هذه الرّسالةُ ليست موجّهةً إلى مُدمني البكاءِ وندْبِ الحظِّ وكَيْلِ الشّتائمِ لكلِّ ما حولهُم ومنْ تطالُهم ألسنَتُهم، ولا إلى عشّاقِ مديحِ الذّاتِ وعَبَدةِ المرآةِ ونظْمِ قوافي الغَزَلِ بما يشاهدونَهُ فيها. وهي رسالةٌ لا تنتظرُ ثناءَ وَرثَةِ "عنترةَ" المُمتشقينَ سيوفَهم الخشبيّةَ في ميادينِ "الفيسبوك"، وعندما يجدُّ الجدُّ ويناديهم الوطنُ يتظاهرونَ بالعمى والطَرَشِ ووَهنِ العِظامِ، وما وهَنتْ منهم إلّا القُلوبُ. "رسالةُ اليومِ" لا تنتظرُ ثناءً من حانقٍ على المشروعِ الوطنيِّ لأنّهُ يعتقدُ جازمًا أنّهُ وحدَهُ صاحبُ حقِّ تبوُّءِ أعلى مراتبِ المسؤوليّةِ وأنَّ الآخرينَ "عابرو سبيلٍ" طارئونَ لا تاريخَ لهم. وليس في "الرّسالةِ" ما يرضي واحدًا من محاربي "الفسادِ" الذينَ يبحثون عنهِ بالمجهَر في كلِّ مكانٍ يُنسَبُ إلى مصدرٍ مجهولٍ ولا يرونهُ بالعينِ المجرّدةِ تحتَ أقدامِهم أو في جيوبِهم. "رسالةُ اليومِ" لا تخاطبُ قادةَ الانقلابِ الذين كفروا بشعبِهم وآمنوا بأنَّ أمريكا و"صفقة القرنِ" قدرٌ محتومٌ يجبُ الخنوعُ لهُ على حسابِ المحرّماتِ الوطنيّةِ. تستثني "الرسالةُ" كلَّ هؤلاءِ، فهم سجناءٌ في قلاعِ العجزِ لا يثقونَ بشعبِهِم ولا بأنفسِهم، لذلكَ لا يستندونَ في روايتِهم المليئةِ بالنّحيبِ سوى إلى روايةِ الأعداءِ، لأنّهم جرّدوا عقولَهم من دروعِ الحصانةِ ضدَّ جراثيمِ الإشاعةِ وبثِّ اليأسِ وترسيخِ ثقافةِ الهزيمةِ.

 

لم يترك الأعداءُ مناسبةً إلا وردّدوا خلالَها أنَّ عام ٢٠١٩ هو موعدُ شعبِنا مع الطّوفانِ القادمِ لا محالة، والذي يسمّيه ترامب "صفقةَ القرن". قد يقولُ قائلٌ: إنَّ صفقةَ القرن ليست سوى خطواتٍ عدوانيّةٍ متلاحقةٍ قامت بها الإدارةُ الأمريكيّةُ ضدَّ شعبِنا بدءاً بالاعترافِ بالقدسِ عاصمةً لدولةِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ، مرورًا بمحاولاتِ تقويضِ وكالةِ غوثِ وتشغيلِ اللاجئين ووصولاً إلى اعتبارِ الاستيطانِ "منسجمًا مع القانونِ الدوليِّ". لكنَّ الحقيقةَ أنَّ "صفقةَ القرنِ" بالمفهوم الأمريكيِّ أكبرُ من ذلك بكثيرٍ وأشدُّ خطرًا. فكلُّ ما قامت به الإدارةُ الأمريكيّةُ من خطواتٍ لا يتجاوزُ كونَهُ تعبيراً عن حقيقةِ السياسةِ الأمريكيةِ ذاتِها، وهي سياسةٌ لا جديدَ فيها، لكنّها لا تحظى بأيِّ غطاءٍ يجعلُ منها "مشروعًا" دوليًّا أو حتى إقليميًّا، ومن لديه شكٌّ في ذلك ما عليهِ سوى العودةِ إلى "ورشةِ المنامة" -هل تذكرونَها؟ وإلى حجمِ الأهدافِ التي أراد حلفُ ترامب-نتانياهو تحقيقَها من خلالِها، فماذا كانت النتيجةُ؟ لقد كان الموقفُ الفلسطينيُّ الرّافضُ للورشةِ جملةً وتفصيلاً أهمَّ أسبابِ إفشالِها وإفراغِ الحملةِ الدعائيةِ الأمريكيّةِ التي رافقتْها من أيِّ مضمونٍ. هذا هو ما أجبرَ ترامب على سحبِ وإخفاءِ أقربِ المقرّبينَ من مستشاريهِ الهواةِ الذين روّجوا للورشةِ ولصفقةِ القرنِ وللرخاءِ والحدودِ المفتوحةِ، وإذْ بهم يتحوّلونَ إلى عبءٍ على إدارةِ التّاجرِ ترامب وإلى رموزٍ للخيبةِ والفشلِ ونقطةِ ضعفٍ تهدّدُ فرصَ ترامب بالفوزِ بالرئاسةِ مرةً ثانيةً.

