انحلال الامة العربية

ان اعلان جنوب السودان استقلاله حدث تاريخي قد تكون له آثار حاسمة علىمستقبل الشرق الاوسط. وقد يكون انقسام السودان التي كانت حتى الان أكبر دولةعربية، الى دولتين – مسلمة عربية في أكثرها في الشمال ومسيحية وعابدة أوثان فيأكثرها في الجنوب – قد يرمز الى بدء نهاية عصر تقسيم المنطقة السياسي على أيديالقوى الاستعمارية الماضية.

وفي الحاصلالعام ليست السودان هي الدولة المصنوعة المتعددة الطوائف الوحيدة التي أنشأتها قوىاوروبية للحفاظ على مصالحها. وبرغم أن وجود اسرائيل وحده هو الذي يعرض على الدواملانه نتاج أيدي القوى الاجنبية الذي كان يرمي الى ان يكون رأس جسر استعماري في جسد"الامة العربية والمسلمة"، فان أكثر دول المنطقة تدين بوجودها لتقسيمالشرق الاوسط الذي خططته في الاساس بريطانيا وفرنسا مطلع القرن الماضي عن انحلالالدولة العثمانية وهزيمتها.

اضطر سكانجنوب السودان الى العيش أكثر من خمسين سنة تحت نظام حكم ارغام ديني وحضاري طاردهموذبحهم ومنعهم من تحقيق حقوق اساسية. وقد جبت الحرب الاهلية الدامية التي نشبت بينالنظام في الخرطوم وبين العصابات المسلحة المسيحية في الجنوب خاصة حياة اكثر منمليوني انسان ومنعت تطوير الجنوب وجعلته من المناطق الاشد فقرا في العالم برغمكميات النفط الضخمة الموجودة فيه.

لا يختلفالوضع في السودان التي حظيت في العقد الاخير فقط بالانتباه الدولي المناسب، لايختلف كثيرا عن الوضع الذي يسود أكثر دول الشرق الاوسط التي ما تزال تحكمهادكتاتورية دينية وثقافية، اسلامية وعربية لا تمكن ابناء الاقليات من تحقيق حقوقهمالانسانية الاساسية.

سقط ابناءتلك الاقليات مدة عشرات السنين تحت قهر سياسة العروبة والاسلمة التي كانت ترمي الىتحقيق فنتازيا وجود "امة عربية" و "امة مسلمة". وكان ثمنتحقيق هذه الفنتازيا التي يؤمن بها من الناس في الغرب أكثر مما يؤمن بها من الناسفي الشرق، الاضطهاد المطلق لاقليات جرى التعبير عنه احيانا بابادتهم المادية. وقدجرى في السودان تعبير متطرف جدا عن سياسة الابادة هذه وهي التي يطلب بسببها رئيس السودانالحالي وعدد من الاعضاء الكبار في نظامه للمحكمة الدولية في لاهاي. لكن القضاء علىالاقليات نفذ وينفذ على نحو منهجي في أكثر دول المنطقة واكثرها اعضاء في"الجامعة العربية" و "منظمة المؤتمر الاسلامي".

تشهد الردودالمعادية في أنحاء الدول العربية لانشقاق جنوب السودان على الخوف الكبير من تحطمفنتازيا الوحدة العربية. ان حركة التمرد الشعبي على الحكم القائم في العالم العربيوالتي تقدرها كثيرون في الغرب بانها "حركة تحول ديمقراطي"، تسهم فيالاحياء المتكلف بهذه الفنتازيا الجماعية على نحو يثير العجب. ان خطاب "الربيعالعربي"، الذي يتجاهل تماما الخروق الكبيرة بين بواعث حركات التمرد في دولالشرق الاوسط المختلفة وبين المطامح المتعارضة بعناصر التمرد يشهد على استمرارالرفض العنيد للاعتراف بتعقيد المنطقة الكبير وعلى ارادة قوية لابقاء حلم وجود"عالم عربي موحد" حيا.

لكن التحولالديمقراطي الحقيقي اذا ما حدث حقا للشرق الاوسط، يناقض مناقضة مطلقة فكرة وجود"عالم عربي" في المنطقة. فالتحول الديمقراطي الحقيقي يوجب باعتراف بوجودجماعات أقليات دينية وثقافية وبحقوقها التامة. لا يستطيع التحول الديمقراطيالحقيقي ان يبني "ديمقراطية عربية" أو "ديمقراطية اسلامية"،لان هذه التعريفات تكمن فيها نواة تمييز يقع على الاقليات.

قد تكونالسودان أول دولة في المنطقة تنقض عراها. ان استقلال جنوب السودان سيقوي التوتراتالداخلية في دول المنطقة الاخرى لكنه سيكون نموذجا أيضا لتحقيق الاعتراف بحقوقكثيرين من ابناء المنطقة في أن يكونوا مختلفين ويتحرروا من الاستبداد العربيوالاسلامي الذي فرض عليهم زمنا طويلا جدا.

 

 

لا يحل قبول املاءات مناوباما

 (المضمون: لا يستطيع نتنياهو الذي يؤيده الرأي العام الاسرائيلي في أكثره، قبول املاءاتالادارة الامريكية الحالة التي تهدد أمن اسرائيل).

الى جانب التأييد المعروف في مجلس النواب الامريكي، تشير استطلاعات الرأيالعام الى مستويات قياسية من التأييد الشعبي الامريكي لاسرائيل، بلغت 65 في المائةقياسيا بـ 37 في المائة في سنة 1988.

لكنه يلوححتى الان وجود صراع شديد مع الادارة الامريكية. ان البيت الابيض هو الذي يخطط علىنحو تقليدي لسياسة الولايات المتحدة الخارجية. وفي هذه الحال قد يتجاهل اوباما –المصمم على الامتناع عن استعمال حق النقض في مجلس الامن – الرأي العام في بلدهويفرض علينا قبول مطالبه الاخيرة.

هاجت فيالمدة الاخيرة حملة دعائية ترمي الى استعمال ضغط على مجلس النواب الامريكي لتغييرموقفه، وانشيء فريق عمل مهمته اقناع اليهود بان اوباما يعمل لمصلحة اسرائيل. أعلناوباما في عشاء تم في الاونة الاخيرة مع متبرعين يهود بان ادارته "ستصرف كلقواها الابداعية" لاقناع اسرائيل بالفحص عن مواقفها من جديد. لكنه نبه أيضاعلى نحو ينذر بالشر الى انه اذا لم تستجب مطالبه فان "الاختلافات التكتيكيةبين اسرائيل والولايات المتحدة ستزداد".

ما يزال جزءكبير من وسائل الاعلام الامريكية الليبرالية يجتهد في مقاومة نتنياهو. فقد وصف تومفريدمان من صحيفة "نيويورك تايمز" نتنياهو بانه "مباركاسرائيل"، وهذا مثال فقط. والمشكلة هي أنه برغم ان أكثرية يهود الولاياتالمتحدة تؤيد اسرائيل بحماسة ويعترف 75 في المائة منها بان هدف العرب هو تدميرالدولة اليهودية – فان جزءا كبيرا من الاعلام اليهودي الامريكي يوافق على زعم انسياسة نتنياهو هي المشكلة.

ان عدمالاكتراث والصمت عند القيادة اليهودية مقلقان. فاذا استثنينا منظمة "صهاينةامريكا" الصقرية فانه لم يُسمع أي رد يهودي رسمي على محاولة وزيرة الخارجيةهيلاري كلينتون ان تفرض على اسرائيل صيغة اوباما أو على الضغوط الجديدة التييستعملها البيت الابيض على قادة يهود امريكا. بل ان زعيم المؤتمر اليهودي العالميرونالد لاودر حث نتنياهو على استعمال جهود لاقناع الفلسطينيين في العودة الىالتفاوض. وهذا مطلب سخيف اذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أنهم رفضوا فعل ذلك برغمتجميد الاستيطان. لكنه بخلاف الحيلة الدعائية التي حدثت على أثر تصريحه، قال ليلاودر على نحو لا لُبس فيه انه يؤيد تماما رفض نتنياهو طلب اوباما ان تتبنىاسرائيل حدود 1949 مع تبادل اراضٍ باعتباره نقطة بدء التفاوض.

