لا تغمضُ فلسطينُ عينَيْها ولا تشيحُ بوجهِها عن مشاكلِ وأزماتِ المنطقةِ ولا عن حقولِ الألغامِ التي تغضُّ الطّرْفَ عن كلِّ العابرينَ ولا تتصيّدُ سوى خطواتِ الفلسطينيِّ. لذلكَ تعلّمَ شعبُنا مسألتينِ ظاهرُهما متناقضٌ، لكنّهما تكملانِ بعضَهما، المسألةُ الأولى هي متابعةُ دقائقِ الأمورِ وإتقانُ الإلمامِ بتفاصيلِ ما يجري حولَنا، والثّانيةً هي الابتعادُ عن التمركُزِ في بقعةٍ تحيدُ عن منتصفِ المسافةِ بين طرفَي أيٍّ من الصراعاتِ الدّاخليةِ التي تغطّي المنطقةَ طولاُ وعرضاً. هذا هو سرُّ الالتزامِ بعدمِ زجِّ أنفسنا في الشأنِ الداخليِّ لأحدٍ مهما كانت المبرّراتُ، وهو موقفٌ ثابتٌ نابعٌ بالأساسِ من حساسيّتنا من التدخلِ في شؤًون بيتِنا، تلكَ الحساسيّةِ التي اكتسبناها عبر تجربةٍ مريرةٍ مع الرّاغبينَ بالإمساكِ بقرارِنا الوطنيِّ ليتمَّ استخدامُهُ في معادلاتِ المحاورِ والأحلافِ التي لا تضعُ فلسطينَ في الحسبان. لا نقفُ في منتصفِ الطّريقِ عندما يتعرّضُ الأمنُ القوميُّ للخطرِ الخارجيِّ ولا بينَ المعتدي والمدافعينَ عن الحقِّ. أمّا عندما تقعُ الفتنةُ فنحنُ منها براءٌ ولا دورَ لنا فيها سوى دورِ رجلِ المطافئِ الذي لا عدوَّ له إلا الحريق.

 

نحنُ أصحابُ قضيّةٍ تمتدُّ لعشراتِ السنينِ بكلِّ ما رافقها من أزماتٍ وحروبٍ وصراعاتٍ في منطقةٍ يسهلُ إشعالُ الحرائقِ فيها ولا مياهَ لإطفائها، لكنّ القضيةَ الفلسطينيّةَ ظلّت قادرةً على قلبِ الطاولةِ وإعادةِ ترتيبِ الأولويّاتِ لتبقى هي في مكانِ الصّدارةِ. نعلمُ كيف يصرُّ أعداؤنا على اختلاقِ سُحبِ الدّخانِ بهدفِ التّغطيةِ على معاناةِ شعبِنا وحجبِها عن أعينِ العالمِ. هكذا مارسَ الأعداءُ لعبةَ إلهاءِ المنطقةِ بالحروبِ والفوضى، لكنّهم كانوا كلَّ مرةٍ يكتشفونَ أنَّ جهودَهم ذهبت سدى وأنََ فلسطينَ وشعبَها قضيّةٌ لا يمكنُ القفزُ عنها أو تجاهلُها. لذلكَ تعلّم الشّعبُ الفلسطينيُّ وقيادتُهُ حكمةَ التّعاملِ مع بريقِ الأحداثِ العابرةِ بحجمِها الطبيعيِّ بعيداً عن التّهويلِ وقرعِ طبولِ الحربِ التي "لن ُتبقي ولن تذرَ"، فإذا بها زَبدٌ لا ينفعُ النّاسَ ويذهبُ هباءً لينضمَّ إلى قائمةٍ طويلةٍ من الأحداثِ التي يطويها النسيانُ وتمحوها الذاكرةُ، ولا يبقى إلا فلسطينَ لأنها كرةُ النّارِ التي لا يستطيعُ أحدٌ إخفاءها في جيبِه.

 

وضعت الحربُ بين أمريكا وإيرانَ أوزارَها قبلَ أن تبدأ، ولم تكن فلسطينُ مطروحةً على قائمةِ أسبابِها أو مبرّراتِها، لكنَّ إخمادَ نيرانِ الحربِ قبلَ أن تستعرَ هي مصلحةٌ فلسطينيّةٌ صرفةٌ، وهذه نتيجةٌ لا حاجةِ للتدليلِ على صحّتِها. فعلى الرّغمِ من قِصرِ الفترةِ التي شهدتْ تلبّدَ سماءِ المنطقةِ بالدّخانِ، إلا أنَّ أعداءَ قضيّتنا لم يتردّدوا في تذكيرِنا وتذكيرِ الأمّةِ بالخطرِ الخقيقيِّ الذي يحيطُ بنا. فوزيرُ الخارجيّةِ الأمريكيُّ يسارعُ إلى التأكيدِ على موقفِهِ السّابقِ المخزي باعتبارِ الاستيطانِ الإسرائيليِّ عملاً شرعيّاً لا يتعارضُ مع القانونِ الدّوليِّ، وهو بذلك لا يعطي الشّرعيةَ للاحتلالِ والاستيطانِ وإنما ينزعُ عن الإدارةِ الأمريكيّةِ كلَّ صفاتِ الأخلاقِ والاحتكامِ إلى الحدِّ الادنى من احترامِ الشرعيّةِ الدوليّة. وفي خطوةٍ مكمّلةٍ للعبثِ الأمريكيِّ تصاعدَ حديثُ قادةِ دولةِ الاحتلالِ والاستيطانِ عن ضمِّ الأغوارِ وما يُعرَفُ بالمناطقِ "ج"، وهم بذلكَ يؤكدّونَ لشعبِنا أنْ لا خيارَ أمامَهُ سوى الوحدةِ وتصعيدِ المقاومةِ الشّعبيةِ ووصعِ خطّةٍ وطنيّةٍ للدفاعِ عن الأرضِ المهدّدةِ والحفاظِ عليها من المصادرةِ بتعزيزِ الوجودِ الفلسطينيِّ فيها ومنحهِ الأولويّةَ في الدّعمِ والتّمويلِ والحمايةِ الشعبيّةِ. 

 

*لن يحجبَ دخانُ الحروبِ اللحظيّةِ الأنظارَ عن المخاطرِ التي تتهدّدُ القضيّةَ الفلسطينةَ، ولنْ يثنيَ شعبَنا عن الصّمودِ في وطنِهِ والتمسّكِ بأرضِه ومواصلةِ النّضالِ من أجلِ انتزاعِ حقوقِهِ.

 

٩-١-٢٠٢٠

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان