خاص/ مجلة القدس- تحقيق:  منال خميس

السادس والعشرون من شهر آب العام 2014، يوم لا ينساه الغزيون، ففيه كانت الوعود بخلاصهم، حيث تم التوقيع على اتفاق "تهدئة" بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي في القاهرة، بعد عدوان همجي اسرائيلي استمر لمدة 51 يوماً، دكّت فيه آليات الاحتلال العسكرية قطاع غزة، مخلّفة وراءها أكثر من 2400 شهيد، ومدمرةً أحياء كاملة، ومشردةً آلاف العائلات. وفي حين كان ينصُّ الاتفاق على وقف المقاومة لإطلاق الصواريخ مقابل وقف الاحتلال لعملياته العسكرية والاغتيالات ورفعه الحصار عن قطاع غزة، وبدء إعمار البيوت والمرافق المدمرة، وإدخال مواد البناء، فبعد مرور أكثر من عام لم يتحقّق شيء من ذلك.

 

الأزمات تدفع بحماس للتحادث مع إسرائيل!

مرّ عام على تلك الذكرى ولم يتحقق شيء من وعود اتفاق "التهدئة" حيث لا يزال القطاع محاصَراً، فلم تدخل مواد الاعمار، مع اغلاق تام للمعابر، ونقص بالخدمات والمستهلكات الحياتية الضرورية، الاساسية، وبات القطاع مرتعاً لأزمات اقتصادية واجتماعية وحياتية، تعصف به من جميع الجهات، بالإضافة الى تعثُّر إنجاز عملية المصالحة الداخلية، مما حدا بحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة للبحث عن مخارج وحلول لأزماتها.

وتحدّثت تقارير وتسريبات اعلامية،  صدرت عن مصادر أمنية إسرائيلية،  ومسؤولين من حماس، عن محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس عبر وسطاء أوروبيين، للوصول الى ما أسماه البعض "اتفاقيات"، أو "تفاهمات" بين الطرفين.

وقد خرجت حماس رسمياً عن صمتها، واعترفت أخيراً، بتوسط بلير بينها وبين إسرائيل لإبرام تهدئة. وذلك على لسان المتحدث الرسمي باسمها سامي أبو زهري، الذي قال إن لقاءات عقدت بين الحركة وأطراف أوروبية ودولية وأخرى مع بلير بشأن التهدئة.

مسودة "الاتفاقيات" الحمساوية-الاسرائيلية، وبحسب ما تسرّب لوسائل الإعلام، عبر مصادر رفضت ذكر اسمها، تنص على وقف كل أشكال المواجهة العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين، وتعهُّدِ إسرائيل برفع الحصار عن غزة، والالتزام بفتح المعابر، والسماح بإدخال البضائع والمواد الضرورية، والسماح بحرية التصدير والاستيراد من غزة وإليها، إلى جانب هدنة ما بين 7 إلى 10 سنوات، ووقف حماس لحفر الانفاق، مقابل تشغيل جزء من ميناء لارنكا القبرصي لأجل ممر مائي مؤداه إلى غزة تحت رقابة دولية، تكون فيها مشاركة إسرائيلية، ولكن من دون السماح بإعادة بناء المطار.

كما أفادت مصادر اعلامية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخذ وعداً من قبرص، خلال زيارته الأخيرة لها في الشهر الماضي، بأن يرسَل كوادر أمنية واستخبارية لمراقبة الميناء، ما يعني أصلاً وجود موافقة إسرائيلية على إقامة "طريق مائي" إلى غزة، وهذا يؤكّد في الوقت نفسه ما أُشيعَ عن المراقبة، وفي المقابل، ستقبل حماس رقابة "حلف شمال الأطلسي" عبر قاعدة "إنجرليك" التركية، على أن التمويل سيكون قطرياً، وقد يصل إلى نصف مليار دولار.

مهندس هذه" الاتفاقيات" هما مبعوث الأمم المتحدة الأسبق إلى الشرق الأوسط، روبرت سيري، والقنصل السويسري، بول غرنيا، اللذان التقيا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ومسؤولين حمساويين لإتمام هذا الملف، وكل ذلك يدور بعيداً عن السلطة الوطنية و"م.ت.ف".

 

التفاهمات الحمساوية-الإسرائيلية تكريسٌ للانقسام

أشارت الاعلامية دنيا الأمل اسماعيل في حديث للـ"قدس" إلى ان هذه التفاهمات والاتفاقات، هي الابن الشرعي لعدم نجاح المصالحة الفلسطينية، لافتةً إلى أن الحديث الاعلامي عن وجود مصالحة بدون تجسّد ذلك على الأرض يقود الى حلول حزبية لكل طرف على حدة.