من حسن الحظأنه ما يزال للرأي العام دور مهم في صياغة السياسة الخارجية الامريكية. لكنه توجدحاجة ملحة الى بدء حملة دعائية محكمة من أجل الرأي العام تبين للامريكيين ولمجلسالنواب الامريكي لماذا نعارض بشدة المطالب الجديدة والى حملة دعائية تشحذ ادراك أنالحكومة الاسرائيلية في هذه النقطة تتمتع بتأييد أكثر الاسرائيليين. يجب ان نحذرفي هذا الاجراء عدم تعريض جهود الايباك التي تستحق المدح من أجل الحفاظ على تأييدالحزبين الامريكيين لاسرائيل في مجلس النواب، للخطر.

علينا أننؤكد ان اسرائيل دولة ذات سيادة، وانه ينبغي الا يتوقع منها قبول املاءات من ادارةامريكية لم تنقض التزامات تلك التي سبقتها فقط بل قررت ايضا الاعتراف بالاخوانالمسلمين، مؤسسي حماس بانهم حزب ذو شرعية في مصر. ويرفض الرئيس ومساعدوه الاعترافبان مطالبهم تناقض قرار الامم المتحدة 242 الذي لم يؤيد قط "تبادلا متفقاعليه بالاراضي" بل ايد حدود أمن اسرائيل.

علينا اننبين ان خطوط وقف اطلاق النار في 1949 هي تهديد وجودي لنا في الامد البعيد. يعرف اوباما حقيقة ان هذه الحدود غير مناسبةلكنه يصر على ان تبادل الاراضي سيعوض من ذلك. ويتجاهل حقيقة أن "الاتفاقاتالمتبادلة" المتعلقة بـ "التبادلات" متعلقة بارادة الفلسطينيينالخيرة وان عباسا اعلن في الماضي انه مستعد لان يزن تبادلات "في الحدالادنى" فقط.

ان قبولصيغة اوباما معناه أن نقطة انطلاق التفاوض ستجعل جبل الهيكل وحائط المبكى والضواحياليهودية من شرقي القدس والكتل الاستيطانية الرئيسة داخل الدولة الفلسطينية. كيتحتفظ اسرائيل بهذه المناطق داخلها يجب عليها أن تحرز موافقة فلسطينية على"التبادلات". والى ذلك فانه في حالة تحقيق "التبادلات"، فانصيغة اوباما تمكن الفلسطينيين من مواصلة طلب حق العودة وهو وصفة مجربة بنهاية دولةاليهود.

علينا أننبين نقطة ان اسرائيل منذ انتخب اوباما هي التي قامت بجميع التنازلات في حين لميعطِ الفلسطينيون شيئا بل انهم رفضوا مفاوضتنا. لا شك في أنه حان وقتُ ان تكفالولايات المتحدة عن منح الفلسطينيين جوائز مقابل عدم التعاون. يجب علينا أن نعرضعلى مجلس النواب الامريكي ان يزن الاستمرار على تمويل السلطة الفلسطينية ما استمرتالوحدة بين منظمة حماس القاتلة والسلطة.

حان وقتُ انتطلب الادارة حل كتائب شهداء الاقصى التابعة للسلطة – التي تعرفها الولاياتالمتحدة بانها منظمة ارهاب – وان تستعمل تأثيرها لمواجهة التحريض الاهوج المستمرعلى اسرائيل واليهود. ان حقيقة ان 68 في المائة من الفلسطينيين ما زالوا يؤيدونالعمليات الانتحارية تتحدث من تلقاء ذاتها.

مع الاخذ فيالحساب المطالب التي القيت علينا يحل لنا أن نتوقع ان تقول "حليفتنا التي لاتتزعزع" الكلام كما هو وان تشعر الفلسطينيين ان الولايات المتحدة عالمة بانحق العودة للاجئين الفلسطينيين سيفضي الى نهاية الدولة اليهودية.

