تحقيق: امل خليفة

تصاعدَت الهجمات الإسرائيلية المتطرِّفة على المسجد الأقصى وساحاته مؤخَّرًا، خاصة مع حلول الأعياد اليهودية، حيثُ يقوم المتطرِّفون باقتحام المسجد ويمنعون المصلّين من أداء الصلاة صباحًا ومساءً، في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية نحو طريق مسدود يخلو من أية حلول عادلة، وأمام هذه الهجمات يقف المقدسيون صامدين ثابتين للدفاع عن المقدَّسات الإسلامية والمسيحية في ظل غياب الموقف والحراك العربي والإسلامي.

 

اعتداءات على الأهالي والمقدسات تحت ذرائع أمنية

يؤكّد محافظ القدس السيد عدنان الحسيني أن المسجد الأقصى والمقدسيين يعانون الأمرَّين بسبب الانتهاكات الإسرائيلية على الأوجه كافة، ويوضح "لقد صادفَت الأسبوع الماضي أعيادٌ لليهود في القدس الشريف، وكان من ضمن طقوس هذه الأعياد اقتحام المسجد الأقصى يوميًا صباحًا ومساءً، وبسبب هذه الطقوس فقد أُغلقت معظم المحال في المدينة ومحيطها من قِبَل الشرطة الإسرائيلية، ووقعت العديد من المواجهات بين المصلّين وبين اليهود، حين حاول المصلّون منعهم من تدنيس المسجد وإقامة الطقوس داخله، واستمر هذا الأمر يوميًا لمدة أسبوع- وهي فترة الأعياد- ممّا أدى إلى العديد من الاعتداءات على الفلسطينيين وعلى المسجد، وهذا شأن كل الأعياد اليهودية حيثُ يسود التوتر والمشاحنات والاعتداء بكل أنواعه علاوة على وقوع عدد من الضحايا والاعتقالات التي تطال الأطفال والشباب وما يترتّب عن كل ذلك من معاناة. وفوق ذلك، لم تسلم كنيسة القيامة يومَي الجمعة العظيمة وسبت النور من الانتهاك والاعتداء فقد منع الإسرائيليون المصلّين من إخواننا المسيحيين، من داخل ومن خارج فلسطين، من الوصول والصلاة في كنيسة القيامة وأداء شعائرهم الدينية، حيثُ أغلَق الإسرائيليون معظم أبواب المدينة ولم يتمكَّن من الدخول سوى أعداد قليلة جدًا، وبالتالي فإنَّ المقدسات تعاني الاعتداءات والإجراءات بذريعة حُجج أمنية".

ويؤكّد الحسيني أن "صمود الفلسطيني في القدس أمرٌ واجب لكونه الوسيلة للمحافظة على الأماكن المقدّسة ولولا وجود الفلسطيني المقدسي ووقفته العظيمة بوجه الاعتداءات الإسرائيلية لتغيَرَ وضع البلدة القديمة في القدس الشريف"، ويضيف "إن وقوف وصمود المقدسيين بوجه الاحتلال أجهزَ على العديد من المخططات والأفكار الإسرائيلية المتطرّفة والمسيئة للمقدسات الإسلامية والمسيحية، ونحن نقول لهم نحن هنا صامدون ولن نسمحَ لهم أبدًا بإبعادنا عن مقدساتنا مهما فعلوا ومهما اعتدوا" .

ويردف الحسيني  "منذ 46 سنة يعاني المقدسيون من الاحتلال ويقفون شامخين أمام المحتل ومخططاته التهويدية، غير أن الهجمة أصبحت قوية ولا بدَّ للأمة العربية أن تقف عند مسؤولياتها تجاه القدس والمقدسيين، فالمساندة القائمة لا ترتقي إلى حجم المواجهة والخطر الذي يُحدق بالقدس والأقصى الشريف، وبالمقابل فإن إسرائيل تبذل وتُقدّم الكثير من أجل التهويد، وبالتالي لا بدَّ من الرَّد على هذه الهجمة الشرسة بتعزيز الصمود الفلسطيني العربي المسيحي والإسلامي في القدس الشريف، لا سيما أن الضغوطات التي يمارسها الاحتلال على المقدسيين أصبحت لا تحتمل عدة عدة صُعُد، أهمها هدم المنازل وإغلاق المحال التجارية وارتفاع الضرائب المفروضة على الفلسطينيين، وأيضًا محاولات سحب الهويات المقدسية لأي سبب، أي أننا نُحارَب على مستويات مادية ومستويات معنوية، وحتى في موضوع التعليم فنحن لا نستطيع إلحاق أبنائنا بالجامعات بسبب الأقساط الجامعية العالية، وهذا ينطبق على نواحي الحياة كافةً، لذا لا بدَّ من دعم صمود المقدسيين بكافة شرائحهم كي يتمكّنوا من البقاء لا أكثر".

