تمكنت عصابات الهاجانا اليهوديه في 3/4/1948 من إسقاط بلدة القسطل حيث ان المطلوب من خمسين فدائياً ليس معهم العتاد

المطلوب أن يواجهوا المئات من جيش مدرَّب ومجهَّز. إلاّ أن العرب الفلسطينيين حشدوا قرابة الثلاثماية فدائي من مختلف القرى والمدن العربية وذلك بقيادة صبحي أبو جبارة، وكامل عريقات، وإبراهيم أبو دية، وعبد الله العمري، وحافظ بركات، وخليل عنون، وعبد الفتاح درويش، وابتدأ الهجوم العربي في 4/4/1948 ولم يتمكن اليهود من السيطرة الكاملة على القسطل، واستمرت المعركة على مدى ثلاثة أيام إلاّ أن ذخيرة المقاتلين العرب نفدت بينما عصابات الهاجانا كانت تتلقى المؤن والذخائر بواسطة الطائرات .

إن نفاد السلاح من يد العرب الصامدين في القسطل دفع قائد الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني للذهاب فوراً إلى دمشق حيث مقر اللجنة العسكرية للجامعة العربية وطلب التزوُّد بالسلاح والذخائر بعد أن وضعهم بصورة تفاصيل ومخاطر الوضع في القدس. ولم تستجب اللجنة العسكرية العربية لطلب عبد القادر الحسيني، وإثناء اللقاء جاءت الأنباء التي تتحدث عن سقوط القسطل، وأبدى عبد القادر الحسيني القدرة على استعادة القسطل فيما لو توفَّرت لديه الذخائر والأسلحة، إلاّ أن الرد كان سلبياً، وخاطبه عبد القادر اللجنة العسكرية بغضب : " أنتم مجرون، سيسجِّل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين، سأحتل القسطل، وسأموت أنا وجميع أخواني المجاهدين " . ثم التفت إلى صديقه قاسم الريماوي الذي كان يرافقه وقال له : " هيَّا نرجع إلى فلسطين كي نموت فيها الميتة التي وضعناها نصب أعيننا، هيا نستشهد أو ننتصر على الأعداء " .

ذهب عبد القادر الحسيني ومعه رفاقه ومساعدوه في مقدمتهم إبراهيم أبو ديه، وقبل منتصف ليلة 7/4/1948 بدأ الهجوم الفلسطيني على الاستحكامات اليهودية، وكان القتال شرساً، وأصيب إبراهيم ابو دية بجروح بالغة ومعه ستة عشر مقاتلاً، وكادت الذخائر أن تنفد مما إضطر المهاجمين إلى التراجع إلاَّ أنَّ القائد عبد القادر الحسيني تقدم مع بعض رفاقه واشتبكوا مع اليهود فأصيب ثلاثة منهم وبقي عبد القادر ومعه مقاتل واحد . وتمكَّن اليهود من الإحاطة بعبد القادر الحسيني ووصل النبأ الى الفلسطينيين خارج القسطل، فتجَّمعوا من كل صوب بحماسة شديدة، وجاءت النجدة من "الجهاد المقدس"، ومن "حرَّاس الحرم الشريف"، ومن "شباب القدس"، ومن أهل الخليل، ومن قرى الواديه، ومن جيش الإنقاذ، وكان اليهود أكثر عدة وعدداً، وتمكن الفلسطينيون الذين احتشدوا من مختلف المناطق من استرداد القسطل وظلوا فيها حوالي ست ساعات إلاَّ أن اليهود جاءتهم النجدات الكبيرة بعد أن خسروا ثلاثماية وخمسين قتيلاً يهودياً . وقد صُدم الفلسطينيون الذين سيطروا على القدس صباح 8/4/1948 عندما وجدوا الشهيد عبد القادر الحسيني ملقى عند مدخل القرية .

وفي صباح 9/4/1948 سقطت القسطل بيد اليهود، ودمَّروا كلّ ما فيها حتى مسجدها، وفي ذلك اليوم صلّى المسلمون على الشهيد عبد القادر الحسيني في المسجد الأقصى .

