خاص مجلة القدس- تحقيق: مصطفى ابو حرب

حي المهجرين في مخيم نهر البارد تركة الشهيد ياسر عرفات وهديته لأهالي مخيم تل الزعتر ومخيمات مدينة بيروت التي دُمّرت بعد الاجتياح الإسرائيلي للمدينة. هو قطعة أرض اشتراها وبناها الشهيد بيوتًا ووُضِعت عهدة عند الأوقاف الإسلامية في عكار. وبعد أن دُمّر حي المهجّرين إثر حرب الجيش اللبناني ضد عصابة العبسي الإرهابية في مخيم نهر البارد، تنصّل الجميع من إعمار الحي إلى أن قامت منظمة التحرير الفلسطينية بإيجاد من يبنيه مرة أخرى، لتُقدّم المنازل بصكوك هديةً لأصحابها.

 

حي المهجرين.. تركة أبو عمار

حول تاريخ بناء حي المهجرين يقول أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الشمال أبو جهاد فياض: "حي المهجرين هو أرض لمنظمة التحرير الفلسطينية بنى الرمز الشهيد أبو عمار بيوتًا عليها وأعطاها لمهجري تل الزعتر وبيروت في العام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، ووضعها في عُهدة الأوقاف الإسلامية في عكار حتى لا يتصرّف بها أحد".

ويضيف فياض "بعد حرب البارد وتدميره بالكامل دُمّر حي المهجرين. وأسوة بمخيم البارد، اعُتبرت الأونروا مسؤولة عن إعمار المخيم القديم المعروف بمساحته لديها. وعندما بدأ الإعمار في المخيم القديم والصيانة في المخيم الجديد، عادت قضية الحي إلى الواجهة، وطُرِحت مع السفارة الفلسطينية في لبنان ومع قيادة المنظمة، فتمَّ تكليف محامٍ استحصل على ترخيص إعمار لحي المهجّرين من الدولة اللبنانية، وبناءً على ذلك قامت المؤسسة النرويجية بإعمار الحي بالتنسيق مع السفارة الفلسطينية والأوقاف الإسلامية حيثُ تم بناء 111 منزلاً بتكلفة 3,2 مليون دولار"  .

 ويردف فياض "تم تسليم البيوت لأصحابها بعد تعهُّد سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور بتقديم هبة مالية من الرئيس أبو مازن لشراء أثاث للمنازل، وكذلك وبحسب الاتفاق الموقّع مع المؤسسة النرويجية، وقّعت السفارة والأوقاف الإسلامية صكوك ملكية المنازل التي تتيح لأصحابها التصرُّف بها لحين عودتهم إلى فلسطين"، ويستدرك "ولكن للأسف هناك بعض الثغرات في تشطيبات المنازل التي تم إعمارها في الحي، وذلك يبرز من خلال الشكاوى التي قدّمها الأهالي. إلا أنه وبمتابعة الموضوع مع المؤسسة النرويجية تعهّدت الأخيرة بإصلاح الأضرار".

 

منازل غير مطابقة للمواصفات

لعلَّ مشكلة عدم مطابقة المنازل للمواصفات هي المشكلة الأبرز التي تؤرق أصحاب المنازل، إذ يقول سمير قاسم: "استلمتُ بيتي جدرانًا مطليةً من الخارج لا أكثر، وها أنا اعمل على إصلاح كل شيء فيه. لقد هدّمت الجدران لتوسيع إحدى الغرف وتوسيع المطبخ إذ إن البيت كان مبنيًا لـ"عرسان جُدد" لا لعائلة مؤلّفة من تسعة أشخاص! وفي الوقت ذاته لا يمكنني أن أتصوّر غرفة بيت بمساحة لا تزيد عن المترين ونصف المتر مربع". ويختم قاسم بحسرة حديثه "لقد انتظرنا سبع سنوات، ولكن للأسف حي المهجرين الذي بناه الشهيد ياسر عرفات لنا في العام 1983 لم يبقَ منه شيء سوى أرضه وذكرى مجيدة لقائد ثورة عظيم".