 

الاحتلال لا يُفرّق بين مسلم ومسيحي

من جهته أشار رئيس أساقفة الروم الارثودوكس في القدس الشريف سيادة المطران عطالله حنا إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لا يُميّز في عدوانه وهمجيته وعنصريته بين كنيسة ومسجد وبين مسلم ومسيحي"، موضحًا "كُلنا نُعامَل بنفس الطريقة وكلنا نُستهدَف بنفس الأساليب اللاإنسانية واللاإخلاقية والعنصرية"، ويضيف "إن الاحتلال يستهدف المسجد الأقصى، هذا المكان المقدّس الذي له مكانته السامية في الديانة الإسلامية، ويستهدف المصلّين، وكذلك يستهدف الأعياد المسيحية والأوقاف المسيحية وكنيسة القيامة، وهو يسعى إلى وضع الحواجز ومنع المصلّين والمحتفلين من الوصول إلى كنيسة القيامة، وقد لاحظنا في عيد القيامة أن مدينة القدس تحوَّلت إلى ثكنة عسكرية ملأى بالحواجز والجنود وبما يُسمّى بـ"مسؤولي الأمن الإسرائيلي" الذين كانوا يعرقلون وصول المصلّين إلى الكنيسة تحت ذرائع أمنية واهية لا أساس لها من الصحة، ولذلك نحن نستنكر هذا التطاول على مقدساتنا وعلى أعيادنا وعلى حضورنا العربي الفلسطيني الإسلامي المسيحي، ونؤكّد أننا شعب فلسطيني واحد مسيحيين ومسلمين، ثابتون في هذه المدينة ومدافعون عن المقدسات، وبصفتي مطرانًا في الكنيسة الأرثوذكسية أود أن أُؤكّد أن الاعتداء على الأقصى بالنسبة لي هو اعتداء على كنيسة القيامة، وكذلك فإن الاعتداء على الكنيسة بمنزلة الاعتداء على أشقائنا وإخوتنا المسلمين، فنحن أسرة وطنية واحدة نعيش معًا ونعمل معًا من أجل قضية وطنية واحدة".

وعن الموقف العربي والإسلامي والمسيحي قال حنا: "أنا لا أذيع سرًا إذا ما قلتُ أن العرب مقصّرون تجاه القضية الفلسطينية، وهذا الأمر يعرفه الشعب الفلسطيني وكل من هو متابع ومهتم ومدرك لكل ما يحدث. هناك تقصير وهناك إهمال، وإسرائيل تستغل هذا الأمر لكي تمعن في سياستها العنصرية بحق مدينة القدس، وأنا هنا لا أريد التعميم، ولكن بعض العرب يكتفون بإصدار بيانات الشجب والاستنكار والتضامن، ونحن نقول لهم نحن لا نريد بياناتكم ولا شجبكم بل نريد برنامجًا استراتيجيًا عمليًا للنهوض بمدينة القدس ودعم صمود أبناء القدس، وأنا اعتقد أنه لا يحك جلدك إلا ظفرك، فالمقدسيون بصمودهم وثباتهم ودفاعهم عن القدس هم من سيحرّر هذه المدينة، وهم من سيحافظ عليها، ولكن كي يتمكّنوا من هذا لا بدَّ من الدعم العربي والمؤازرة العربية والتعاطف الفعلي لا اللفظي فحسب من أجل القدس، وإسرائيل اليوم تستغل ما يُسمّى بالربيع العربي - الذي لا هو ربيع ولا عربي- لتُمعِن في سياساتها بحق الشعب الفلسطيني، فهناك اعتداءات يومية على المقدسات والمسجد الأقصى إلا أننا نلحظ تراجعًا في المتابعة الإعلامية العربية لهذه الاعتداءات، بالرغم من أن القدس لا بد أن تكون حاضرة في إعلامنا وثقافتنا ويجب أن تكون هناك برامج عملية لنُصرة الشعب الفلسطيني ودعم صموده ونصرة القدس وتحريرها، ونحن نعلم أن العرب قادرون على هذا عندما يقرّرون، إلا أنهم لم يُقرّروا بعد، وكلَّما تأخَّر هذا القرار ستبقى إسرائيل هي المستفيد الوحيد لتمرير مخطَّطاتها في المدينة المقدسة".

ويشكِّك حنا بجدوى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قائلاً: "نحن لا نراهن على المفاوضات ولا نتوقّع الوصول إلى اتفاق مع الإسرائيليين بشأن القدس، وما يجب أن نُحقّقه هو وحدتنا الوطنية وأن تكون البوصلة فلسطين والقدس، وأن يكون انتماؤنا عربيًا فلسطينيًا، فكُلنا نعرف ماذا تريد إسرائيل وماذا تفعل إسرائيل، وليس علينا أن نتوقّع أن تتغيّر إسرائيل مع الأيام وتتحوَّل من دولة معادية عنصرية إلى دولة مسالمة تحترم حقوق العرب والشعب الفلسطيني. فإسرائيل التي عايشناها عام 1948 وعام 1967 هي نفسها اليوم. قد تكون بعض الأسماء وبعض المفردات تغيَّرت هنا وهناك إلا أن إسرائيل هي إسرائيل والصهيونية هي ذاتها، ولن يغيَر إسرائيل لا مفاوضات ولا غير مفاوضات، بل ما يجب تغييره هو واقعنا العربي والفلسطيني لكي يكون واقعًا قويًا قادرًا على مواجهة ما يُخطَّط له ضد قضيتنا الفلسطينية".

 

الشجب والاستنكار غير كافيَين لحماية الأقصى

بدوره ينوّه مُقرئ الأقصى الشيخ عطالله ناصر إلى أن "ما تقوم به سلطات الاحتلال ما هو إلا كيد واعتداء على حرمة بيت الله الذي تُشَدُّ إليه الرحال" ويشدِّد على أن المسجد الأقصى المبارك هو أسير بمعنى الكلمة، ويؤكِّد أن "ما حدث يوم الجمعة ما هو إلا دليل على ظلم الاحتلال، لأن من يمنع الصلاة في المساجد ما هو إلا ظالم غاشم متغطرس معتدٍ على حقوق وحُرمة هذه المساجد"، ويضيف "المسجد الأقصى هذه الأيام يُعتدَى عليه في كل صباح، إذ تدخلُ قطعان المستوطنين من صباح كل يوم وحتى صلاة الظهر ويقومون بأداء الطقوس والعبادات اليهودية، وهذا لا يليق بهذا المكان، لأنه للمسلمين وحدهم. فالمسجد الأقصى المبارك هو لصلاة المؤمنين في كل أنحاء العالم، ولكن هذا المسجد العظيم يتعرَّض للتنكيل بشتى الوسائل، وهناك من يدخلونه بصفة مصلين غير أنهم يكونون من المستعربين الذين يبتغون افتعال الفوضى داخل المسجد، إضافة إلى المتسوّلين الذين يُشّك في احتياجهم وانتمائهم رجالاً ونس اءً خاصةً أن بعضهم يتخفّى خلف الخمار. وبالتالي بات من الجلي أن الأقصى اليوم في وضع خطير جدًا، فلك الله يا أقصى وحماك الله، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يُغيّر حال الأمة الإسلامية ويعيد لها اللُحمة والوحدة ونسأل الله توحيد أبناء شعبنا ليقفوا وقفة واحدة أمام هذا الهجوم العنصري على المسجد الأقصى المبارك".

ويضيف الشيخ ناصر "إن الوقوف الكلامي من بعض الأشقاء العرب لا يكفي للدفاع عن الأقصى لذا لا بد من وقف العلاقات مع إسرائيل وتوجيه رسائل قاسية جدًا لها كي يشعر الاحتلال بالوقفة الجدية من قِبَل الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، فالشعارات والاستنكارات غير كافية للتعبير عن الموقف العربي الجدي تجاه الحق بالمسجد الأقصى، فهو ليس للفلسطينيين وحدهم بل هو للأمة الإسلامية عامة والعربية كافة، ونحن ندعو كل من يستطيع لزيارة الأقصى، فالوجود الإسلامي من كل العالم هو دعم للصمود والبقاء، وتكون الزيارات فرصة لمشاهدة ما يتعرَّض له الأقصى بأم العين من انتهاك لحرمته".

 

مؤشرات خطيرة لتقسيم الأقصى وتهويده

يرى عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون القدس أحمد قريع ابو علاء، أن اقتحام قطعان المستوطنين المستعربين، بقيادة المتطرف العنصري "موشيه فيلجن" للمسجد الأقصى المبارك بالسياسة العدوانية العنصرية والوحشية التي تنم عن حقد صهيوني وحرب دينية، يستهدف في الأساس المدينة المقدّسة والمسجد الأقصى المبارك، وجميع معالم القدس والحضارية والثقافية .

وفي هذا الصدد يلفت قريع إلى الاعتداءات الوحشية التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين المحتشدين في ساحات المسجد الأقصى المبارك وبالقرب من بواباته، عقب اقتحامه من قبل المتطرِّف "فيلجن"، الذي أعلن عن خطط لاقتحام الحرم القدسي مرة كل شهر عبري وبتاريخ محدد، كما دعا مناصريه إلى مرافقته في جولة اقتحامه وتدنيسه لساحات المسجد الأقصى المبارك، بمساندة قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تواصل عدوانها بحماية قطعان المستوطنين والمتطرفين وتقوم بضرب المصلّين والاعتداء السافر عليهم وإطلاق قنابل الغاز والرصاص المطاطي صوب المرابطين، ممّا أدى إلى إصابة عددٍ منهم بجروح خطيرة".

ويحذِّر قريع من تجاهل المجتمع الدولي للجرائم الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة  وتصاعد انتهاكاتها وتدنيسها للأماكن الدينية في مدينة القدس من خلال السماح لعصابات المستوطنين والمتطرفين بالتجول في ساحاته وإثارة واستفزاز مشاعر المسلمين المصلين، ويختم بالقول: "لا بد من تكثيف التواجد وشد الرحال للمسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه والمرابطة في ساحاته لصد أي اعتداء همجي من قِبَل قطعان المستوطنين ومنع الإسرائيليين المتطرفين من الاستمرار في تدنيسه وإحباط مخططات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى تهويد وتقسيم المسجد الأقصى المبارك".