بينما تسود الاجواء السلبية حيال عملية السلام في الشرق الاوسط ،وفي ظل مراوغة الحكومة الاسرائيلية في الالتزام بهذه العملية والاعتراف بحل الدولتين، الذي يؤيده المجتمع الدولي، شكل موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجديد، خطوة خجولة باتجاه العقلانية والواقعية السياسية. فقد ذكر بيان لرئاسة مجلس وزراء الاحتلال الاسرائيلي أن نتنياهو ذّكر الرئيس محمود عباس هاتفياً بالتعاون والمحادثات التي جرت بينهما في الماضي وابلغه نيته في معاودة ذلك في المستقبل بغية دفع عملية السلام بين "اسرائيل" والفلسطينيين، واصفاً المحادثة بأنها كانت ودية.
وبما أن اي حكومة في العالم هي بالاساس كيان جماعي يعمل بهدف إدراة شؤون الدولة الداخلية والخارجية معاً، يبدو أن نتنياهو ادرك أنه لا يمكن تغليب الاجندة السياسية الداخلية على الاجندة السياسية الخارجية، فالكيان الاسرائيلي بتركيبته منذ وجد وحتى الان لا يستطيع التخلي عن احد أهم مصادر قوته التي تعتمد على العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وبالتالي لا يمكن القفز فوق توجهات إدارة اوباما ازاء رؤيتها لعملية السلام في الشرق الاوسط .
لقد كان اوباما واضحاً جداً عندما صرح تحت قبة البرلمان التركي في 6/4/2009 "ان الولايات المتحدة تدعم بقوة هدف وجود دولتين، اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً الى جنب في سلام وأمن، وذلك هدف اتفقت عليه الاطراف في خريطة الطريق وانابولس، ذلك هدف سأسعى اليه بنشاط بصفتي رئيساً للولايات المتحدة الامريكية".
والسؤال الذي يطرح اليوم، هل فهم نتنياهو من ذلك ان أوباما يستعد لمواجهة مع الحكومة الاسرائيلية فيما يتعلق بالعمل من أجل إقامة دولة فلسطينية، وأن عليه البدء بنوع من الموازنة بين الأجندة السياسية الداخلية والأجندة السياسية الخارجية؟ ام أن كلامه مع الرئيس عباس يندرج في إطار المسايرة السياسية؟
خيارات نتنياهو
يبدو أن نتنياهو أصبح امام خيارين احلاهما مر، إما أن يلجأ الى خيار تكييف الاوضاع الداخلية بما ينسجم مع الاوضاع الخارجية وبالتالي عليه مواجهة الضغوط المتزايدة من الرأي العام الاسرائيلي من أجل إطلاق سراح الجندي جيلعاد شاليط، وتزايد ضغوط المتطرفين داخل الإئتلاف الحكومي الجديد من أجل البدء بتوسيع المستوطنات، والاستعداد لعدوان جديد، ونسف عملية السلام.
وهنا عليه أن يكون بمواجهة حتمية مع حليفه ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان الذي لعب دور بيضة القبان في الانتخابات الاخيرة وضمن لنتنياهو الصعود الى رئاسة الوزراء.
 وإما أن يلجأ الى خيار تعزيز الأجندة الداخلية وتلبية طموحات الرأي العام  الاسرائيلي الحالي الذي أفرز القوى السياسية الحالية المسيطرة على الحكومة من أجل إطالة عمر حكومته ومساندتها، وبالتالي يكون قد قام بتوتير العلاقات مع الخارج وخسر أحد أهم مصادر قوته خصوصاً بعد تزايد الضغوط الدبلوماسية العربية والدولية واجماعها على حل الدولتين .
فتوتير العلاقة مع الادارة الأمريكية الجديدة ليس من صالح نتنياهو، إذ سبق ودخل في خلافات مع إدارة كلينتون وترتب على ذلك ان دفع نتنياهو الثمن بخسارته للحكومة قبل عشر سنوات.
أما اليوم يبدو أن نتنياهو يدرك أن وجود ليبرمان في حكومته سيترتب عليه في خلال المرحلة القادمة إلحاق المزيد من الضرر بحكومته وعلاقاتها مع الخارج، وأنه إذا ما سعى الى تطبيق برنامجه المشترك مع ليبرمان وحزبه المتطرف سيكون قد حشر نفسه في زاوية لا يستطيع خلالها ضمان استمرار حكومته.
و ما يجري على الساحة الداخلية الاسرائيلية فيما يتعلق بالتحقيق مع ليبرمان يشير بشكل أو بآخر الى أن نتنياهو حسم أمره  بإقصاء ليبرمان عن المشهد السياسي وذلك عن طريق استخدام ( سيناريو تفجير الفضيحة)، فقد قامت الشرطة الاسرائيلية بالتحقيق مع ليبرمان في قضايا الغش والاحتيال وتبييض الأموال وذلك للمرة الثالثة خلال اسبوع من توليه  وزارة الخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو وفق ما ذكره الموقع الكتروني لصحيفة يديعوت احرنوت الاسرائيلية في 7/4/2009.
وبحسب الموقع فإن الحديث يدور عن المرحلة الأخيرة من إجراءات التحقيق مع ليبرمان بعد أن جمعت الشرطة أدلة تم فيها مجابهة ليبرمان في التحقيقين السابقين واللذين استغرقا أكثر من 12 ساعة.
ورجحت مصادر في الشرطة الاسرائيلية أن الوثائق الموجودة في حوزتها حالياً تفيد من جهة منظور الأدلة الجنائية الى ان ليبرمان  سوف لن يفلت من الإدانة. وهذا معناه أن نتنياهو قد ينجح بتوجيه ضربته للوزير المتطرف دون أن يؤدي ذلك الى تصعيد الخلافات معه فيما لو جابهه بطريقة مباشرة .
وهنا يكتمل المشهد ويظهر نتنياهو بمظهر الزعيم السياسي القوي، المقرر غير المحاصر، وذلك ربما يفتح المجال امام أحزاب مثل كاديما لإعادة النظر والتفكير بالمشاركة في حكومته الامر الذي يظهرها كحكومة "اعتدال"، توازن بين الأجندة السياسية الداخلية والأجندة السياسية الخارجية. وتفي باستحقاقات المرحلة القادمة.