بدوره أشار السيد، وهو أحد أصحاب البيوت، إلى أنه استلم منزله دون أبواب أساسية، لافتًا إلى أن جميع التشطيبات النهائية كانت سيئة لدرجة غير مقبولة وبعيدة عن المواصفات التي تم الاتفاق عليها مع الجهات المعنية، معلّقًا بالقول: "الله لا يسامح كل من قام بغش أهله.. فهل يعقل أن استلم بيتي دون أبواب مداخل وان ادفع ما يزيد عن ستمائة دولار لشرائها؟!!".

ولا يختلف الأمر بالنسبة لعبد الرحمن احمد موسى، الأب لثمانية أولاد، حيثُ يقول: "لم يكن لدي أمل بأنني سأتمكن من تسلُّم بيتي أو بأن حي المهجّرين سيُعاد بناؤه حقًا بسبب كم العراقيل التي وضعت في وجهنا، ولكن الله يسّر، وبُنيت البيوت، غير أنّها للأسف جاءت بعيدة عن المواصفات تمامًا إذ إن الغرف ضيقة لا تتجاوز مساحتها المترين ونصف متر مربع، وهي لا تتّسع لأي شيء، لدرجة أنني اضطررتُ لإلقاء أغراضي في الشارع لأن لا مكان لها بحكم ما فرضته علينا مساحات البيوت والطريقة التي بُنيت على أساسها. وحاليًا ننتظر كل الوعود بتقديم مبلغ بدل الأثاث كهبة من الرئيس أبو مازن".

 ويختم موسى بالقول: "أهالي حي المهجرين أصرّوا على تسمية الحي باسم الشهيد القائد كمال مدحت، والكل يدعو للرمز الشهيد ياسر عرفات بأن يسكنه الله فسيح جناته لأنه فكّر فيهم حيًا فآواهم خيره الذي لا يزال مستمرًا حتى بعد استشهاده" .

من جهته يشير رئيس لجنة حي المهجرين عمر الميها إلى أن حي المهجرين الذي دُمّر بالكامل  كان قد أُهمِل ولم يشمله الإعمار نتيجة إشكالات مع الحكومة اللبنانية، تمامًا كما لم تشمله التعويضات سواء أكان من جهة إعادة الإعمار أم الترميم، ويضيف "إثر مناشدات من أهالي حي المنكوبين، بدأ الإعمار في الحي منذُ ثلاث سنوات بعد استحصال المؤسّسة النرويجية على تصريح من قِبَل الدولة اللبنانية. ولكن زيارة البيوت كانت ممنوعة، وعندما علمنا بعدم مطابقة المنازل للمواصفات بادرنا إلى انتخاب لجنة لمتابعة الملف مع اللجنة الشعبية والفصائل والأونروا، وقد أدّت سفارة دولة فلسطين الدور الأكبر بالتنسيق والتعاون مع الدولة النرويجية التي تعهّدت ببناء الحي على نفقتها. وتم إجراء الاتصالات مع دار الأوقاف الإسلامية في عكار، وتم بناء البيوت وسُلّمت لأصحابها، وهناك وعد بأن يتم تسليم أصحاب البيوت صكوك الملكية التي وُقِّعت، إضافةً لوعد سعادة السفير دبور بتقديم هبة مالية من الرئيس الفلسطيني قدرها 1500 دولار. كذلك استطاعت اللجنة أن تُحقّق  العديد من المطالب وأهمها تركيب "ساعات كهرباء"  و"سخّانات" على الطاقة الشمسية، وتبليط المطابخ والحمامات".

وعن شعور مالكي البيوت يقول الميها "كل أصحاب البيوت يشعرون بفرحة كبيرة لأن الفلسطيني في لبنان ممنوع من التملُّك ونحن أصحاب حي المهجرين سوف يتم إعطاؤنا صكوك ملكية البيوت حسب الاتفاق بين السفارة الفلسطينية ودائرة الأوقاف الإسلامية وبإشراف الدولة النرويجية. وقد اخترنا أن نُسمّيّ الحي باسم القائد الشهيد كمال مدحت لما له من خدمات قدّمها لأهالي مخيم البارد".