تقرير: إسراء غوراني

ثلاثة أسابيع مرت منذ هدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي لخربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية، والسكان يحاولون احياءها من جديد، في تحٍد لسياسيات الهدم المتكررة بحق ممتلكاتهم.

 فلا يوفر الاحتلال أي جهد لتضييق سبل العيش على سكان الخربة، فتارة يطارد ومستوطنوه المواطنين خلال رعيهم الماشية، وتارة أخرى يطردونهم من مساكنهم في حر الصيف، وبرد الشتاء، لإجراء تدريبات عسكرية، وحينا آخر يهدمون خيامهم وحظائر ماشيتهم ويسوونها بالأرض.

سكان الخربة يرفضون الاستسلام لواقعهم المرير، ويحاولون إعادة الخربة لسابق عهدها، وسط تخوفات من إعادة هدمها، فجنود الاحتلال يداهمون المنطقة بشكل شبه يومي، ويقومون بتصويرها من كافة الجهات، ويرصدون كل ما يقيمه الأهالي من منشآت أو خيام.

أحد سكان الخربة، الحاج علي أبو كباش منهمك بدق المسامير على الأخشاب، ليقيم حظيرة جديدة من الأعمدة الخشبية ويكسوها بالبلاستيك، خوفا من نفوق مواشيه في هذا الجو البارد.

ينظر أبو كباش إلى أفقه القريب ويقول: "أنظروا إلى ما آل إليه حالنا وحال أبنائنا، خيامنا هدمت ومتاعنا متناثر على الأرض، وأعلاف ماشيتنا تبعثرت وتلفت"، فظروف حياتنا كانت صعبة، ولكن على الأقل كنا أفضل حالا من الآن".

ويؤكد أن سكان الخربة في صراع مرير مع الاحتلال الذي يحاول تهجيرهم من الخربة بشتى الوسائل منذ سنوات طويلة.

يشير أبو كباش إلى أن عملية الهدم الأخيرة التي تمت مطلع الشهر الجاري وضعت المواطنين في ظروف صعبة، فالأطفال الصغار لا يحتملون قسوة العوامل الجوية دون مأوى، وهم الآن يفترشون الأرض ويلتحفون خياما بلاستيكية مهلهلة.

لم يترك الاحتلال سكان الخربة وشأنهم بعد هدمها بالكامل، فجنود الاحتلال يتجولون فيها بشكل شبه يومي ويعملون على تصويرها من كافة الجهات، بالإضافة إلى عمليات التصوير التي تتم عن طريق الطائرات المسيَّرة، فالسكان قلقون من ذلك ويتخوفون أن تكون مقدمة لهدمها مرة أخرى.

وفقا لتقرير أعده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) حول عملية الهدم الأخيرة في خربة حمصة، فإن "ثلاثة أرباع سكان هذا التجمع فقدوا مساكنهم (73 شخصا بينهم 41 طفلا)، مما يجعل ما حدث أكبر حادثة من حوادث التهجير القسري في الضفة منذ أربعة أعوام".

وأوضح أنه "تم هدم 76 مبنًى، وهو عدد يفوق ما هُدم في أي عملية هدم أخرى على مدى العقد المنصرم... وحتى الآن من العام 2020، هُدم 689 مبنى في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وهو عدد يفوق ما هُدم خلال عام بأكمله منذ العام 2016، مما أدى إلى تهجير 869 فلسطينيا وتركهم بلا مأوى".

ويشير تقرير (OCHA) إلى أن الاحتلال يتذرع عند هدم المنشآت بالافتقار إلى رخص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية، مع أن الفلسطينيين لا يستطيعون الحصول على هذه الرخص؛ بسبب نظام التخطيط التقييدي والتمييزي. وتشكّل عمليات الهدم وسيلة رئيسية لخلق بيئة غايتها إجبار الفلسطينيين على الرحيل عن منازلهم.

ويضيف التقرير: "تُعَدّ خربة حمصة الواقعة في غور الأردن، واحدة من 38 تجمعا بدويا ورعويا تقع بكاملها أو في جزء منها داخل مناطق تعلن عنها إسرائيل باعتبارها «مناطق إطلاق نار». وهذه هي بعض أكثر التجمعات السكانية ضعفا في الضفة الغربية، حيث تملك قدرة محدودة على الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية، والبنية التحتية اللازمة للمياه والصرف الصحي والكهرباء".

بدوره، يوضح الناشط الحقوقي عارف دراغمة أن حمصة هي خربة فلسطينية عمرها مئات السنين، تعود ملكية أراضيها لأهالي طوباس وطمون، هدمها الاحتلال بشكل كامل بعد احتلال الأغوار عام 1967 وهجَّر غالبية سكانها، وهو الآن يستولي على 70% من أراضيها.

ويضيف أن الاحتلال يغلق الخربة بأوامر عسكرية ويمنع سكانها من البناء بحجة أنها "منطقة إطلاق نار"، وخلال السنوات الماضية تعرض سكانها لعشرات عمليات الطرد لإجراء تدريبات عسكرية، فخلال الأعوام الثلاثة الماضية تعرضوا للطرد حوالي 80 مرة، كما يستهدفها الاحتلال بعمليات الهدم باستمرار، فمنذ العام 2017 تم الهدم فيها ست مرات، لكن عملية الهدم الأخيرة هي الأوسع والأكبر.