 

لقد صمدَ شعبُنا أمامَ الحصارِ الأمريكيِّ-الإسرائيليِّ، ولم يتزحزحْ موقفُ الرّئيسِ الفلسطينيِّ والقيادةِ الفلسطينيّةِ عنْ ثوابتِ الشّعبِ المُجمِعِ على ضرورةِ التصدّي لمحاولاتِ تحويلِ المخطّطِ الأمريكيِّ-الإسرائيليِّ إلى خطّةٍ تحظى بغطاءً دوليٍّ أو إقليميٍّ. وعلى الرّغمِ من كلِّ ما في جعبةِ أمريكا من وسائلِ الضغطِ والحصارِ فإنَّ شعبَنا لمْ يرضخْ لابتزازِ "الامبراطوريةِ الأمريكية". وفي المقابلِ تجاوزَ المجتمعُ الدّوليُّ محاولاتِ أمريكا الرّاميةَ إلى تفكيكِ وكالةِ الغوثِ كخطوةٍ أولى لإلغاءِ حقِّ العودةِ، وصمدت دولُ العالَمِ في وجهِ الضغوطِ والإغراءاتِ ورفضت نقلَ سفاراتِها إلى القدسِ. كما صمدَ الموقفُ العربيُّ الرّسميُّ -على استحياءٍ- متمسّكًا بسياسةِ "أضعفِ الإيمانِ" التي تكتفي بالتمترسِ خلفَ مقولةِ "نقبَلُ ما يقبَلُ بهِ الفلسطينيّون". كلُّ هذا يُحسَبُ لصالحِ الموقفِ الثّابتِ للقيادةِ الفلسطينيّةِ وللشّعبِ الفلسطينيِّ المؤمنِ بحتميةِ انتزاعِ حقوقِهِ وتجاوزِ هذه المرحلةِ الصّعبةِ التي يحاولُ الأعداءُ استغلالَها لفرضِ شروطِهم، ونصرُّ نحنُ على تحويلِها إلى فرصةٍ للصمودِ وتجربةٍ أخرى للإرادةِ الفلسطينيّةِ تضافُ إلى تجاربِ شعبِنا التي أثبتَ خلالَها أنّهُ شعبٌ عصيٌّ على الهزيمةِ، قادرٌ على الصّمودِ، مصرٌّ على انتزاعِ حرّيتِه وجديرٌ بها.

 

*منْ يظنُّ أنَّ شعبَنا يمكنُهُ إلحاقُ الهزيمةِ بأعدائهِ بينَ ليلةٍ وضحاها فهو واهمٌ، ومن يؤمنُ بأنَّ نضالَنا من أجلِ الحريّةِ هو رايةٌ نتوارثُ حَملَها جيلاً بعدَ جيلٍ فهو وحدَهُ الذي يفهمُ جيّدًا مغزى تحوّلِ عام ٢٠١٩ من عامِ "صفقةِ القرنِ" إلى عامِ قرارِ محكمةِ الجناياتِ الدّوليّةِ بفتحِ تحقيقِ في الجرائمِ التي ارتكبتْها دولةُ الاحتلالِ والاستيطانِ الإسرائيليِّ ضدَّ شعبِنا.

 

٣١-١٢-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان