ الخروجِ إلى ساحاتِ الفِعْلِ الذي لا يثِقُ إلّا بخطواتِنا.

"رسالةُ اليومِ" دَعوةٌ لتَغليبِ لُغةِ العَقْلِ والمَنطِقِ على زَبَدِ الجَهْلِ ووهَنِ الكَذِبِ، فما فائدةُ البَوصَلةِ في يدِ من يُصرُّ أنْ يفقأ عَينَيهِ بإصبعِهِ ويستبدِلَ بصَرَهُ وبصيرتَهُ بغشاوةِ الإشاعةِ؟ وكيفَ يَشعرُ بالطمأنينةِ مَنْ يتنازلُ طوعاً عن نعمةِ التّفَكّرِ بما حولَهُ ويشتري بدلاً منها بضاعةً خاسرةً يُسوّقُها ويزَيّنُها شيطانُ التّثاقُلِ إلى الأرضِ والرّكونِ إلى العويلِ وندْبِ الحظّ؟

"رسالةُ اليومِ" هي البحثُ عن نقاطِ القوّةِ في زَمنٍ يحاولُ فيهِ كلُّ ما حَولَنا أنْ يوهِمَنا أنْ لا حَوَلَ لنا ولا قوّة. وإذا كنّا بهذا الضّعفِ الذي يرمونَنا بهِ فلماذا يشغلونَ أنفُسَهم بنا، وهلْ ضَعْفُنا هو الذي يَجعلُهم عاجزينَ عن تجاوزِنا؟ نحنُ لا ندّعي أننا نمتلكُ قدرةً خارقةً تستطيعُ قَهْرَ جُموعِ المتربّصينَ بنا وتشتيتَ شَملِهِم في لحظاتٍ، لكنَّ التجربةَ الطويلةَ في صراعِ الإراداتِ تُثبِتُ أنَّنا قد تجاوزْنا لحظةَ الهزيمةِ منذُ اليومِ الأولِّ لقرارِنا الذي رفَعنا فيهِ شعارَ "ثورة حتى النّصر"، وكلُّ ما جاءَ بعدَ هذا القرارِ هو تأكيدٌ على استحالةِ إلحاقِ الهزيمةِ بنا، وبُشرى بأنَّ هزيمةَ الأعداءِ صَبْرُ ساعةٍ، والصّبْرُ رديفُ التّفاؤلِ وإعمالِ الفِكْرِ والثّقةِ بأنَّ الصُّمودَ هو بوّابةٌ إجباريّةٌ في الطّريقِ إلى الانتصار.

"رسالةُ اليومِ" دعوةٌ للاستمرارِ في حراسَةِ الفِكْرةِ حتّى يهتِفَ الحارِسُ: إنّي أرى أوَّلَ خُيوطِ الفَجْرِ.

٢٦-٩-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان