كثيرًا ما نتحدّثُ عن الثورةِ الفلسطينيّةِ المعاصرةِ التي أطلَقتْ رصاصتَها الأولى حركةُ "فتح" في مطلعِ كانون الثاني/يناير ١٩٦٥، ونتحدّثُ أكثر عن الشرعيّةِ الوطنيةِ وحمايتِها وعن القرارِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ وما تمَّ تقديمُهِ من تضحياتٍ لصيانتِهِ من العبثِ والتّدخّلاتِ الخارجيّةِ من القاصي والدّاني. 

دعونا نتوقّفُ عندَ محطّتَينِ شكّلتا لحظتَين حاسمَتَيْنِ في تاريخِ مسيرةِ المشروعِ الوطنيِّ المعاصر.

- المحطّةُ الأولى هي بدايةُ تشكيلِ رابطةِ الطلبةِ الفلسطينيّينَ في القاهرةِ مع بدايةِ الخمسينيّاتِ من القرنِ الماضي، وهي الرّابطةُ التي كانت نواةَ الاتّحادِ العامِّ لطلبةِ فلسطينَ بكلِّ ما مثّلهُ هذا الاتّحادُ من بوتقةٍ التقتْ ضمنَها التّياراتُ الفكريةُ والسياسيّةُ المختلفةُ لتؤسّسَ لاحقًا أرضيّةً صلبةً لتجربةِ العملِ الجبهويِ في إطارِ منظمّةِ التحريرِ الفلسطينيّة. لقد وقفَ القائدُ الشهيدُ أبو عمار ورفاقهُ المؤسسونَ على رأسِ رابطةِ الطلبةِ الفلسطينيّينَ وصنعوا منها إطارًا كانَ لهُ شرفُ القيامِ بأولِّ مهمّةِ لتمثيلِ فلسطينَ بعدَ النكبةِ، وذلكَ عندما شاركَ الشهيدُ أبو عمّار وعددٌ من إخوتِهِ في مهرجانِ الشبابِ العالميِّ الذي تمَّ تنظيمُهُ في مدينةِ فروتسلاف البولنديةِ عام ١٩٥٥.

- المحطّةُ الثانيةُ تتمثّلُ بتجربةِ الانشقاقِ الذي خطّطَ لهُ ونفّذَهُ ورعاهُ نظامُ حافظِ الأسد، وغنيٌّ عن القَولِ أنّ الهدفَ الأوّلَ من ورائهِ كانَ احتواءَ القرارِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ ظنًّا من نظامِ الأسدِ أنّ منظمةَ التحريرِ الفلسطينيّةَ، الخارجةَ للتوِّ من ملحمةِ بيروتَ بقوّاتٍ ومقرّاتٍ تمَّ توزيعُها على عددٍ كبيرٍ من المنافي، قد أصبحتْ هدفًا سهلاً أمامَ أطماعِ النّظامِ السوريِّ باحتوائها، وهي أطماعٌ عمرُها من عُمرِ الثورةِ الفلسطينيّة. لقد شكّلت الاتحاداتُ الشعبيةُ الفلسطينيّةُ واحدًا من أهمِّ الدروعِ التي وفّرت الحمايةَ للشرعيةِ الفلسطينيّةِ، وفي لحظةِ الحسمِ كانَ لها الدّورُ المحوريُّ في ضمانِ وحدةِ القوى الوطنيةِ في إطارِ المنظّمةِ وضمنَ دوراتِ المجلسِ الوطنيِّ الفلسطينيّ، وخاصةً في الدورةِ الثامنةَ عشرة في الجزائر عام ١٩٨٧.

 

نستحضرُ الدورَ التاريخيَّ للمنظمّاتِ والاتحاداتِ الشعبيّةِ في ظلِّ النقاشِ والجدلِ الذي رافقَ المؤتمرَ الأخيرَ للاتّحادِ العامّ للمعلّمينَ الفلسطينييّنَ، وهو جدلٌ لا يليقُ بهذهِ المؤسّسةِ العريقةِ وبالدّورِ الطليعيِّ المنوطِ بها في ظلِّ تراجُعِ دورِ غالبيةِ الاتّحاداتِ الأخرى وتلاشي أطرِها التي تحجّرتْ ولم يعُد لها أدنى تأثيرٍ نقابيٍّ أو سياسيّ. ولا بدَّ من التعاملِ مع أيةِ إشكالاتٍ بطريقةٍ ترفضُ الانقسامَ وتحفظُ وحدةَ الاتحادِ بعيدًا عن عقليةِ المحاصَصةِ واختلاقِ الهيئاتِ والآليّاتِ المتعارضةِ مع الأنظمةِ الدّاخليةِ ومعَ قواعدِ العمليةِ الديمقراطيّة.

 

*لنْ نواجهَ صفقةَ القرنِ إلّا بالوحدةِ، والوحدةُ هي نقيضُ منطِقِ "الحاوي" الذي يظنُّ واهمًا أنَّ قوّتَهُ تزدادُ بإضعافِ المؤسّسةِ، فالمؤسّسةُ الضّعيفةُ حَجرٌ ثقيلٌ مربوطٌ برقبةِ راعيها ستجرّهُ معَها عاجلاً أمْ آجلاً نحوَ قاعِ بَحْرِ الفَشلِ

 

٢٨-٨-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان