السلام، الحرب

(المضمون: في الوقت الذي يتجادل فيه اليسار واليمين،الواقع يفرض الحقائق على الارض: قريبا لن يكون ممكنا الفصل بيننا وبين الفلسطينيين-  المصدر).

        مواقع البناء في المستوطناتوالبؤر الاستيطانية تعج بالحياة، وكذا مستشفيات الولادة الفلسطينية. قريبا لن يكونعمليا الحديث عن فصل السكان. على جانبي الجدار يختلط الزيت والماء في عجنة متفجرةواحدة. الجرافات والآليات الثقيلة تشق الطريق الى واقع على نمط يوغوسلافيا، ذاكالذي سبق التطهيرات العرقية والمذابح.

        وفي غضون بضع سنوات ستكتملالحقائق الناجزة على الارض، في ظل تقلص الاغلبية المحتلة. السائل الزيتي العكر لنيكون ممكنا فصله بعد ذلك. لا في الكتل ولا في نقاط الكراهية القليلة.فالفلسطينيون، من جهتهم، لن يوافقوا أبدا على الانخراط في دولة ثنائية القومية دونكامل الحقوق. ولما كان تحقيق حقوقهم سيشطب الطابع اليهودي والغربي لاسرائيل – فانهذا الحل ايضا ليس عمليا.

        سنتجادل حتى الغد، وفي هذه الاثناء فانالخيارين الاسمأ هما نظام الابرتهايد العنصري أو الكوكتيل اللبناني. سنقلب ونقلبالمسألة ولن نجد هدفا ثالثا للضياع الزاحف. في واقع الامر يوجد، بل هو محتم: طالمالا يوجد وداع بسلام، يقترب الوداع بالحرب. بعد حربي الاستقلال والايام الستة، فيالجولة الثالثة أيضا سننتصر. ومثلما في الجولتين السابقتين ستتوازن الديمغرافيا عنطريق فصل الفلسطينيين عن اراضيهم. ومثلما في حينه، ستغلي المياه والزيت الساخنسيصب على جيراننا.

        نيكولو ميكافيلي هو على ما يبدو المفكرالاكثر ملاءمة لهذا الزمان ولهذا المكان. في كتابه "الامير" يوصي الحاكمبمراعاة الذاكرة القصيرة للانسان: عند توزيع الامتيازات على المواطنين، على الحكمأن يفعل ذلك بحقن صغيرة على مدى فترة طويلة، وعند اتخاذ اجراءات متشددة – فرضهادفعة واحدة. إذن لماذا الانتظار حتى يكون لايران سلاح نووي؟ هيا نطرد الان وبضربةواحدة.

        لا حاجة الى اضاعة الوقت في تخطيط أصيلللترحيل. كل شيء جاهز في ارشيف الجيش الاسرائيلي، ببساطة ما علينا غير نفض الغبارعن الخطة "د" لقوات الهغناة: بداية نطرد القرى حول محاور السير الرئيسةفي المناطق، بدعوى أن من شأنها أن تساعد الجيوش العربية التي قد تغزو. ومن المحاورنواصل الى مناطق الحدود، في ظل استخدام ذات الحجة. في هذه الاثناء تقام وحدات شبهعسكرية من أفضل فتيان التلال وقدامى التنظيمات السرية اليهودية. هذه الوحدات ترسلالى مهمات ردع في القرى المتبقية، واذا ما ذبحوا قليلا، لا بأس، فان أيدي الجيشالاسرائيلي لن تسفك الدماء. الفزع الذي سيعربد في اوساط باقي الفلسطينيين سنغذيناره، سنبعث بمبعوث لكل مختار يهمس في اذنه بان وحدات المتطرفين اليمينيين تشقطريقها اليه. وعندما يهرب السكان، مرة اخرى لن تكون أيدينا ملوثة بهذه الفعلة.

        عندما يأتي أغيار العالم ذوو الوجهين،يطالبون باعادة اللاجئين – سندعي بان عودتهم ستخلق أقلية كبيرة جدا في الدولةاليهودية. إذ لا يمكن خلط الزيت بالماء. وهذا سيستغرق عقدا أو عقدين، وسيدور وزيرالتاريخ عينيه الى السماء. تماما مثلما حصل للهنود في اوغندا، للانجليز الذينجوعهم الالمان، للكينيين الذين جمعهم البريطانيون في معسكرات وقتلوهم. فهل يتذكرعلى الاطلاق أحد ذلك؟ فضلا عن ذلك، فان العالم على أي حال لا سامي. واذا ما خشي أحدما من حرب أهلية يسارية، فلا تقلقوا. أنسال الحمائم من مباي ومبام سينظرون الىالطرف الاخر مثلما درج اجدادهم – لم أرَ، لم أسمع. الشعب كله سيبدأ بنشيد الوطنوالرقص وعندما تتبين له الحقيقة سيتفرغ لشطبها من كتب التاريخ.

        "في ختام ألفي سنة منفى، كارثة، أمل:الحليب حامض والدبس مرير في البلاد. عائلة ثكلى – روتين يومي عادي، وعداء قديميغطي كل شيء. برأس منكس، سنواصل المعاناة أو نصرخ بصوت عال: لا يمكن أن نشتري جنةعدن بالدماء!" (عنبل برلموتر الراحل).

 

ورود فيفوهة البندقية

 (المضمون: المرة تلو الاخرى توجد لاسرائيل فرصة للعمل بشكل مختلف قليلا ولتستغل هذهالفرص في صالحها. ولكن المرة تلو الاخرى تصر اسرائيل على أن تفعل بالضبط ما يريدهالمغرضون اولئك. اسرائيل هُزمت مرة اخرى والمغرضون انتصروا مرة اخرى).

قواتنا عادت الى قواعدها بسلام. المواجهة بثت في قنوات وسائل الاعلامالرائدة في العالم. ولعيون الاجانب كان يخيل أن أفراد الشرطة، الذين يبدونكالجنود، اوقفوا متظاهرين من دول ديمقراطية حاولوا الدخول الى اسرائيل من أجلالوصول الى السلطة الفلسطينية. الحملة الجوية (Flytilla) التي جاءت في أعقاب البحرية.

الحقيقة، بالطبع، معاكسة. فهم لم يأتوا الى هنا كي يدفعوا الى الامامالمصالحة والتفاهم بين الشعبين. لم يأتوا الى هنا كي يشجبوا العنف. جاءوا الى مطاربن غوريون كي يخلقوا استفزازا كي يصوروا اسرائيل كدولة شرطة. أرادوا استعراضازائفا "لنشطاء سلام" حيال دولة شرطة. هذا بالضبط ما حصلوا عليه.انتصارهم.

الان هيا نتخيل سيناريو آخر: بدلا من أفراد الشرطة يحصلون على الورود. وبكلوردة ترفق رسالة توضح بانهم يُستقبلون بالترحاب رغم مواقفهم السياسية. لان اسرائيلهي ديمقراطية. رسالة توضح بان اسرائيل هي دولة محبة للسلام وهي مستعدة لمحادثاتالسلام دون شروط مسبقة. رسالة توضح بانه في العقد الماضي رفض الفلسطينيون كلمبادرة سلام. رسالة توضح بان 90 في المائة من سكان الضفة يعيشون تحت حكم السلطةدون أي صلة باسرائيل. رسالة توضح بان اسرائيل غادرت غزة وان الحكم هناك هوفلسطيني. رسالة توضح بان الاغلاق الجزئي، الجزئي جدا، على قطاع غزة هو وفقاللقانون الدولي ووفقا لسياسة الاسرة الدولة. وان الاغلاق كان يمكنه أن ينتهي فيلحظة واحدة، لو قبل حكم حماس في قطاع غزة شروط الرباعية. رسالة تشرح بان رفض حماسوالصواريخ التي تطلقها وقوانين الشريعة التي تفرضها هي تحصيل حاصل لايديولوجياجهادية تعلن صراحة عن كراهية اليهود وفريضة قتل اليهود. رسالة تشرح بان حماس لاتكتفي باليهود أو باسرائيل، وانها جزءا من الجهاد العالمي الذي يسعى الى احتلالالغرب ايضا.

لكل هذه الامور توجد أدلة واضحة. هذا لا يعني أن اولئك المتظاهرين كانواسيقتنعون. واضح أن لا. أغلبيتهم الساحقة، إن لم يكونوا كلهم، ينتمون الى مجموعاتمثل "Free Gaza" و "ISM" (حركة التضامن الدولية)، وهم جزء من شبكاتالمنظمات المكتظة لحركة "BDS" (مقاطعة وعقوبات ضد اسرائيل). الهدف المشتركوالمعلن لهذه الجهات هو تصفية دولة اسرائيل بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي.وهم ليسوا ضد الاحتلال. هم ضد اسرائيل. هم يؤيدون عودة فلسطينية وليس بسلام. وهممع حماس وضد مجرد وجود اسرائيل.

ولكن شيئا واحدا كان بالفعل سيحصل. بدلا من أن تركز الكاميرات على العنفالاسرائيلي كانت ستركز على الورود. وكذا الرسائل كانت ستحظى بالكشف. وهكذا، بدلامن ان تكشف اسرائيل محبي حماس اولئك، كجزء من التحالف الاحمر – الاخضر للجهادواليسار الراديكالي، فانهم هم الذين نجحوا في أن يقلبوا الصورة ويعرضوا اسرائيلكدولة شرطة. المرة تلو الاخرى توجد لاسرائيل فرصة للعمل بشكل مختلف قليلا ولتستغلهذه الفرص في صالحها. ولكن المرة تلو الاخرى تصر اسرائيل على أن تفعل بالضبط مايريده المغرضون اولئك. اسرائيل هُزمت مرة اخرى والمغرضون انتصروا مرة اخرى

 

 

بلادجديدة

(المضمون: تقرير عنجنوب السودان عند استقلاله).

هذا هو الحلفالقديم – الجديد. بلاد في بدايتها. مساحات متربة بشمس ساطعة. بلاد ملونة بأطيافاللون الاخضر الغامق يتناثر فيها ثمانية ملايين نسمة، بلاد أسيرة منذ أجيال في قرعطبول الحرب، بلاد ستحظى قريبا باستقلالها.

تعلن جنوب السودانعن استقلالها عن الشمال، العربي في معظمه، والذي قاتلت ضده على مدى أجيال. الولادةالنادرة للامة التي ستكون الدولة الاحدث في العالم. بالنسبة للملايين الذين قتلوافي الحرب الاهلية، والملايين الذين نجوا منها كيفما اتفق، هذه هي اللحظة الاكبر.

ولكن في 9 تموزستقف جنوب السودان في المكان الذي عملت فيه الطبيعة وحدها فقط. السودان هي بلادالمساحات الهائلة، التي قليل منها فقط، اذا ما عبرنا عن الامر بسخاء، شهدت تنميةمن فعل البشر. عدد الطرق، على مساحة نحو 650 الف كيلومتر مربع، أقل من أي مكان آخرعلى وجه الكرة الارضية.

في يامبيو، قرية فيغربي الدولة، غير بعيد عن حدود الجمهور الديمقراطية للكونغو، المدرسة قفراء.الطاولات والكراسي شاغرة، ولكن قريبا سيمتلىء المكان. مع الغروب بعد أن يعودالاولاد الى منازلهم، يأتي الكبار. نخبة يامبيو. سياسيون، ضباط، رجال ادارة وشرطةيأتون ليتعلموا الجغرافيا، الرياضيات، القراءة والكتابة.

بعد الحصول علىالاستقلال ستكون جنوب السودان الدولة الاكثر حبا في العالم، العزيزة التاليةلمنظمات المساعدة. بحث استدعته مؤخرا الادارة الامريكية أوضح بان "في عهدنا،لا يوجد ترميم بعد نزاع أكثر تحديا مما في جنوب السودان".

حسب البحث، فليسفقط ملايين المواطنين لا يعرفون القراءة والكتابة. ينضم اليهم نحو 60 في المائة منموظفي الحكومة المحلية، ممن كبر الكثيرون منهم في ظل القتال. "موضوع التأهيلحيوي"، قال العقيد اينوكا، مقاتل سابق في جيش التحرير الشعبي السوداني،المسؤول اليوم عن تأهيل الشرطة. "نحن نقف أمام عدة عوائق. أكبرها هو عدممعرفة القراءة والكتابة".

هذا مثير للاهتمام.الاسرة الدولية التي تجاهلت الحرب في السودان لفترة طويلة تغرق الدولة الوليدةبالسيارات، بالرواتب السخية وبجملة كبيرة من خطط التنمية. وأطلقت الامم المتحدةمؤخرا مبادرة واسعة النطاق، وملأت الوزارات الحكومية والهيئات الاخرى بالعديد منالخبراء.

"هذا سوق.مجتمع مدني"، قالت نيهي ارزموس من منظمة AfricaJustice . فقد أقامت فريقا لموضوعالسودان في الاتحاد الافريقي. "هذه ستكون موجة هائلة. لا توجد مياه دافقةولكن يوجد سوشي"، قالت ارزموس واضافت: "من الصعب قياس النجاح".

في تقرير وكالةالانباء "ايي.بي" جاء مؤخرا بان الولايات المتحدة توفر مساعدة ماليةوفنية لجيش تحرير جنوب السودان (SPLA)، الجيش الوطنيللدولة الجديدة. جيش التحرير، الذي قبل ست سنوات فقط كان حركة ثوار، اتهم بخروقاتفظة لحقوق الانسان، انتقادا وجه للامم المتحدة لفشلها في تفكيك هذه الهيئةالكبيرة، التي كانت تضم نحو 140 الف جندي. ولكن من يدري.

حكومة جنوب السودانتبذل قصارى جهدها للاستعداد للاحتفالات المقتربة – والتي ستكون كابوسا لوجستياواداريا لحكومة تعاني من خلل في قدراتها.