هذه هيالاسباب التي تجعل نتنياهو لا مناص له سوى رفض مقترحات اوباما عن قلق بامن اسرائيلحتى لو وضعنا جانبا مشكلات أمنية مثل الوجود الاسرائيلي في غور الاردن وطلب حدودمتصلة.

 

 

اليسار واليمين: أيهما يحرضعلى العنف؟

 (المضمون: يزعم الكاتب ان النيابة العامة الاسرائيلية وجهاز القضاء يفرقان في المعاملةبين اليساريين واليمينيين فيميلان الى اليساريين على اليمينيين).

ان إحدىالدعاوى على الاعتقال المغطى اعلاميا للحاخامين دوف ليئور ويعقوب يوسف كانت تتعلقبالتمييز المنهجي الذي تستعمله النيابة العامة على أشخاص من اليسار، والذي يمنحهمفي ظاهر الامر رعاية حرية التعبير ولهذا تمتنع عن محاكمتهم وإن كان بكلامهم تحريضحقيقي أيضا. اراد القدر أن تعرض النيابة العامة في الايام الاخيرة فرصتان لتزيلهذا الشعور السائد عند حلقات في اليمين والقصد الى تصريحين شديدي اللهجة يدعوانالى حرب أهلية مع المتدينين في اسرائيل والمستوطنين. الاول هو تصريح يونتان شيم أور،وهو صحفي معروف كتب في أحد مواقع الانترنت بشأن المتدينين انه "بعد قليل ستكفالاكثرية عن نزفها وتخرج بسفك الدم". بل انه أعلم بصراحة هدف الهجوم –"هم، وشعر اصداغهم المرتجف بروح القدس. هم وعيونهم... هم ومعاهدهم الدموية...بعد قليل سيسكتون. بعد قليل سيغرقون في دمائهم".

يختم شيمأور نبوءة غضب القاتمة المهددة هذه بدعوة متأثرة للجمهور العلماني الى أن ينهضويشارك في قضاء القدر المخطط له لنا في دولة اسرائيل – "ستكون حرب ويسفك دم.لكن النتيجة واضحة. سينهض الشعب ويقف – لا على قدميه فقط بل على رأيه ومبادئهايضا"، كتب في حماسة. "سيخرج العمال والمخترعون والفنانون والعلماءورجال الصناعة والمعلمون وغيرهم للمعركة. اولئك الذين اصبحوا يدركون ان الامر قدحسم فإما هؤلاء وإما اولئك وإما الدولة وإما الغيتو. إما الحياة وإما الموت. حانزمن المعركة".

هكذا كتب،من غير أن يعتذر ومن غير أن يستحيي ومن غير أن يخشى نتائج التحريض ومن غير أن يخافالشرطة بالطبع. والى ذلك فان النص التهديدي المذكور أعلاه يرمي الى نشر واسع قدرالامكان.

يقف الىجانب شيم أور شخص مهم آخر هو رجل السينما يهودا جاد نئمان الذي فاز بجائزةاسرائيل، والذي أعلن في حديث الى الصحفي زئيف كام أنه "ستكون حرب أهلية بيناليمين واليسار وسنرى آنذاك من ينتصر. هذا ما نحتاج اليه ههنا. حرب بين اليسارواليمين، وبين المستوطنين واليساريين، وسينتصر المستوطنون بالطبع لان لهم اكثريةفي الجمهور الاسرائيلي والحكومة، وستكون ههنا آنئذ دولة فاشية ويكون كل شيء على مايرام".

والى ذلكأنها نئمان اقتراحه بالصيحة الفاشية "يحيا الموت".

ينبغي أولاأن نسأل كيف حدث ان اثنين يدعيان انهما ممثلا التنور والتعددية، ومن فرسان حقوقالانسان والمواطن، يمجدان الحرية والديمقراطية، يهبان الى معركة ويشجعان على حربأهلية، حرب بين الاخوة حتى وهما يعلمان نتائجها المدمرة.

