تقرير: الحارث الحصني

عندما يأتي الظلام على الشريط الشرقي للضفة الغربية، يكون ذلك بداية العمل لمجموعة من المستوطنين في توسعة الامتداد الجغرافي لبؤرتهم الاستيطانية في منطقة "بيوض" بالأغوار الشمالية.

في تلك الساعات المظلمة، يكون جاسر دراغمة، من سكان عين الحلوة قد تجهز للنوم بعد نهار متعب قضاه في ملاحقة أموره حياته المعيشية.

فالرجل الذي اعتاد منذ سنوات خالية، أن يجوب جبال المناطق المحيطة بمكان سكنه، أصبح منذ سنتين تقريبا لا يبتعد كثيرا، بفعل تواجد المستوطنين في المنطقة.

منذ أيام، يلاحظ جاسر حركة دؤوبة لمستوطنين ليلا، يتبعها سماع ضجيج قادم بالقرب من تلك البؤرة الجديدة، "ضجيج تغيير الواقع في تلك المنطقة المفتوحة"، يقول جاسر.

وأضاف الرجل الذي يمتهن تربية البقر، إنه يسمع صوت تثبيت "علامات حديدية" لتسييج الأراضي الممتدة في المنطقة، والمناطق القريبة.

"أكثر من عشرة مستوطنين، بمركباتهم رباعية الدفع، يأتون كل ليلة للعمل على تسييج المراعي"، تابع جاسر.

كان المستوطنون في بداية الأمر يطردون الرعاة الفلسطينيين من مراعيهم، مستخدمين الكلاب الشرسة، وتهديد السلاح، وقد نشر ناشطون مقاطع فيديو أكثر من مرة تثبت ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن الوضع تغير اليوم. فالمستوطنون لا يكتفون بطرد الرعاة من المراعي الممتدة في الأغوار الشمالية، بل صارت طرق الاستيلاء على المراعي أكثر وضوحا، بعد أن وضع المستوطنون أسيجة منتظمة أغلقت مساحات كبيرة من الأراضي الرعوية في عدة مناطق بالأغوار الشمالية.

ويقدر مختصون بانتهاكات الاحتلال والمستوطنين المساحات التي يسيطر عليها المستوطنون في الأغوار الشمالية، بآلاف الدونمات، ويقولون إن الفلسطينيين باتوا يفقدون فعليا الجغرافيا الرعوية الخصبة.

يقول جاسر: "في المناطق القريبة منا تغيير مستمر في الواقع، كل ساعة هناك أمر مفروض علينا، الآن لا يستطيع أحد تسريح ماشيته بشكل طبيعي، فالموت الذي سببه المستوطنون يتربص بنا في كل زاوية".

تقول الأرقام الواردة على الموقع الالكتروني للمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسيلم"، إن "110 مستوطنات أقيمت دون مصادقة رسمية (بؤر استيطانية)، منذ العام 1967 وحتى نهاية 2017 في أنحاء الضفة الغربية".

وأضافت "بيتسيلم" أن المستوطنات هي العامل الأكثر تأثيرًا على واقع الحياة في الضفة الغربية، وأن إسقاطاتها على حقوق الإنسان الفلسطيني مدمّرة، وتطال ما هو أبعد بكثير من مئات آلاف الدونمات التي سُلبت منهم لأجل إقامتها بما في ذلك المراعي والأراضي الزراعية.

ويقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة إن المستوطنين يعتمدون على سياسة العمل في الليل، ليضعوا الفلسطينيين أمام الأمر الواقع، ويسعون لتثبيت كل شيء في تلك المناطق".

وتابع دراغمة: "يعيدون رسم الحدود في المناطق البعيدة عن الأنظار".

وبالنظر إلى هذا النهج الاستيطاني الذي أضحى قانونا ثابتا للمستوطنين، فإنه يعيدنا إلى الوراء بضع سنين، عندما كانت البؤرة الاستيطانية في منطقة الحمة بالأغوار الشمالية في تلك الفترة في بدايتها.

كان المواطنون في ذلك الصيف الملتهب، يسمعون ليلا أصواتا قادمة من تلك الخيمة التي كانت في ذلك الحين "يتيمة"، وبعد مدة من الزمن أضحت الخيمة بؤرة ممتدة على بقعة جغرافية.