ليستْ "فتح" حزباً سياسيّاً تحكمُهُ "ايديولوجيا" صارِمةٌ تضعُ حداً فاصلاً بينَ المنتمي لها والمتفرّجِ عليها، وهذهِ مسلّمةٌ أساسيّةٌ يُبنى عليها مفهومُ "فتح" ونظريّاتُها التنظيميّةُ والسياسيّةُ والاجتماعيّةُ، ولأنّ بوّابةَ "العقائديّةِ" المُفضيةَ إلى بيتِ "فتح" لا تُغلَقُ أبداً فإنَّ حركةَ الدّخولِ والخروجِ منها هي حركةٌ طبيعيّةٌ مثلُها مثلُ حركةِ الناسِ في منطقةِ عبورِ المُشاةِ، لا تثيرُ فضولَ أحدٍ ولا استغرابَهُ، لكنْ بشرطٍ واحدٍ: أنْ لا يعيقَ أحدٌ انتظامَ وسلاسةَ وحريّةَ حركةِ شُركائه منْ أهلِ البيت. هذه البوّابةُ المشرَعةُ دوماً هي سرُّ غَلَبةِ حركةِ الدّخولِ على حركةِ الخروجِ، فقد أثبتت التجربةُ أنَّ الدّاخلينَ إلى بيتِ "فتح" سرعانَ ما يكتشفونَ أنَّ "العقائديّةَ" عبءٌ يُثقِلُ ظهورَهم، لذلكَ تراهم يبادرونَ إلى ترْكِها وراءهم قبلَ الدّخولِ من بوّابةِ الانتماءِ. هذا لا يعني أنْ يتخلّى أحدٌ من أهلِ البيتِ عن استخدامِ العقلِ والمنطقِ وأدواتِ القياسِ المُجرّبةِ، بل على العكسِ من ذلكَ تماماً، فقد شكّلت "المشارِبُ" المتنوّعةُ فرصةً نادرةً لتبادُلِ الأفكارِ وإغناءِ الفكرةِ الأمِّ التي صانتْها "فتح" خلالَ مسيرتِها الطويلةِ، وهي فكرةٌ تقولُ أنَّ فلسطينَ ملكٌ لكلِّ أبنائها. ولأنَّ "فتح" قدْ ولِدتَ وتطوّرتً متشبّهةً بفلسطينَ إلى درجةِ التّماثلِ فإنَّ "فتح" هي الأخرى مِلكٌ لكلِّ أبنائها ولكلِّ شعبِها.

 

لا تعني بوّابةُ "فتح" "العقائديّةُ" المُشرعةُ أنّها لا تخضعُ للحراسةِ الذّاتيّةِ التي تضمَنُ عدَمَ التدافُعِ وتحديدَ أوقاتِ الهدوءِ والتزامَ كلٍّ فردٍ باحترامِ ما اتفّقَ أهلُ بيتِ "فتح" على ضرورةِ التقيّدِ بهِ. ولا تمارِسُ "فتح" أيَّ شكلٍ من أشكالِ الإكراهِ لمنْعِ أحدٍ من مغادرةِ البيتِ متى شاءَ، دونَ أن تلاحِقَهُ أو تلعَنهُ أو تُبيحَ دَمَهُ. ويعلمُ كثيرونَ ممّن جرّبوا الخروجَ الطّوعيَّ من البيتِ كيفَ ضاقتْ بهم الأرضُ بما رحبت وعادوا مسرعينَ إلى إخوتِهم وأهلِهم دونَ أن يعاتِبَهم أخٌ أو يعاقِبَهم أبٌ على غيابِهم. لو كانت فتح "هبّةً" لحظيّةً تهتمُّ بإنجازِ هدفٍ استعراضيٍّ لكانَ من المُمكِنِ لها أنْ تجعلَ من نفسِها "تنظيمَ النُّخبةِ" ذا البناءِ الحديديِّ والبوّابةِ الموصدَةِ التي يحرسُها ألفُ ماردٍ أو جنيٍّ، لكنّها ومنذُ انطلاقَتِها كانت على يقينٍ أنّها حركةٌ قادرةٌ على تجديدِ نفسِها وكَسبِ المزيدِ من العقولِ والقلوبِ والأيدي لمواصلةِ مسيرةِ ثورةٍ شعبيّةٍ طويلةِ الأمدِ يتّسعُ بيتُها لكلِّ شعبِها.

 

يكبرُ بيتُ "فتح" كلّما زادَ عددُ قاطنيهِ ولا يضيقُ بواحدٍ منهم. لهذا ظلّتْ "فتح" حركةَ الشّعبِ كلّهِ، ودأبَ الشّعبُ على التعاملِ معها كمِلكيّةِ خاصّةٍ لكلِّ فردٍ من أفرادِهِ لا يملكُ أحدٌ حقّ المساسِ بها، لا يهمُّ إنْ كان هذا الفردُ عضواً في "فتح" ملتزماً بأطرِها أو كانَ بعيداً عنها مستقلّاً أو حتّى ملتزماً بتنظيمٍ آخر، هكذا عرفَ النّاسُ "فتح" واعتادوا على التعاملِ معها كلٌّ كما يحبُّ أن يراها. كثيراً ما يغضبُ منها أبناؤها وأصدقاؤها ومحبّوها وخصوُمُها ومنافِسوها، لكنّهم لا يجدونَ أحداً غيرَها يستجيرونَ بهِ ويلجأونَ إليهِ كلّما شعروا أنَّ الأعداءَ قدْ جَمَعوا لهم، هكذا عرفوا "فتح" عبرَ خمسةٍ وخمسينَ عاماً، تقاتِلُ العدوَّ ولا ترفعُ رايةً بيضاءَ، تفاوضُهُ ولا تفرّطُ بالثّوابتِ، تختلفُ مع منافسيها ولا توجّهُ سلاحَها إلى صدورِهم، تُسايرُ أمريكا رُبْعَ قَرنٍ ثمّ تقاطِعُها دونَ تردّدٍ، تنقلبُ "حماسُ" عليها لكنّها لا تبيحُ دمَ الانقلابيّينَ ولا تكفّرُهم. لا غرابةَ إذنْ أنْ يخرجَ شعبِنا في غزَّةَ لمبايعةِ "فتح" ويأتَمِنَها على مصيرِ ومستقبلِ أطفالِهِ وبناتِهِ وفتيانِهِ من حَمَلةِ راياتِ "فتح"، حرّاسِ شُعلةِ الانطلاقة.

 

*رسالةُ اليومِ هي الرسالةُ رقم ٢٠٠، وهي ككلِّ سابقاتِها دعوةٌ لنا جميعاً لنُردّدَ باعتزازٍ: الحمدُ للّهِ على نعمةِ الانتماءِ لفتح، فهيَ بوّابةُ العبورِ إلى الحريّةِ ومِفتاحُ بيوتِ العائدينَ إلى الوطن.

 

٤-١-٢٠٢٠

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان