ليست حركةُ "فتح" حزبًا أو فصيلاً يضافُ إلى قائمةِ القوى والأحزابِ والحركاتِ الفلسطينيّةِ. فهي حركةٌ تتميّزُ عن كلِّ ما يحيطُ بها أو يحاولُ منافسَتَها، وتنفردُ بطبيعتِها التي ينطبقُ عليها وصفُ "السّهلِ الممتنع"، إذ يظنُّ مَن لا يعرفونَ حقيقَتَها أنّها تفتقرُ إلى ما يربطُ بينَ ألوانِ الطّيفِ الفكريِّ الذي أعطاها ملامحَها وشخصيّتها. ولا شكَّ أنَّ ما يميزُ "فتح" عن غيرها هو قدرتُها على استيعاب كلِّ التياراتِ الفكريةِ الوطنيّةِ وعدمِ إقصاءِ أحدٍ ما دامَ ملتزمًا بالهدفِ الأسمى وهو تحريرُ الوطنِ ونبذُ التبعيّةِ والارتباطِ بأيّةِ قوّةٍ أو حزبٍ أو دولة. هذا التنّوعُ الفكريُّ هو سرُّ استمراريةِ "فتح" وأهمُّ عواملِ قوّتها وترابطِها ووحدتِها التي صمدتْ أمامَ محاولاتِ الانشقاقِ عنها أو السيطرةِ على قرارِها. لقد كان من الممكنِ لهذا التنوّعِ أن يشكّلَ "قوّةَ طردٍ مركزيّةً" تؤدي إلى تشظّي الحركةِ وإضعافِ نواتِها الصلبةِ لو لم تعمل الحركةُ منذُ بداياتِها على ابتكار الأدواتِ الخلّاقةِ القادرةِ على توفيرِ الحوافزِ للتنافسِ الطبيعيِّ الذي يشكّلُ عصبَ الحياةِ الدّاخليّةِ على مستوياتِها كافّةً.

 

ليست حركةُ "فتح" حزبًا سياسيًّا في دولةٍ مستقرّةٍ يسعى للفوزِ بالسلطةِ لتنفيذِ برنامجهِ الخاصِّ، ولو كانت كذلكَ لخضعت لكلِّ ضوابطِ وشروطِ وجودِ الأحزابِ وما يحكمُ آليّاتِ عملِها، وأوّلُ تلك الضوابطِ هي الانتخاباتُ التي تمثّلُ الحلّ الوحيدَ القادرَ على تذليلِ الصّعابِ وتجاوزِ الكبواتِ وتجديدِ القيادةِ الحزبيّة. لكنَّ حركةَ "فتح" ما زالت حركةَ تحرّرٍ وطنيٍّ لمْ تنجزْ بعدُ الهدفَ الذي تعّهدت أمامَ الشّعبِ بإنجازِهِ، وهو انتزاعُ حقِّ الشّعبِ في وطنِهِ. ولأنّها ما زالتْ كما كانت منذُ بداياتِها، حركةً تقودُ النضالَ الوطنيَّ نحو الحريّةِ، فإنَّ ما يجبُ أن يحكمَ عملَها لا بدَّ أن يكونَ أكبرَ بكثيرٍ من مجرّدِ عمليةٍ تلقائيّةٍ لحشدِ المؤيّدينَ الذينَ يصلُ بهم الأمرُ إلى حدِّ اعتبارِ فوزِ مرشّحيهم قضيّةً لا تتقدّمُها قضيّةٌ أخرى، وهذا ما يفقِدُ الديمقراطيّةَ الدّاخليّةَ وظيفتَها الأولى، وهي اختيارُ الأشخاصِ الذين يمتلكونَ القدرةَ والاستعدادَ لتحمّلِ أعباءِ قيادةِ العملِ، وهو اختيارٌ لا يتوافقُ مع عقليةِ التمترسِ خلفَ أشخاصٍ محدّدينَ مهما كانَ سجلّهم وتاريخهم النّضاليّ.

 

العائلةُ والعشيرةُ والمنطقةُ هي درجاتٌ من سلّمِ الوصولِ إلى الجامعِ الأكبرِ وهو الوطنُ، وهي جزءٌ من التركيبةِ الاجتماعيّةِ لشعبِنا، يمكنُ تطويعُهُ لخدمةِ العملِ الوطنيِّ والاجتماعيِّ، لكن بشرطٍ واحدٍ: أن يكونَ مكمّلاً لأدواتِ الحفاظِ على اللحمةِ الوطنيّةِ وليس الأداةَ الوحيدةَ التي تطغى على ما سواها أو تتجاوزُهُ إلى حدِّ التجاهلِ والإلغاء. تنطبقُ هذهِ القاعدةُ على العملِ داخلَ حركةِ "فتح"، فلا مكانَ للتّقوقِعِ في شرنقةِ المنطقةِ أو العائلةِ للاستقواءِ على الآخرينَ، حتى لو أخذَ هذا الاستقواءُ شكلَ "المنافسةِ الحرّةِ". فلا يمكنُ لحركةٍ بحجمِ وتاريخِ "فتح" أن ترهنَ جزءًا من قرارِها مهما كانَ ضئيلَ الأهميّةِ لأهواءِ أفرادٍ أو تكتّلاتٍ أو غيرها من مظاهرِ الردّةِ عن الفكرِ الفتحويِّ القادرِ على أن يكونَ حاضنةً لكلِّ الطاقاتِ بعيدًا عن الإحساسِ بالغُبنِ أو بالإقصاءِ المتعمّدِ نتيجةً لاستقواءِ أحدٍ على آخر، فلا أحدَ يمكنُ أنْ يستقوي على "فتح"، ولا قوّةَ لأحدٍ إلّا بـ"فتح"!

 

*لا خاسرَ في الانتخاباتِ الدّاخليّةِ.. إلّا من سوّلَ لهُ الشّيطانُ ونفسُهُ الأمّارةُ بالسّوءِ أنّهُ هزَمَ أخاهُ.

 

٢٤-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان