خاص مجلة القدس- تحقيق: طارق حرب

إرث طويل من النضال يربط المخيمات الفلسطينية في صور بجوارها. إرث عمَّده الشهداء بدمائهم وببيوتٍ فتحَت أبوابها للفدائيين وحمتهم من الملاحقة. إرث ثبّته احتضان المخيمات لأبناء القرى الجنوبية حين كان العدو الإسرائيلي يدك بيوتهم وحقولهم بنيران لم تُبقِ شيئًا.

أمَّا اليوم وفي ظل ما نشهده من تفتيت في العالم العربي، ونزعة طائفية وانقسام سياسي لن يخدم سوى إسرائيل في توجهها لتصفية القضية الفلسطينية وحرف البوصلة عنها، فما هو واقع العلاقة؟ وما المطلوب لتثبيتها؟

 

علاقة عُمّدت بالدم ووحدة النضال

يُشكِّل تاريخ العلاقة الفلسطينية اللبنانية محط إجماع لدى اللبنانيين والفلسطينيين، وفي هذا السياق يصف عضو قيادة إقليم حركة "فتح" في لبنان اللواء محمد زيداني علاقة مخيمات صور بجوارها، فيقول: "هي صورة من الماضي والحاضر المشرق بيننا وبين أهلنا ومحيطنا اللبناني الذين نعتبرهم عزوتنا في الشدائد والمحن، وخصوصًا في الجنوب. والأيام الجميلة التي مرت بها العلاقة الفلسطينية اللبنانية تلزمنا بصيغ التعايش والتحالف، لأن هذه العلاقة تعمَّدت بالدم منذ العام 1968 وحتى اليوم، حيثُ كان الفدائي موقع احترام وتقدير عالٍ لدى الجنوبي الذي دفع الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن قدسية الحق الفلسطيني وعن أعدل القضايا، القضية المركزية، كما اعتبرها كل الشرفاء والأحرار في العالم."

أمَّا حول ما تمر به هذه العلاقة اليوم من مطبات ومؤثرات، فيقول مسؤول الجبهة الشعبية في صور أحمد مراد: "إن ما يجري في المنطقة العربية حالياً، يمثِّل شطبًا للقضية الفلسطينية وتبريرًا لما يتم الحديث عنه من يهودية الدولة، والضغط على اللاجئين للتنازل عن ثوابتهم"، وهو ما يؤكّده كذلك مسؤول ملف مخيمات صور في حزب الله السيد أبو وائل زلزلي الذي يضيف "هناك محاولات لتشويه صورة المخيمات وتشويه صورة النضال الفلسطيني، وإحداث شرخ بين المقاومة في فلسطين والمقاومة في لبنان عبر فكر غريب عن واقعنا اللبناني والفلسطيني المقاوم الذي ناضل سوياً من أجل فلسطين ولبنان."

ورغم كل هذه المحاولات فإن العلاقة استطاعت حتى الآن أن تقفز عن كل العقبات، فهي كما يراها رئيس منتدى صور الثقافي أحمد فقيه "علاقة طبيعية بين أبناء المدينة والمخيم، فحياتهم اليومية واحدة ترتبط بمصير واحد، ولا يعكر صفوها شيء لأنها امتداد لعلاقات تاريخية".

في حين يرى مراد أن "العلاقة بين مخيمات صور والجوار تجاوزت العلاقات السياسية إلى علاقة اجتماعية وعلاقة مصاهرة تستطيع تجاوز جميع العقبات".

وبدوره يرى مسؤول إعلام حركة أمل في إقليم جبل عامل الأستاذ صدر داوود أن "تداخل المخيمات مع مدينة صور والقرى والبلدات اللبنانية ساهم في تشارك الشعبَين في جميع الأمور وخصوصًا المناسبات الاجتماعية"، ويوضح "فهذه المنطقة نشأت على فكر الإمام موسى الصدر الذي أرسى قواعد مميزة للعلاقة بين لبنان وفلسطين شعباً وقضية، أضف إلى ذلك فنحن عشنا نفس الهموم خاصة أثناء الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، مما أوجد هذا التكامل بين الشعبَين، الذي رأينا أبهى صوره خلال عدوان تموز 2006 ووقوف أبناء المخيمات إلى جانب أبناء القرى والبلدات الجنوبية واستضافتهم لهم في المخيمات. وكيف ظل فرن القسطل في مخيم الرشيدية الوحيد الذي يعمل ويوزع الخبز على أبناء المنطقة في ظل انقطاع المواد التموينية. ونحن نعرف كيف كان القيّمون عليه يجازفون لتأمين احتياجاته. وهذا الأمر لا يمكن أن يكون إلاّ محل تقدير واحترام".