وثانيا نسألالا يدركان ان الحرب الاهلية كما يعلمنا التاريخ لا تفرق بين الاعداء والغافلينوبين ابناء الشيطان والابرياء. انها حرب يخسر فيها الجميع في الحقيقة والامة كلهافي الاساس.

وفوق ذلكيبدو أنه لا حاجة الى أن نقول في مبلغ كون هذا الكلام مزعزعا. ان مواطنين في دولةاسرائيل وكلاهما ذكي على التحقيق، يدعوان الى المس، جسمانيا حقا، بكل من يخالفهمفي الاعتقاد.

يلقى علىالنيابة العامة الان واجب البرهان على المساواة. فقد جرى التحقيق مع الحاخامينليئور ويوسف في أقل من ذلك. وينبغي أن نذكر بانهما لم يؤلفا كتاب "نظريةالملك" بل عبرا فقط عن موافقة خطية على مضمونه العام. في مقابل هذا لا حاجةفي الحالتين المذكورتين أعلاه الى تفسير موسع او خيال متطور لادراك ان امامنادعوتين الى سفك الدماء.

ان الكاتبينعلى قدر كاف من الصدق مع جمهور القراء بحيث لم يختبئا وراء الاستعمال المجازي أوالكناية اللذين يمكن ان يُفهما على وجهين.

انهمايصرحان على رؤوس الاشهاد برغبتهما برؤية دم مسفوك. والعنوان كما اعتادوا أن يقولوامنقوش في الجدار.

 

ديمقراطية مجنونة

 (المضمون: ترعى اسرائيل وتنمي انها ديمقراطية مجنونة وتحاول تسويغ كل عمل لمواجهة نطاءسلام وحقوق انسان بانه من أجل أمن الدولة والحفاظ على سلامتها).

يجب أن يثيرهجوم نشطاء السلام الخوف العميق في حكومة اسرائيل، لانه ما زال يفور وراء هذاالهجوم - الذي يسمى تارة قافلة بحرية وتارة اخرى رحلة جوية – تصور عام جهدتاسرائيل في اقتلاعه منذ سنين. يقول هذا التصور ان اسرائيل غير منيعة من الضغطالدولي وانها دولة ككل دولة غربية، للرأي العام فيها تأثير في حكومتها. وان التيارالمركزي فيها على الاقل سيستقبل نشطاء السلام الدوليين في المباركة كي يعرض بديلامن السياسة المجنونة. وهو التصور الذي يعتقد في سذاجة ان اسرائيل عندما تعلن بانهاالديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط فان لهذا الاعلان معنى، وان حقوق الانسانوفيها حقوق الانسان الواقع تحت الاحتلال، هي جزء لا ينفصل عن الخطاب العام المؤثرفيها.

ان اولئك"الغزاة الخطرين" الذين يحظون دائما بنعت "هاذين" يصرون تغييرواقع وسياسة لم تنجح حتى القوى العظمى كالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي فيتغييره.

ظنت اسرائيلانها نجحت في الطمس على المفاهيم والبلبلة بين الديمقراطية المدافعة عن نفسهاوالاحتلال المدافع عن نفسه. فهي تعرض غزة وكأنها جزء من سيادتها، وتعرض الحصارعليها كأنه وسيلة دفاع عن تلك السيادة. وهي تتمسك بالقانون الدولي الذي يسمح لهابوقف قوافل بحرية ترمي الى المس بسيادتها، وترفض القانون الدولية عندما يحاول أنيملي عليها كيفية ادارة احتلال "قانوني".

يكمن هناايضا خطأ نشطاء حقوق الانسان: ان اسرائيل تتبنى القانون الدولي فقط عندما يبيح لهاأن تنفذ او تعتقل أو تمنع أو تضائل عدد السعرات الحرارية التي سيتمتع بها الواقعونتحت الاحتلال. أما الامور الممنوعة مثل بناء المستوطنات او هدم البيوت فأبعدتها خارجمياهها الاقليمية.

