على امتدادِ الذاكرةِ الفرديةِ والعامّةِ يحتلُّ امتحانُ "التوجيهي" مكانةً مميّزةً لدى أبناءِ شعبِنا الفلسطينيّ، وهو بحدّ ذاتهِ ظاهرةٌ مليئةٌ بالعواطفِ لا مثيلَ لها في حياةِ هذا الشعبِ الذي يُشكّلُ الفرحُ في تفاصيلِ يومهِ عملةً نادرة.
ولعلّ أهمّ دلائلِ طقوسِ البهجةِ التي ترافقُ النجاحَ في امتحانِ نهايةِ المدرسةِ الثانويةِ هو ما يعنيهِ العِلمُ في حياةِ الفلسطينيّ، بحيثُ أصبحَ معَ مرورِ الوقتِ وطنَاً معنويّاً نسكنُ في رحابهِ، وإذا كان بإمكانِ الشعوبِ المجاورةِ أن تتباهى بعُمرانِها وحدودِ دُولِها وثرواتِها الطائلةِ، فإنّ الفلسطينيّ المجرّدَ منْ وطنِهِ الا ما يكتنزهُ من صورٍ لهذا الوطنِ يتناقلُها في جيناتِهِ الوراثيةِ، يستطيعُ أن يدعو العالمَ كلّهُ إلى مبارزةٍ لا مجالَ فيها للخدعةِ أو الغش: مبارزةِ العلمِ والمعرفةِ التي يتقنُ فنونَها بشكلٍ أصبحَ هذا العِلمُ رديفَ الفلسطينيِّ وسِمَتَهُ التي تلازمُهُ وتميّزُهُ عن كلّ المحيطينَ به.
قد نشكو أحياناً منَ المبالغةِ في التعبيرِ عن مظاهرِ الفرحِ التي ترافقُ إعلانَ نتائجِ "التوجيهي"، ومنْ تلكَ المظاهرِ ما نمقُتُهُ ووننظرُ إليهِ بتخوّفٍ ونرفضُهُ بالمطلقِ، كظاهرةِ إطلاقِ النارِ "ابتهاجاً" بالنجاحِ، والتي تنتهي أحياناً بتحويلِ الفرحةِ إلى بيتِ عزاء، وقد نستغربُ منْ حَجمِ الظّلمِ الذي يحيقُ بمن لا يحالفهُم الحظّّ او بالأصحِّ منْ يجنونَ ثمارَ قلّةِ الإجتهادِ والمثابرةِ، ومع ذلك يجبُ التعاملُ مع هذا العُرسِ الوطنيّ الذي يعمُّ الوطنَ والشتاتَ في يومِ إعلانِ النتائجِ كنتيجةٍ طبيعيةٍ لِتَعَلُّقِ الفلسطينيّ بالعِلمِ وتقديِرِه لهُ، وكظاهرةٍ وطنيةٍ هي تعبيرٌ عن البحثِ في جدرانِ الواقعِ الذي يحاصرُنا عن نافذةِ ضوءٍ نبحثُ من خلالِها عن أشعّةِ التفاؤلِ والأملِ بمستقبلٍ أفضل في وطنٍ حُرٍّ عزيزٍ سيّدِ نفسِهِ وحارسِ آمالِ أبنائهِ وضامنِ مستقبلِهم.
فلسطينُ تتقنُ صناعةَ الفرَحِ مثلما تتقنُ الصمودَ والمقاومةَ في وجهِ المحتلّين، والنجاحُ في "التوجيهي" خطوةٌ نحو الإنتصارِ القادمِ بعونِ اللهِ

الناجِح يرفع إيدُه...بعلامةِ النصر