"مقاومة، شهيد، صهاينة..."، يكفي أن تضع إحدى هذه الكلمات وغيرها من عشرات العبارات التي تنتقد الاحتلال الصهيوني وتضيف إليها كلمة "فلسطين"، حتى يتمّ حظرُ حسابك على مِنصّة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" باعتباره انتهاكًا لقواعد وشروط النشر فيها. وعلى الرغم من إرسال الناشطين الفلسطينيين -آلاف الرسائل إلى إدارة فيسبوك- للاحتجاج على تعليق حساباتهم، فإنّ معظمها لم يلقَ تجاوبًا، ولم يتم إعادة تفعيل الحسابات المعلّقة، مع الامتفاء بالرد على الرسائل التي وجهّها الناشطون بعبارة "انتهاك لقواعد النشر".

 

*حملة "فيسبوك" تستخدم خوارزميات خاصة

ذهبت إدارة "فيسبوك" أبعد من ذلك في حملتها على فلسطين وقضيتها، إذْ عمدت الإدارة إلى استخدام خوارزميات محدّدة للتعامل مع المحتوى الفلسطيني، بحيث يتم تتبّع كل محتوى يتضمن كلمتي "فلسطين" و"القدس"، وأضافت إليها قائمةً بأسماء شهداء الثورة الفلسطينية تحت حُجة "دعم الإرهاب" والترويج للإرهابيين، في انحياز واضح للعدو الصهيوني.

 

وتقوم هذه الخوارزميات الجديدة -والخاصة بالمحتوى الفلسطيني- بالعمل بطريقة معقدة، إذ قرنت إدارة فيسبوك بين كلمات "شهيد" و"مقاومة" و"فلسطين" على اعتبارها خرقًا أمنيًّا للمِنصّة بحد ذاتها، وليس انتهاكًا لقواعد وسياسات النشر فيها، ولذلك يتم حذف المحتوى مباشرة وبشكل سريع، على اعتباره تهديدًا لأمان المنصة، وليس انتهاكًا للقواعد والسياسات.

 

*رسائل تهديد مباشرة 

توّجت إدارة فيسبوك حملتها على المحتوى الفلسطيني من خلال إرسالها لرسائل تهديد مباشرة للناشطين الفلسطينيين، وتخييرهم بين حذف المنشورات أو تعليق الحسابات، كما طلبت إليهم الضغط على زر "الموافقة" على أنه في حال تكرار المحتوى سيتم إغلاق الحساب نهائيًّا، في محاولة لثني الناشطين والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية عن نشر كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية، والطلب إليهم بضرورة الإذعان للسياسات الجديدة الخاصة بفيسبوك.

ولعلّ الأغرب من ذلك كله هو قيام إدارة "فيسبوك" خلال شهر تموز ٢٠٢٠، بحذف عدد كبير من المنشورات التي تحتوي فقط على كلمة "فلسطين" خاصةً على حسابات المشاهير والناشطين، من دون أنْ يحتوي مضمونها على أي كلمات تتحدث عن الشهداء والمقاومة والاحتلال كما جرت العادة. وهذا ما فُهم منه أنَّ إدارة فيسبوك تمهِّد لإلغاء كلمة فلسطين من محتواها على اعتباره محتوىً يخالف وينتهك قواعد وسياسات النشر لديها، وبذلك تكون منصة فيسبوك أول منصة تواصُل اجتماعي قامت بإغتيال القضية الفلسطينية رقميًّا.

 

*تويتر وإنستغرام على خطا "فيسبوك"

رصد مختصون في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخّرًا البدء في تطبيق السياسات نفسها في منصتي إنستغرام وتويتر، فقد حذفت المنصتان العديد من المنشورات ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالمحتوى الفلسطيني، ودائمًا تحت حُجة "انتهاك قواعد وسياسات النشر".

 

كما رصد المختصون البدء بتطبيق خوارزميات جديدة لدى إنستغرام وتويتر، شبيهة بتلك التي يطبقها فيسبوك، مع بعض الاختلافات في موقع تويتر الذي يسمح بنشر المحتوى الفلسطيني من خلال الوسوم "هاشتاغ" التي تشكّل ما يُعرف بالصيحة "الترند"، على منصة تويتر كونها جزءًا من فكرة المنصة، وليس لأنّها تسمح بنشر المحتوى الفلسطيني. ومع ذلك تقوم منِصّة تويتر بمحاربة المحتوى الفلسطيني وحظره في حالة عدم نشره من خلال الهاشتاغات، وبذلك يضعف المحتوى الفلسطيني أوتوماتيكيًّا لأنه يعتمد على ما يسمى "بالترند".

 

أمّا منِصّة إنستغرام فقد بدأ يتضح للناشطين أنها تتماهى بشكل كبير مع مِنصّة فيسبوك من حيث محاربة المحتوى الفلسطيني، وهي بدأت تتبع خوارزميات شبيهة بتلك التي يعتمدها فيسبوك، وآخر انتهاكات إنستغرام كانت حذف صورة جواز سفر والد عارضة أزياء أميركية من أصول فلسطينية، وكان قد كتبت على جواز السفر مكان الولادة "فلسطين"، مذيّلة الصورة بعبارة "افتخر أني فلسطينية". فقامت مِنصة إنستغرام بحذف الصورة مباشرة على الرغم من أنها لم تحتوِ على أيّة عبارات غير كلمة فلسطين، وهو ما أشعل جدلاً كبيراً على إنستغرام.

 

*الناشطون بالمرصاد

إزاء هذا التصعيد بدأ الناشطون بالاحتيال على الخوارزميات التي اعتمدتها منصات التواصل الاجتماعي المعادية للمحتوى الفلسطيني من خلال تقطيع الكلمات التي تتسبب بحظرهم وحظر منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي، كما من خلال استبدال بعض الأحرف العربية والإنجليزية للدلالة على ما يقصدونه في منشوراتهم.

 

فيما ذهب آخرون إلى العمل على اختيار كلمات وألفاظ جديدة بحيث تصل رسالة المحتوى الفلسطيني من دون الحاجة إلى استخدام الكلمات القديمة في محاولة للتحايل على الكلمات المدرجة بقائمة المحظورات في الخوارزميات المعتمدة في منصات التواصل الإجتماعي.

 

*تواصل صهيوني مع منصات التواصل الاجتماعي وغياب عربي كامل

في الوقت الذي يتواصل فيه العدو الصهيوني يوميًّا مع إدارات منِصات التواصل الاجتماعي بشكل مباشر أو من خلال جماعات الضغط التابعة له وجيشه الإلكتروني بشكل غير مباشر للتأثير على المحتوى الفلسطيني، يرى عددٌ من الباحثين أن هناك غيابًا عربيًّا رسميًّا شبه تام عن التواصل مع هذه المنصات، وإنْ حصل هذا التواصل فهو يحصل بشكل شخصي للتأثير في ترند معين.

 

هذه المهمة باتت متروكة للجيوش الإلكترونية العربية والمتعاطفين معها، وهي جيوش بأغلبها لا تأتمر بأوامر من أحد ومحرّكها الأول والأخير هو الشعور بالانتماء إلى قضية فلسطين والمحتوى الفلسطيني. ولكنْ ما ينقص هذه الجيوش هي غياب المرجعية، لذلك فهي محدودة التأثير في عدد كبير من القضايا التي يتم تداولها على مِنصّات التواصل الاجتماعي.

 

*فيسبوك تتربّع على عرش العداء

إزاء هذا الواقع يجد المحتوى الفلسطيني صعوبة في الوصول إلى مختلف أصقاع العالم على الرغم من عدالة القضية الفلسطينية. وتبقى مهمة الدفاع عن المحتوى الفلسطيني مُلقاة على عاتق الناشطين والمتضامنين مع القضية الفلسطينية، على أمل أنْ تستفيق الدول العربية وتحرّك جيوشها الإلكترونية للدفاع عن أعدل قضية على وجه الأرض.

إعداد: د.رامي عيشة