صقر ابو فخر

فتح ميديا/ لبنان،في فلسطين ظهرتإذاعة عربية بعد الإذاعة المصرية التي امتلكت الأثير في 21/5/1934، بدأ إرسال إذاعةالقدس في 30/3/1936، وكانت تحتل غرفتين فقط في فندق بالأس في القدس، ثم انتقلت الىشارع مأمن الله  (ماميلا) في سنة 1939. أماأول صوت صدح في مذياعها فكان صوت شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان صاحب نشيد"موطني". ومن إذاعة القدس بدأ المطرب المصري محمد عبد المطلب رحلته مع الفن،واكتسب من خلالها شهرة وخبرة قبل ان يعود الى مصر ويصبح واحداً من أكثر الأصوات الغنائيةجمالاً. وفي رحاب هذه الإذاعة برز عازف العود المصري عبد الفتاح منسي وهو شقيق العازفأنور منسي زوج المطربة صباح، وكذلك الملحن اللبناني المعروف فيلمون وهبي، وتولى الموسيقاريوسف بتروني، وهو فلسطيني من أصول لبنانية قيادة أوركسترا الإذاعة، فيما كان يحيى اللبابيدييقود الفرقة الموسيقية. ويحيى اللبابيدي فلسطيني من مواليد عكا، وهو من جذور لبنانية،واشتهرت أغنية "يا ريتني طير" التي غناها فريد الاطرش في مطلع حياته الفنية.على ان الإذاعة التي كان لها شأن كبير في فلسطين، وفي بعض البلدان العربية المجاورة،كانت "إذاعة الشرق الأدنى من دون منازع. ولنا في هذا المجال تفصيل وكلام. شيءمن التاريخ

في سنة 1931 بدأالاتحاد السوفياتي وفرنسا البث الاذاعي باللغة العربية، فحذت  بريطانيا حذوهما، وشرعت هيئة الاذاعة البريطانية(BBC) تبث بالعربية في 3/1/1938، وكانت العربية أولى لغات هذه الاذاعة بعدالانكليزية، وكان المذيع البارز فيها عيسى صباغ من فلسطين. غير ان بريطانيا لم تلبث،في سنة 1943، أي في معمعان الحرب العالمية الثانية، ان أسست "إذاعة الشرق الأدنى"،وكان مقرها في جنين أولاً، ثم انتقلت الى يافا ثم الى القدس في سنة 1947.

صحيح ان هذه الإذاعةكانت تابعة لوزارة الخارجية البريطانية، لكن جهازها البشري كان عربياً ومناهضاً للاستعماروالصهيونية معاً فقد عمل فيها لبنانيون أمثال الصحافي سليم اللوزي، ومصريون أمثال الشاعرعبد الرحمن الخميسي، فضلاً عن أن الفرقة الموسيقية كانت تضم عازفين من فلسطين وسورياولبنان ومصر. وكان من بين أشهر العاملين في هذه الإذاعة صبري الشريف ونجاتي صدقي ورشادالبيبي وغانم الدجاني وصبحي ابو لغد واحمد جرار وعبد المجيد ابو لبن وكامل قسطندي.ثم أن هذه الإذاعة لم تتورع ، في سبيل تطور برامجها، عن استقدام عبقري البزق محمد عبدالكريممن دمشق، فضلاً عن مطربين من لبنان أمثال صابر الصفح وإيليا بيضا وعامر خداج، ثم انضماليها علي عصام مراد.

 

القصة الحزينة

حين اشتد القتالبين العرب والصهيونيين غداة صدور قرار التقسيم في 29/411/1947، صار من غير الممكن استمرارإذاعة الشرق الأدنى في علمها بالصورة المعتادة، وبدأ التفتيش عن بدائل من موقع الإذاعةالذي بات في خطر حقيقي وداهم. ولم يكد منتصف آذار 1948 يمضي حتى كان معظم العاملينفيها قد انتقل مع أُسَره الى قبرص بحراً عبر ميناء حيفا. وكان الصراع النفسي ينتابالجميع، وراحوا يتساءلون: ماذا حدث لبلادنا؟ كيف تركناها؟ هل سنعود إليها قريباً، ماذاسنفعل الآن؟

في ليماسول بقبرصكان رشاد البيبي يستقبل هؤلاء المهاجرين، ثم يرتب لهم أمر انتقالهم الى منطقة"بوليميديا" حيث أقيم على عجل مقر فيه معدات إذاعية جاهزة للبث. وقد وصلعدد العاملين في ليماسول الى نحو 70 موظفاً عدا عن المراسلين في العالم العربي، وعداعن الذين سافروا الى بيروت والقاهرة لافتتاح مكاتب للاذاعة أمثال أحمد جرار الذي أسسمكتباً للاذاعة في شارع فينيسيا في بيروت، وسيد بدير الذي أدار مكتب القاهرة من منطقةماسبيرو. وفي ليماسول تولى محمد الغصين الادارة العامة، وتولى صبري الشريف وغانم الدجانيتنفيذ الاعمال الموسيقية.