لقد قام ضابط بوسني مسلم كان مع المهاجمين هو "شوقي بك" ومعه مصفَّحة بحمل جثة الشهيد عبد القادر في مصفحته، وكذلك إبراهيم ابو دية الذي أُصيب في سلسلة ظهره وتوجَّه بهما إلى القدس، وعندما انتشر الخبر غادر الكثيرون إلى الحرم الشريف للمشاركة في التشييع، وبقي أربعون مناضلاً من المقدسيين بقيادة بهجت أبو غربية، وقد انضم إليهم عصر 8/4/1984 ضابط مصري ومعه ثلاثة مناضلين . وقد اضطر ابو غربية ومن معه لمغادرة المكان بعد أن تعرّضوا لقصف شديد، وبعد أن سمعوا بأنّ هناك مجزرة حدثت في قرية دير ياسين وقد قدّر الصليب الاحمر الدولي عدد ضحايا هذه المجزرة من الرجال والأطفال والنساء بثلاثماية وخمسين شهيداً . علماً أن من كان من الشبان والرجال هناك قاوم بشدة، وأوقع الخسائر في صفوف مجرمي " الشتيرن " و " الارغون "، المنظمتين الارهابيتين الصهيونيتين .

ما أشبه عبد القادر الحسيني بوعيه إيمانه وتصميمه على الجهاد يوسف العظمة بكل معركة ميسلون التي كان أول شهدائها، وما أشبهه أيضاً بعمر المختار بطل المقاومة في ليبيا ضد الاحتلال الايطالي، وقد قاتل وأُسر ثم أُعدم شنقاً . ولعلّ الشهيد عبد القادر الحسيني وكما قال الكاتب والمؤرخ صالح مسعود أبو يصير أشد شبهاً بفارس غرناطة موسى بن أبي الغسَّان يوم أن تقرَّر خضوعها للأسبان، ووافق زعماء المسلمين هناك على ذلك، رفض حالة الذل، ثم ذهب إلى بيته ودجّج نفسه بالسلاح، واعتلى صهوة جواده، وعندما رأى تجمعاً للفرسان الأسبان وثب إلى وسطهم، وطعن أحدهم برمحه، وأخذ يطعن عناصر هذا الجمع بينما جسده ينزف دماً من كثرة الطعنات والجراح، وقد سقط عن صهوة جواده، ولم يشأ أن يستسلم، ورغم جراحه استلّ خنجره وأخذ يدافع عن نفسه، وألقى بنفسه  في مياه النهر خلفه، وابتلعته المياه لكنه ترك لنا الدرس والعبرة، لقد استشهد موسى بن أبي الغسَّان وهو يقول : "إن لم يظفر أحدُنا بقبر يستر رفاته فإنه لن يعدم سماء تغطيه.... " .

الشهيد عبد القادر الحسيني تميّز منذ صغره بالإحساس الوطني، والانخراط في العمل المقاوم . درس في الجامعة الأميركية بالقاهرة في قسم الصحافة والتاريخ، ويوم التخرج، وفي كلمته المقررة أمام المسؤولين الأميركيين والمصريين قال كلمته المشهورة : إنه لا يشرفني أن أحمل شهادة من جامعة القوم الذين يباركون الصهيونية ويحمونها .

عبد القادر الحسيني شارك في معركة قرية الخضر في ثورة العام 1936، وجرح هنا وأُّسِر، كما شارك في القتال في العام 1938 في معركة بني النعيم، وقد جُرح أيضاً ونجا من أيدي الأعداء بأعجوبة. ثم اشترك في ثورة العراق في العام 1941 وكان قد درس الشؤون العسكرية هناك. وفي العام 1947 عندما وافقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على قرار التقسيم، غادر الى مصر وبدأ يشتري السلاح، ويدّرب الشبان، واستعان بالرجال الوطنيين من مصر وسوريا . وفي تلك الآونة عَّينه المفتي الحاج أمين الحسيني قائداً لِفرَق الجهاد المقدَّس، وخاض بعد ها معارك شرسة.

استشهد عبد القادر موسى الحسيني تاركاً زوجة مناضلة تحَّملت مسؤولية تربية أبنائها الثلاثة موسى وفيصل وغازي إضافة إلى ابنة كريمة . وعبد القادر هو ابن القائد الوطني المناضل موسى كاظم الحسيني . ويبقى عبد القادر الحسيني ووالده موسى الحسيني وابناؤه وخاصة الشهيد فيصل الحسيني عناوين العمل الوطني والمقاومة، والصلابة، والوفاء.