لم تكن السبع الساعات التي انتظرتها أمينة غنام من مخيم نور شمس في طولكرم، سهلة عليها قبل يومين، وهي تناجي ربها للخلاص من هذه اللحظات التي تعيشها، بعد استشهاد نجلها سليم، برصاص قناص اسرائيلي ومنع مركبات الإسعاف من نقله، لتبقى فوق رأسه طيلة الوقت، تداعب شعره، وتقول له: "وين رحت بكفي الي راحوا".

لم تمض ساعات أخرى، حتى سمعت بنبأ استشهاد نجلها الآخر محمود، في إحدى حارات المخيم، ليصبح الألم مضاعفًا.

وكانت قوات الاحتلال اقتحمت مخيم نور شرقي طولكرم، لأكثر من 53 ساعة وحاصرته من كافة الجهات، ما أدى لاستشهاد 14 مواطنًا وجرح عدد آخر، وتدمير البنية التحتية والمنازل في أنحاء متفرقة.

غنام كانت قد فقدت اثنين آخرين من أبنائها عامر وأحمد في التاسع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، عقب استسهادهما برصاص الاحتلال في ذات اليوم، وآخر توفي بمرض عضال.

تقول غنام: "كان ابني سليم (29 عامًا) داخل المنزل وأراد الصعود للطابق الثاني، فجأة سمعنا صراخ شقيقه بعد أن وجده مضرجًا بدمائه، عقب إصابته برصاصة أحد قناصة جيش الاحتلال"، وحاولت طواقم الإسعاف الوصول إلى المنزل إلا أن قوات الاحتلال منعتها وبقي ينزف واستشهد أمام عيني، وبقيت فوق رأسه لأكثر من سبع ساعات.

وتتابع: وأنا انتظر وأدعو لنجلي، وصلني نبأ استشهاد نجلي محمود (23 عامًا)، لتصبح الساعات ثقيلة جدًا، خاصة أنني فقدت ثلاث من أولادي في شهور سابقة، محاولةً حبس دموعها متمسكة بوصايا أولادها ألا تبكي عليهم، مضيفة بأن حلمها كان أن يحمل ابناءها جثمانها إلى القبر، والآن فقدًت خمسة منهم. 

جلست غنام على الكرسي فلم تعد تقوى على الوقوف بانتظار إلقاء نظرة الوداع على جثماني نجليها، فيما تحاول النسوة مواساتها والشد من أزرها، وخارج المنزل في حارة المنشيه تجمع المواطنون حول والد الشهداء فيصل غنام، لتُسمع كلماته بالتضرع والشكر لله رغم المصاب الذي ألم بالعائلة.

ويقول: "كل ما يحدث من هذا الحقد من قبل الاحتلال، من أجل الضغط علينا وترحلينا من أرضنا، لقد فعلوا ذلك في العام 1948، لكن رغم ذلك صامدون وباقون في أرضنا، مضيفًا: لقد فقدت خمسة من أولادي وهذا ثمن الحرية التي يبحث عنها الفلسطينون فوق هذه الأرض، ولكن نحن نحب الحياة والعيش بسلام والاحتلال لا يبحث عن السلام.