استمرت الاذاعةبالعمل، وكانت من أقوى الاذاعات التي تبث بالعربية، طوال المرحلة التي أعقبت النكبة،أي منذ سنة 1948 حتى سنة 1956. لكن، في 30//10/1956 وقع العدوان الثلاثي، البريطاني– الفرنسي – الاسرائيلي، على مصر. وفي 1/11/1956 قصفت الطائرات البريطانية أجهزة الاذاعةالمصرية قرب القاهرة. وفي تلك الاجواء المفعمة بالترقب والاستنفار قدّم جميع الموظفينالعرب في الإذاعة استقالاتهم احتجاجاً على الموقف العدواني البريطاني، وأعلنوا علىالهواء وقوفهم الى جانب مصر ورئيسها جمال عبد الناصر. وكان المذيعون يهتفون على الهواءمباشرة "عاشت فلسطين". وعند ذلك اقتحم جنود بريطانيون الموجودون في قاعدةأكروتيري القبرصية استديوهات الإذاعة بالقوة، وأجبروا المذيعة مسرة فاخوري على إذاعةأخبار ضد مصر والعرب، فأذاعتها وهي تبكي. وبإستقالة العرب من الإذاعة  اندثرت وصارت قصة تُروى.

 

ماذا حل بهم؟

توزع بعض الموسيقيينوالعازفين الذي كانوا يعملون في اذاعة الشرق الأدنى على الإذاعات العربية منذ النكبةالفلسطينية في سنة 1948، ولحق بهم في سنة 1956 من كان في قبرص. وهؤلاء جميعاً اسهموافي النهضة الموسيقية العربية اللاحقة. وعلى سبيل المثال التحق بالإذاعة اللبنانية عددمن العازفين الفلسطينيين أمثال فرح الدخيل وعبد الكريم قزموز وميشال بقلوق ورياض البندك(انتقل لاحقاً الى دمشق) واحسان فاخوري وحنا السلفيتي وفريد السلفيتي، ثم المطرب محمدغازي. وفي ما بعد التحق بها نبيل خوري وشفيق الحوت، علاوة على الموسيقار حليم الروميوالعازف عبود عبد العال. وانضم الى إذاعة دمشق يحيى السعودي ويوسف البتروني ومحمد عبدالكريم،والى إذاعة بغداد ذهب روحي خماش ومحمد الغصين وصبحي ابو لغد وعبد المجيد ابو لبن وسميرةعزام ومحمد كريم. وذهب غانم الدجاني الى السعودية وفؤاد حداد الى محطة الاذاعة البريطانية(BBC)، وأسس كامل قسطندي شركة في بيروت للانتاج الاذاعي، وتولى صبري الشريفمسرحيات الأخوين الرحباني كلها تقريباً وأصدر سمير الشريف (شقيق صبري) في بيروت ايضاًمجلة إذاعية باسم " الشرق الأدنى"، تولى رشاد البيبي تحريرها، وكتب فيهامارون عبود وموسى الدجاني وسميرة عزام وعباس محمود العقاد وطه حسين وسهير القلماويونقولا زيادة وفؤاد صروف وآخرون. ولاحقاً أسس غانم الدجاني " الشركة اللبنانيةللتسجيلات الفنية" بتمويل من الفلسطيني بديع بولس، ثم أسس بديع بولس نفسه استديوبعلبك للسينما في سنة 1958، وفرقة الأنوار في سنة 1959. والمعروف أن عبد المجيد ابولبن هو من اكتشف شخصية "إم كامل" التي جسدها الفنان السوري أنور البابا( عم سعاد حسني ونجاة الصغيرة)، وشخصية "أبو صياح" التي جسدها الفنان السوريرفيق السبيعي.

 

خاتمة المطاف

بعد انتهاء احداث1958 وصلت الى منزل غانم الدجاني في بيروت سيارة جيب عسكرية، وكذلك وصلت سيارتان اخريانالى منزلي صبحي ابو لغد وعبد المجيد ابو لبن. وطلب اليهم "صاحب الأمر" العملفي الإذاعة اللبنانية والإشراف عليها وتطويرها. وكان صاحب الأمر هو الضابط اللبنانيأحمد الحاج؛ فقد سمع عن هؤلاء المميزين، وأراد ان يستفيد من خبراتهم التي اكتسبوهافي إذاعة الشرق الأدنى. وكان سبق هؤلاء الى الإذاعة الفلسطينيان إيلي فاخوري وحليمالرومي وكذلك محمد كريم، وهو لبناني عمل سابقاً في إذاعة الشرق الادنى، وأدخله الفلسطينيونمعهم الى الاذاعة اللبنانية، وتولى في ما بعد اخراج برنامج "شامل ومرعي"الذي اشتهر كثيراً آنذاك. ثم التحقت بالجميع المذيعة ناهدة فضلي الدجاني. وهكذا كانتللفلسطينيين شأن مشهود في نهضة الاذاعات العربية المختلفة ولا سيما في بيروت دمشق وبغداد.