وأضافت " أزمات حماس وخصوصاً السياسية منها، وعلاقتها مع العالم الخارجي، وعلاقتها مع المواطن الفلسطيني مأزومة، وأزمتها المالية ايضاً أدّت دوراً ضاغطاً، كل ذلك دفع بها باتجاه هذه التفاهمات خاصة أنه في حال بقي الوضع على ما هو عليه او ازداد سوءاً من ناحية اوضاع المواطن، تخشى حماس من انفجار هذا المواطن في وجهها، فرأت أن هذه الاتفاقيات تشكّل لها حلاً سحرياً للخروج من ازماتها المتعددة، وايضاً تحل المشكلة مع الاحتلال الاسرائيلي، فيما يتعلق بالتهديدات المتعلّقة بإطلاق الصواريخ".

وتعتقد اسماعيل، ان "المواطن في ظل الضغوط، والمضايقات المعيشية العديدة التي يواجهها سيقبل بهذه التفاهمات، وربما بأقل منها نظراً لأنه لم يعد لديه الكثير من القدرة على التحمُّل". لافتة الى خطورة هذه التفاهمات بعيداً عن إطار "م.ت.ف" والسلطة الوطنية الفلسطينية، مطالبةً بأن تأخذ المنظمة موقفا حازماً تجاه ما يحدث.

وطالبت اسماعيل، السلطة الفلسطينية بالمبادرة بطرح حلول اكثر عملية، وتجذُّراً في موضوع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية، لئلا يذهب كل طرف منفصل بعيداً عن الكل الفلسطيني وهو يبحث عن حلول تخص مصلحته الحزبية اكثر مما تخص مصلحة شعبنا الفلسطيني.

ومن وجهة نظر الاعلامي ناصر عطاالله  فإن أي اتفاق يأتي من خارج الاجماع الوطني يعني تكريساً لحالة الانقسام، مؤكّداً أنه ليس من الممكن ان يقوم فصيل بمعزل عن الكل الوطني مهما عظم شأنه بتأدية دور الحزب الواحد وصياغة قراره وكأنه يعبر عن الجميع، وحقيقة الامر انه منقسم على نفسه داخل بيته الفصائلي الصغير.

ويضاف عطالله في حديثه للـ"قدس": "المطلوب الرجوع الى فكرة احياء تطوير "م.ت.ف" وتطوير مؤسساتها ومن ثم ممارسة الديمقراطية المطلوبة باتخاذ قرار مصيري يتعلّق بالشعب الفلسطيني وتقرير مصيره". مطالباً بدعوة لجنة تطوير "م.ت.ف" للانعقاد، وجعلها في حالة انعقاد مستمر الى حين التوافق على مجمل الملفات الوطنية وتشغيل بنود الاتفاق بما يتعلّق بالمصالحة والدعوة للانتخابات العامة بما فيها انتخاب مجلس وطني جديد.

 

حماس تسعى لإثبات وجودها على الأرض

يرى الاعلامي فتحي طبيل، أن ما يجري ما هو إلا محاولة من حركة حماس لإثبات أنها موجودة، فهي تسعى جاهدة من خلال لقاءاتها المكوكية مع طونى بلير، الى تسويق الأوهام وخاصة بعد الحرب الأخيرة، التي لم تحصد فيها شيئاً ولم تقدر على إيقافها من خلال أصدقائها قطر وتركيا، ولذلك بدأت حملة إعلامية ممنهجة كي تبحث لها عن انتصار خارج ساحة المعركة عبر الإيحاء بأنها تحتفظ بعلاقات سياسية مؤثّرة مع عدة جهات إقليمية (قطر وتركيا، ومؤخّراً محاولة فتح علاقات مع مصر وفشلت، ومع السعودية وتبيّن انها زيارة دينية محضة) ودولية من خلال زيارات روتينية لممثلين أوروبيين يقومون بزيارات شبه دورية لقطاع غزة، لتحسس الأوضاع الإنسانية الصعبة، وحيث تتم لقاءات لا تعدُّ رسمية لأن حماس مصنّفة كتنظيم إرهابي، كما أنه بعد انتهاء حكم مرسي لمصر ساءت العلاقات وأصبحت حماس تعيش في عُزلة أكبر وحصار اقتصادي وامني وإعلامي ولم تعد تستطيع تبرير الصمود المزعوم أمام قواعدها الجماهيرية التي قد تنقلب عليها قريباً".

ويضيف طبيل للـ"قدس" "لا يوجد اي دليل على ان حماس قد تصل الى اي نتيجة او تسوية مع الكيان الصهيوني الذي نجح في حصار قطاع غزة وعزله عن العالم الخارجي، ولذا فليس من المنطق ان نصدق المهزوم ولا نصدق الاقوى في الصراع (إسرائيل) التي نفت بالمطلق وجود اي حوارات او تشاور ما بينها وبين حماس".

في حين يرى المحلّل السياسي اكرم عطالله أن هناك مفاوضات لا يمكن  انكارها بين اسرائيل وحماس من خلال اطراف واوساط اقليمية ودولية بموافقة اسرائيلية، موضحاً أنه لا يمكن لأحد أن يجرؤ على فتح ملف مفاوضات مع حماس دون أخذِ كافة الموافقة والاتفاق مع تل ابيب.

ولكنه لفت في حديثه للـ"القدس" الى تعثُّر هذه المفاوضات قائلاً: "ما نسمعه في الآونة الاخيرة يقول ان هناك اشكاليات تسود هده المفاوضات، فيعالون الاسرائيلي قال ان ما تطلبه حماس لا يمكن تلبيته، وحماس تقول ان ما تعرضه اسرائيل لا يمكن قبوله، اذن نستنتج ان المفاوضات تعثّرت بالفترة الاخيرة، واعتقد أن حماس متفائلة وترفع سقف المطالب وهي تعتقد ان بداية الحوار يعني نهاية المشكلة، ولا تعرف ان الطرف الاسرائيلي بالتجربة معه يمكن ان يخوض مفاوضات تستمر سنوات على قضية بسيطة، وهناك مسألة أخرى فربما أن حماس ترفع سقف التفاؤل في محاولة منها الى جر السلطة، كي تشعر السلطة ان الامور ذهبت باتجاه حركة حماس وبالتالي تأتي الى غزة لإجهاض المشروع او غيره".

 وتابع: "أجواء التفاؤل التي بثّها الشهر الماضي نائب رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية يدل على وجود مفاوضات لكنها تعثّرت. فعندما اقترب الجانبان وطرحَ كلٌّ ما لديه اكتشفا انهما بعيدين تماماً".

وأكّد "هذه المفاوضات جزء من المصلحة الاسرائيلية، فإسرائيل لديها مشروع قديم هو مشروع فصل غزة، واوسلو اصلاً كانت عنوانها غزة، والانسحاب من غزة في العام 2005 حتى تنفصل غزة. واسرائيل تريد اذا ما تم الاتفاق فصل غزة نهائياً، وربما يتم ذلك في حال كانت هناك حلول وسط!".

وحذّر عطاالله قائلاً: "حماس صعّبت الى حد ما خطوات المصالحة، وهي في وضع خطير الآن، والجميع يعرف انها ذهبت للمصالحة فقط عندما توقّف الشريان المصري عن ضخ الاموال والانفاق وغيره، فما بالنا اذا انفتحت الطريق امامها، وانفتحت غزة؟! برأيي لن يتم الاعلان عن الاجراءات المقبلة، على انه فصل لغزة، سيبقى الجميع يتحدث عن المصالحة، ولكن عملياً سيتم تكريس خطوات الفصل".

وأشار الى ان: "المشروع الوطني الآن في حالة تراجع شديد على كل الاصعدة وعنوان تراجعه تكثيف المفاوضات في جزئية غزة، وكأن العالم يريد تبرير ذمته من فشله في اقامة الدولة الفلسطينية، أو من فشله في الضغط على اسرائيل للانسحاب واقامة حل الدولتين، ولم نعد نرى بالأعوام الاخيرة الا مشهد الضفة الغربية تنزف ارضاً وقطاع غزة ينزف دماً، والمشروع الوطني يراوح مكانه".

وعن القبول الشعبي لمشروع حماس، أوضح عطالله للـ"قدس" أنه لن يجد معارضة لسببين: "الاول انه سيجري تسويقه باعتباره استكمالاً لمفاوضات عدوان 2014، والثاني ان الشعب الفلسطيني تم تدجينه وكي وعيه بشدة لتقليص معارضته الى الحد الاكبر، لهذا نرى المعارضة تنكمش، لأن من سيضع نفسه في خانة المعارضة لهذا المشروع سيُتّهم بأنه يساهم بالمشاركة في استمرار حصار شعبه".

وختم قائلاً: "على السلطة تحمُّل مسؤولياتها تجاه غزة، والتقدّم وعدم ترك غزة بهذا الشكل، لأن استمرار ترك غزة يعني ضياعها، واخراجها تماماً من الصراع ومن المشروع الوطني".

 

استمرار الانقسام يخدم جهات دولية

يرى المحلّل السياسي د.عماد عمر أن هناك جهات دولية كانت ولا زالت تسعى لتصفية القضية الفلسطينية، عبر مشاريع تصفوية تقسّم الكيان الفلسطيني الى كانتونات، إما في غزة او الضفة الغربية، لافتاً إلى ان ما يُطرَح هي مشاريع قديمة حديثة تُثار على مدار سنوات النضال الفلسطيني. ويضيف "في العام 2002 طرح الرئيس الامريكي بيل كلنتون خطة لإنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وهي تنص على تعديل حدود غزة مع مصر عبر تبادل اراضٍ واقامة كيان على قطاع غزة، وهذا مشروع ضمن المشاريع التي تُدرَس دولياً لتسويف القضية الفلسطينية،  وتأجيل اي حلول من شأنها اقامة دولة فلسطينية تلم شمل الفلسطينيين".

 وقال للـ"قدس": "لم تتضح الأمور بعد، ولم تؤكدها حركة حماس رغم ما يُثار عبر وسائل الاعلام من تسريبات، ورغم الجولات التي يقوم بها اوربيون الى المنطقة".

وأضاف:" نحن كفلسطينيين في قطاع غزة بحاجة الى التخفيف عن اهلنا المحاصرين، ولكن اذا ما نُفِّذ هذا الاتفاق، فإن نتائجه ستكون صعبة على الفلسطينيين كونه يوجِد واقعاً جديداً للفلسطينيين يتنافى مع حقوقهم التي نصّت عليها الشرعية الدولية من دولة على حدود الرابع من حزيران الى جانب عودة اللاجئين الذي حلموا وما زالوا بعودتهم الى ارضهم ووطنهم".

 وبحسب عمر فإن الوضع برمته يتطلّب من القيادة الفلسطينية إيلاء اهتمام أكبر تجاه حاجة اهالي قطاع غزة للعيش بكرامة والتنقُّل بحرية الى الدول المجاورة.

ويختم عمر بالقول: "هناك مسؤولية تقع على عاتق السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير وحركة فتح بضرورة انهاء ملف الانقسام الذي تستغله اسرائيل وبعض القوى الدولية لتفتيت القضية الوطنية الفلسطينية، لذلك يجب على الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتخاذ خطوات اكثر جدية من شانها انهاء الانقسام واعادة بناء "م.ت.ف" بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بمشاركة حركتَي حماس والجهاد الاسلامي وصياغة استراتيجية وطنية مُتَّفَق عليها بين الفصائل تنظّم العلاقة مع اسرائيل في مجال المفاوضات والمقاومة وبهذا لا يمكن لأي حلول تصفوية ان تمر الا من خلال "م.ت.ف" كإطار جامع لكل الفلسطينيين".

في المقابل، برز تقرير دولي أعدّته منظمة "كرايسيس غروب العالمية" ونشرته صحيفة "هآرتس" العبرية يقول بأن فرص اندلاع حرب بين إسرائيل وحماس تفوق بكثير فرص التوصُّل الى اتفاق تهدئة متوسط المدى، او نجاح المصالحة بين فتح وحماس، وذلك بحسب التقرير كون  الاسباب التي أدّت الى الحرب في العام الماضي لا تزال قائمة: الحصار، الازمة الاقتصادية والمالية، المنافسة بين حماس وفتح.

ويشير التقرير الى ان سكان غزة يواجهون اليوم ضائقة غير مسبوقة. ويستخلص انه في حالة مراوحة المكان من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والقيود التي تفرضها اسرائيل على تحركات المواطنين، والانقطاع الداخلي الفلسطيني، فإن حماس قد تجد في الحرب مخرجاً من التحديات الداخلية، كالهجمات على التنظيمات السلفية، وانهيار الخدمات الحكومية والاحتجاج الاجتماعي. وستسمح لها الحرب بإعادة بلورة قوتها وترسيخ مصداقيتها العسكرية، وربما تخفيف الحصار من خلال اتفاق لوقف النار.

لكن التقرير لم يفحص مسألة كيف يمكن للحرب ان تخدم المصالح الاسرائيلية. وجاء في التقرير ان اسرائيل والدول الغربية المانحة للسلطة الفلسطينية لا تدعم المصالحة الداخلية الفلسطينية، رغم ان هذه المصالحة تعدُّ مطلباً اساسياً للجمهور الفلسطيني في سبيل وضع حد للانقطاع بين القطاع والضفة.