"إحنا قُوتْنا يوم بيوم، إذا اشتغلنا مناكل، إذا ما اشتغلنا ما مناكل" كلمات تختصر المعاناة التي يعيشها سكان مخيّم شاتيلا، بعدما ضربت لبنان أزمة اقتصادية خانقة سُمع صدى ارتداداتها مباشرة في المخيّمات الفلسطينية.

ففي السابع عشر من تشرين 2019، عمّت الاحتجاجات الشعبية مختلف المناطق اللبنانية، وعلى الرّغم من عدم مشاركة الفلسطينيين في هذه الاحتجاجات، فإنهم عانوا أضعافًا مضاعفة بسبب الأزمة الطارئة، كونهم يعتمدون في تبادلاتهم التجارية والمعيشية على الجوار اللبناني.

ولم تقف معاناة المخيم عند هذا الحد، فما هي إلاّ أشهر قليلة على بدء الاحتجاجات الشعبية اللبنانية وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بشكل جنوني، حتى سجّل لبنان أول إصابة بفيروس كوفيد-19 المعروف باسم "كورونا"، ولم يطل الأمر حتى وصل الفيروس القاتل إلى المخيّم ودخله من بوابته الشرقية. 

 

معدلات الفقر تزداد في مخيّم شاتيلا

طوابير توزيع المساعدات الغذائية التي تضم العشرات من أبناء مخيّم شاتيلا تختصر المشهد في المخيم، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من مجاعة حقيقية تهدّد جميع قاطنيه، بعدما وصلت نسبة البطالة بين أبنائه إلى حدود 85%. وبعد أن كانت آخر هذه الطوابير خلال حرب المخيمات قبل 35 عامًا، بدأت تتحوّل إلى مشهد يألفه أهالي المخيم، بعدما وصلت نسبة الفقر في المخيم إلى حدود 80% بحسب تقديرات المنظمات الدولية. فعدد كبير من سكان المخيّم بات اليوم من دون عمل بسبب الأزمة الاقتصادية وفيروس "كورونا"، وهذا ما دفع بالعديد منهم للّجوء إلى المنظمات والجمعيات المحلية والأهلية للتسجيل لديهم للحصول على المساعدات الغذائية، وبحسب عدد من الناشطين فقد بلغت نسبة الزيادة على الطلبات لتلقيّ المساعدات 350%.

المبادرات لم تقتصر على الجمعيات الأهلية، إذ بادرت منظمة التحرير الفلسطينية إلى تقديم مساعدات عاجلة للأسر الأكثر فقرًا، على الرغم من الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الوطنية في فلسطين نتيجة الحصار الصهيوني على السلطة.

 

كورونا في مخيَّم شاتيلا

المعاناة في شاتيلا بلغت مداها الأقصى بعدما سجّل المخيّم أواخر شهر حزيران الماضي الإصابة الأولى بفيروس "كورونا"، وهو ما أثار حالة من البلبلة والهلع في صفوف أهالي المخيّم، ودفع بالعديد من المؤسسات إلى إقفال أبوابها خوفًا من تفشيّ الفيروس.

حالة الهلع قابلتها حالة من اليأس والاستسلام للعديد من السكان الذين لا يملكون خيارًا سوى النزول إلى العمل في أقصى الظروف، فبالنسبة لهذه الشريحة من الأفضل الموت من وباء "كورونا" بدلاً من الموت جوعًا، وهذا ما انعكس تفلُّتًا في إجراءات التباعد الاجتماعي، ووضع المخيّم بين فكي تفشي الوباء والجوع.

منذ تسجيل الحالة الأولى لكورونا في المخيّم، اهتم الهلال الأحمر الفلسطيني بنقل المصابة وتسليمها إلى الصليب الأحمر اللبناني، الذي تولىّ نقلها لتلقي العلاج في منطقة سبلين. وبدا واضحًا أنَّ المخيّم متروك لمصيره في ظلِّ غياب شبه كامل للدولة اللبنانية، التي اقتصر عمل قواها الأمنية على إغلاق بعض المناطق المتداخلة بين المخيّم والجوار اللبناني.

وفي الوقت الذي كان فيه المخيّم يستعد لمواجهة "كورونا"، كان لافتًا أنَّ الطرف اللبناني غير معنٍ بالموضوع، وبحسب بعض المخالطين للمصابة، فقد اتّبعوا الإرشادات التي وضعتها وزارة الصحة اللبنانية، واتصلوا بالأرقام الساخنة التي حدّدتها الوزارة، وجُلّ ما حصلوا عليه هو الطلب من ممثلي الوزارة بضرورة الحَجِر المنزلي، ولم يحصلوا على مواعيد في المستشفى الحكومي للخضوع لفحص الكورونا. 

 

لاجئون في مخيّم اللاجئين شاتيلا

منذُ الأزمة السورية في العام 2011، نزحت نحو 30 ألف عائلة فلسطينية من مخيّمات سوريا إلى مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وكان لافتًا لجوء ما يقارب 200 عائلة من فلسطينيي سوريا إلى شاتيلا، جاءت معظمها من مخيّم اليرموك في دمشق ومخيّم العائدين في حمص، فضلاً عن عشرات العائلات السورية التي اتّجهت إلى المخيّم بسبب انخفاض قيمة الإيجارات فيه ورخص المعيشة.

تتقاسم العائلات الفلسطينية والسورية المخيّم الذي لا تتعدّى مساحته الكيلومتر مربع، والسمة الأبرز التي تجمعهم هي البطالة والعوز، ويعيشون جميعًا أوضاعًا مأساوية خاصةً أنّ مخيّم شاتيلا يفتقر لأبسط الشروط الصحية، وهذا ما يُهدّد بنكسة جديدة في المخيّم الذي كان شاهدًا في يوم من الأيام على مجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982.

ويصف عددٌ من سكان المخيّم واللاجئين فيه، ما يحصل معهم اليوم على أنّه نكبة جديدة تُضاف إلى نكبات الشعب الفلسطيني الذي ما انفكّ يدفع أثمانًا منذ اقتلاعه من أرضه في العام 1948، فالأزمة الاقتصادية التي حطّت رحالها في المخيم لم تميّز بين لاجئ فلسطيني من سوريا وآخر من لبنان، و"كورونا" لن يميّز بين فلسطينيي سوريا وفلسطينيي لبنان، وهو يتربّص بهم على مفترقات الطرق لحصد أرواحهم.

 

لا أمل في النجاة إذا لم يتحمّل الجميع المسؤولية

في الوقت الذي تعمل فيه الجمعيات الأهلية والدولية داخل حدود مخيّم شاتيلا لمساعدة النازحين واللاجئين لتخطي الأزمة الاقتصادية من جهة ومنع تفشي وباء "كورونا" من جهة أخرى، بدأت تتصاعد تحذيرات جديّة بضرورة التشدّد في الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي لتجنيب المخيم كارثة إنسانية من المستبعَد أنْ يتمكّن أحد من السيطرة عليها. ويبقى الأمل الأول والأخير معلّقًا على القاطنين في المخيّم فهم وحدهم القادرون على التكافل والتضامن فيما بينهم لتخطي الأزمة الاقتصادية، وهم وحدهم القادرون على تحمّل مسؤولياتهم لمنع تفشي وباء كوفيد-19.

تقرير: درامي عيشة