في الاسبوع الاخير،كانت العاصمة جوبا مغلقة ومنغلقة. حواجز نصبت في ساعات الليل. مدربون دفعوا بالعصيابناء الثمانية ممن انشغلوا بالتدريبات على مسيرة يوم الاستقلال. "هماكراهيون في موضوع الانضباط"، قالت د. كارول بيرغر، خبيرة في الشؤونالسودانية، "طواعية يغرس فيهم كبرياء معين".

هذه هي صورة بلادكابوسها أصبح حلما سيتحقق قريبا. الامن يعتبر فيها فوق كل شيء. وجنون الاضطهاديتسلل الى الجميع.

قبل تحرير السودانمن عبء الاستعمار، قاتل الجنوب كي ينفصل عن الشمال. حربان أهليتان، لعشر سنوات لكلمنهما. الاخيرة بينهما قادها جيش التحرير، بهدف تغيير النظام في السودان وليسللانفصال عن الشمال. وكان الجيش يخضع لقيادة جون غرانك، زعيم شاب، مصمم وكاريزماتيكان رمزا في نظر السودانيين في الجنوب وزعيما سياسيا مؤثرا في أرجاء الدولةبأسرها.

وبينما قاتل غرانكمن أجل تغيير النظام في العاصمة الخرطوم، أراد آخرون القطيعة التامة عن الشمال.جيش التحرير انشق الى عدة حركات، وعاد واتحد فقط مع حلول القرن الواحد والعشرين.في 2005 تحطمت مروحية كان يستقلها غرانك. قتل الزعيم وموته أخرج الريح من أشرعةالثوار في جنوب السودان.

في ذات السنة وقعاتفاق سلام مع الشمال، يقول احد بنوده باجراء استفتاء شعبي على استقلال الجنوب في2011. في 9 كانون الثاني من هذا العام أيد 99 في المائة من المقترعين في جنوبالسودان الاستقلال. وهو يعلن رسميا الان.

ولا تزال كثيرةمصادر القلق. ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوب السودان بقي مشكلة غير محلولة.في المنطقة موضع الخلاف ايبيه، التي كان فيها اشتعال للعنف بين الدولتين، رابط نحو5 الاف جندي اثيوبي من قوة فرض السلام من الامم المتحدة، حاولوا تبديد التوتر. فيهذه الاثناء يتعاظم التوتر في شمال السودان، في منطقة النوبة الجبلية. مقاتلوالعصابات الذين أيدوا الجنوب في عهد الحرب الاهلية، ثاروا ضد حكومة الشمال وهميتعرضون اليوم للقصف من الجو.

حكومة جنوب السودانامتنعت عن المواجهات مع الشمال في الفترة العاصفة الاخيرة، ولكن الكثيرين يخشون منأن تتغير الامور بعد 9 تموز. "يوجد الكثير جدا من التقارير في الشمال عناعدامات جماعية واعتداءات على المواطنين بسبب اصولهم العرقية، ولا سيما من مواليدجبال النوبة بما في ذلك من نساء وأطفال"، كتب اريك ريبس، محاضر وخبير أمريكيفي شؤون السودان، "اصداء رواندا تصدح عاليا اكثر من أي وقت مضى".فضلا عنذلك، توجد مشاكل في جيش جنوب السودان نفسه. حجمه يثقل على ادارته، وانتشاره واسعجدا. مجموعات منشقة هاجمة المدن، القرى ووحدات الجيش اتهمت هي ايضا في تقاريرالامم المتحدة باطلاق النار بلا تمييز بين القرى، حتى حين فرت هذه نحو نهر النيل.وأفادت الامم المتحدة بانه منذ الاستفتاء في كانون الثاني قتل نحو 2.000 مواطن فيمعارك داخلية في جنوب السودان. هذا العدد لا يتضمن الجنود، الذين يموتون بسرعة وفياحيان قريبة. ولكن ليس الحال سيئا للجميع. الاقتصاد العذري لجنوي السودان وانعدامقدرتها على استغلال أرضها وأسواقها أتاحت للكثيرين – بدءا بالامريكيين وانتهاءابالصينيين، بالاتراك وبالاساس بالافارقة الاخرين – السيطرة على المنطقة. في سوقكونيو – كونيو في جوبا، العاصمة الصغيرة المزدهرة لجنوب السودان، مهاجرون مناوغندا يتحدثون عن الحياة في البلاد الجديدة. "نحن كثيرون"، قال صالحعباس من كامبالا، عاصمة اوغندا. "كل شيء هنا جاء من اوغندا. فما الذي يمكنالحصول عليه من السودان؟ لا شيء" – ولكنه اضاف: "جيد هنا".