 

تحصين المخيم هو الأساس

تقر الفصائل الفلسطينية مجتمعة بضرورة العمل من أجل تحصين المخيم، ويكون ذلك كما يعبّر عنه مسؤول حركة الجهاد الإسلامي يوسف موسى أبو سامر "بالعمل على توحيد صفوفنا وترتيب البيت الفلسطيني على مستوى منطقة صور، لتأسيس بيئة سليمة تمكّننا من الحفاظ على السلم داخل المخيم ومع جواره"، ويضيف "شكّلنا مؤخّرًا إطارًا جامعًا داخل المخيمات يضم كافة الفصائل، وذلك لمناقشة المستجدات على مستوى المخيم، ومن ثم الاتفاق على تشكيل لجنة تنسيق الفصائل الفلسطينية للحوار مع الإخوة في الجوار"، مؤكّدًا ضرورة ضبط الأوضاع الداخلية على المستوى الأمني درءًا لأي تبعات سلبية قد تترتّب مع الجوار في ظل الأجواء المشحونة مذهبياً.

أمَّا أمين سر فصائل "م.ت.ف" وحركة "فتح" في صور وقائد الأمن الوطني العميد توفيق عبد الله فأشار إلى أن "الترجمة العملية لتحصين المخيم على الأرض كانت عبر ترتيب الوضع الأمني داخل كل المخيمات الفلسطينية لحفظها من أي خلل" وأضاف "نحن مستنفرون وعلى جهوزية تامة، وتواصل ومتابعة حثيثة مع القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية والإخوة في قيادة الجيش اللبناني، لحفظ أمن وسلامة الجنوب والمخيمات والجوار، لأن الهم مشترك والعدو مشترك، ونعمل دائماً على حل الإشكالات الفردية وتطويقها بسرعة. كما قمنا بتعزيز القوة الأمنية في كل مخيمات صور، بمشاركة الفصائل الفلسطينية كافة، وأؤكّد أننا لن نتهاون مع أي مخل بأمن المخيم وأمن لبنان الحبيب، وسنعمل جهدنا لحفظ استقرار سلمه الأهلي، لأن أمن واستقرار لبنان هو دعم لقضية الشعب الفلسطيني وأبناء مخيماته".

 

آليات لتمتين العلاقة بين المخيمات والجوار

إلى جانب إجماع المتحدثين على أهمية استمرار اللقاءات الدورية بين الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية لتبادل الآراء وتطويق الثغرات، يردف زلزلي "علينا كذلك العمل على وضع آليات كلبنانيين وفلسطينيين لتوفير مساحة من اللقاء بين أبناء المخيمات والجوار في مدينة صور وقُراها وبلداتها وحيثما يتواجد الشعب الفلسطيني لتمتين العلاقات الاجتماعية اليومية، ولا ننسى أن عملية المصاهرة بين الشعبَين الفلسطيني واللبناني، وخاصة الجنوبي، هي كبيرة جدًا في منطقتنا وكذلك انتماء أبناء القرى الجنوبية إلى الثورة الفلسطينية، ولا نبالغ إذا قلنا أنها علاقة متينة وتشد أواصر الانتماء إلى هذه المقاومة وتجعلها قادرة على تجاوز أي حادث عابر يُراد به تشويه هذه العلاقة"، مضيفاً "أيضًا علينا كلبنانيين الوقوف مع حقوق الشعب الفلسطيني ودعمها والمساهمة في رفع مستوى الحياة في المخيمات. وهذا يدفعنا للقول بأن ما نشهده اليوم من إرهاب تكفيري لا ينتمي لدولة أو جهة أو طائفة أو دين. وإذا ما قام فلسطيني بعمل إرهابي فهذا لا يعني أن المخيمات واللاجئين الفلسطينيين في لبنان كلهم كذلك، بل على العكس هم يرفضون هذه الأفكار والأعمال مثلنا تماماً ويعملون على منع وجود بيئة حاضنة لها في المخيمات".

 

حقوق اللاجئين الإنسانية والاجتماعية أساس يجب الالتفات إليه

كجميع من التقينا بهم يُشدِّد د. ناصر فران على "عدم وجود أي مبرر لحصار المخيمات ومنع إدخال مواد البناء، والنظرة إلى المخيم من البوابة الأمنية"، فيما يؤكّد عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية إبراهيم النمر "أنها ستكون خطوة نوعية لو يتم التعاطي مع الفلسطيني كحالة اجتماعية وليس أمنية. فالفلسطيني يجب ألا يُستخدَم كورقة سياسية في الانتخابات". ويضيف: "هناك واجبات نؤديها لكن يجب على الدولة أن تتعاطى بإيجابية مع الفلسطيني الذي أقرّ بالالتزام بسيادة القانون، وتُباِدر إلى تعديل القوانين وتقر بحقه في العمل والتملك. ونأمل أن يتضمَّن البيان الوزاري التطرُّق للوضع الفلسطيني ووضع آليات لرفع الغُبن عن الفلسطيني."

بدوره يلفت رئيس جمعية التواصل اللبناني الفلسطيني والناشط في المجتمع المدني اللبناني عبد فقيه إلى ضرورة أداء القوى السياسية دورها بشكل فاعل في دعم الفلسطيني في إطار إعطائه الحقوق المدنية والاجتماعية، ويضيف "على المجتمع اللبناني بكافة قواه وجمعياته زيارة المخيمات ورفع الصوت عالياً مع المجتمع الفلسطيني، ومطالبة سلطتنا اللبنانية برفع هذا الغبن والظلم الإنساني الذي يلحق بهم. فدعم الحقوق هو أحد ركائز تكريس حق عودته إلى أرضه التي هُجّر منها"، داعيًا لإنشاء توأمة بين الجمعيات في المجتمع اللبناني والجمعيات التي تعمل في الوسط الفلسطيني.

في حين ينوّه داوود إلى أن "العلاقة الفلسطينية اللبنانية رغم مرورها ببعض الفتور، إلا أنها استعادت عافيتها لأن الجميع يعي حجم المؤامرة الكبيرة التي تُحاك ضد لبنان والمنطقة من أجل استهداف المقاومة في لبنان وفلسطين" مضيفاً "لا يمكن أن نواجه هذه المؤامرة إلاّ إذا تمتعنا بحسّ المسؤولية المشتركة والتلاقي الدائم والانطلاق من موقف سياسي موحّد قائم على أساس تمتين العلاقة اللبنانية الفلسطينية".

أمّا على المستوى الفلسطيني، فيقول زيداني: "علينا أن نكون الأوفياء في لحظة تحتاج الوفاء للبنان والجنوب، ولن نقف مكتوفي الأيدي أو متفرجين أمام كل محاول استجلاب الشر إلى جغرافيا المخيم أو الزج بالفلسطيني بما لا يعنيه". مضيفاً "نحن في حركة "فتح" و"م.ت.ف" أخذنا على عاتقنا بأن تكون كل لحظات عمرنا القادمة موعداً مع سلم وسلام هذا البلد إلى أن يأذن الله لنا بعودة مظفرة تنهي حياة اللجوء والتشرد. وإلى أن يحين هذا الموعد نطمئن أهلنا اللبنانيين عمومًا والجنوبيين خصوصًا بأننا على الوعد والعهد بأن نصون العلاقة ونحفظ التاريخ جيدًا لأن هذا التاريخ مزيّن بدمٍ فلسطيني لبناني امتزج في كل مواقع النضال الوطني مدركين تمامًا قدسية فلسطين التي لم تغبْ لحظة واحدة عن عقل ووجدان الشعب اللبناني بكل أطيافه. ولأن اللحظات التي نعيش تُحتّم علينا وعيًا استثنائيًا وجهدًا استثنائيًا يُمكّننا من مواجهة المخاطر التي تحدق بنا جميعاً".