تطمحاسرائيل الى أن تكون "دولة ديمقراطية مجنونة". دولة تعرض من جهة سلطةمنتخبة، وتعدد أحزاب وحرصا على حقوق مواطنيها وأُذنا مصغية الى رغبات الجمهور. ومنجهة ثانية دولة يحسن الا يشغل العالم نفسه بها لانه لا يمكن ان يعلم ماذا ستفعل فيكل ما يتعلق بشؤون الامن. فهي تطلق النار أولا وتسأل الاسئلة بعد ذلك. فاذا قتل فيهذه الفرصة ايضا مدنيون أبرياء فلسطينيون أو أتراك أو "نشطاء سلامهاذون" فليس هذا خطأ بشريا وخللا يقع عندما نحارب بل هو أداة لتعزيز صورةالجنون التي ترمي الى الردع.

لم توجداسرائيل هذه الطريقة. فأكبر الديمقراطيات أي الولايات المتحدة تعمل بطريقة مشابهةفي افغانستان، ولا تنفر قوات حلف الشمال الاطلسي التي يخدم فيها جنود بريطانيونوأتراك من طريقة الردع هذه في نشاطهم في افغانستان او ليبيا. والفرق انه عندماتصيب قواته مواطنين مدنيين أبرياء يشعر بعدم الارتياح على الاقل ويعبر عن الاسف بليدفع التعويضات أحيانا.

ما زالتاسرائيل تتمتع بصورة "الديمقراطية المجنونة" بل نجحت في اقناع اكثرمواطنيها بان هذه هي الصيغة الوحيدة التي ستضمن لهم الامن مع الرفاهية. ونجاحهاكبير الى درجة أن اكثر مواطني الدولة لا يرفضون البتة وقف سفن مساعدة لغزة، وصدنشطاء سلام عن الدخول وأن النشاط من أجل حقوق الانسان يعرف بانه تهديد لوجودالدولة. نجح اشراب النفوس هذا التهديد فوق المأمول: فقد حظيت ايران ونشطاء السلامبمنزلتين متشابهتين. وتوقع المواطنين الاسرائيليين المستعد هو في الاستعداد للعرض:هل سينجح سلاح البحرية في المس بمحركات سفن القافلة البحرية ويهز القلوب فخرا؟ وهلسينجح مئات الشرطيين الابطال في اعتقال نشطاء مافيا السلام العالمية؟

من هنا يأتيالتهديد الذي يعرض هؤلاء النشطاء اسرائيل له. فنشاطهم قد يضعضع صورتها باعتبارهاديمقراطية مجنونة أو مجنونة في الاساس. فهم يؤمنون بان جزءا من مواطنيها على الاقلسيستغربون ويسألون سؤالا وربما يخرجون للتظاهر. يجب ان نأمل من أجل أمن الدولةوسكون نفوس مواطنيها ان يعرف الجيش الاسرائيلي والشرطة وسلطة المطارات كيف تصدالتهديد بالقوة المناسبة. فانه اذا استسلمت اسرائيل لنشطاء سلام غدا فقد تطيعمطالب امريكية والعياذ بالله.

 

ننتظر ايلول

 (المضمون: تعنت اسرائيل وعدم اقتراحها مبادرة منها لحل الصراع الاسرائيلي – الفلسطينيهما اللذان يجعلان الدول الغربية تفكر في تأييد انشاء دولة فلسطينية بحسب اعلان منالامم المتحدة).

ان مظاهرةلتأييد الفلسطينيين هي عمل مريح ذو مردود. تعلم ادارة اوباما – المعنية بان تضائلسريعا الوجود العسكري الامريكي خارج الولايات المتحدة – أن نشاطا من أجل تجديدالتفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين ليس مقرونا بتدخل عسكري في المنطقة. وفي عواصماوروبية ولا سيما بين اعضاء حلف الشمال الاطلسي، لا تعرف أين تمضي بعارها على أثرفشلها في ليبيا – فان مواجهة دبلوماسية مع اسرائيل جراء عدم وجود مبادرة سياسية هيتعويض من الذات المكلومة. ان تلك الجماعة الدولية التي ظهرت في كامل مهانتها عندمالم تحاول حتى وضع حد لذبح المدنيين في سوريا، تستطيع إذن ان تجد لنفسها عزاءباظهار الموالاة للشعب الفلسطيني المحتل مع توجيه انتقاد وتهم الى اسرائيل.

لهذا فحتىلو حققت اسرائيل ما أصبح في الاونة الاخيرة رغبة سياسية وأحرزت هدف الثلاثين"دولة مهمة"، لا تؤيد في التصويت في الامم المتحدة في ايلول الاعلانالاحادي لانشاء دولة فلسطينية – فانه في الغد بعد التصويت سيظل الصراع الاسرائيلي –الفلسطيني في رأس برنامج عمل السياسة الخارجية الامريكية والاوروبية.

لن تدعالجماعية الدولية اسرائيل وشأنها ولن ينخفض سور العزلة الذي يحيط بها في ساحةالامم المتحدة سنتيمترا واحدا حتى لو صوتت كندا وايطاليا والمانيا والولاياتالمتحدة بالطبع وميكرونيزيا معارضة اعلان دولة فلسطينية. لن يغير انضمام بلغارياورومانيا الى المصوتات المعارضات أو الممتنعات حقيقة أن اسرائيل تُرى مشوشة علىتجديد التحادث.

يسود مركزالامم المتحدة الاتفاق على أن الاجراء الاحادي لن يأتي السلطة الفلسطينية بجدوىحقيقية. يتحدث سفير اسرائيل في الامم المتحدة رون بروشاور ودبلوماسيون غربيون موالونعن أن الدعاوى التي يثيرونها امام نظرائهم لمواجهة تأييد الاعلان الاحادي بدولةفلسطينية تستقبل بمشايعة. ويقول بروشاور إن الدعوى الاسرائيلية التي تقول ان تأييدالاجراء الاحادي سيمس بروح اتفاقات مثل اوسلو والاتفاق البياني في 1995 وخريطةالطريق تحظى بالتفهم. لكن الدعوى المضادة هي انه لا مناص مع عدم وجود مبادرةسياسية من قبل اسرائيل سوى تأييد الاعلان الاحادي.

بحسب كلاممصادر ثقة، ما زالت بريطانيا وفرنسا لم تقررا نهائيا كيف ستصوتان. ان الانباء عنأنهما ستصوتان مؤيدتين ترمي الى الضغط على اسرائيل. تنتظر الولايات المتحدةواوروبا 11 تموز وهو موعد عقد جلسة الرباعية في واشنطن والتي ستحددان على أثرهانهائيا طرائق عملهما الدبلوماسية استعدادا للتصويت في ايلول.

يقولمسؤولون كبار في واشنطن وفي نيويورك في احاديث خاصة بينهم ان بنيامين نتنياهويستطيع ان يستغل جلسة الرباعية من أجل اجراء جريء كأن تعلم اسرائيل الرباعية انهاذا وافق محمود عباس على ان ينسق سلفا مع ممثلي الرباعية صيغة الاعلان التي ستقدمللتصويت عليها في الامم المتحدة – فانها ستصوت مؤيدة – واذا عارض فان اسرائيلستمتنع او تغيب عن التصويت.  ويستطيعالرئيس اوباما ومندوبو القوى العظمى ان يعرضوا التفضل الاسرائيلي باعتباره مقترحاينبغي الا ترفضه السلطة الفلسطينية وباعتباره اساسا لتجديد التفاوض.

"لنيحدث هذا"، قال سفير غربي يعرف جيدا المزاج العام في ديوان رئيس الحكومة.وقال ان اسرائيل لو بذلت جهدا لصياغة صيغة تستطيع أن تقنع السلطة بتجديد التحادثبنفس الطاقة التي تستهلكها في اغراء دول في المعارضة او بالامتناع عن التصويت فيايلول – لما بلغت وضعا تكون فيه "الهزيمة اللطيفة" في التصويت ستسقبلعندها باعتبارها انجازا.