تحقيق: هبة الغول

خاص/ مجلة القدس، انطلاقاً من الغيرة على التراث الفلسطيني، برزت محاولات فلسطينية عدة لحفظ تراث وآثار فلسطين وحمايتها، والتي منها محاولات رسمية وأخرى فردية للهواة. من هنا كان لقاء مجلة القدس مع إحدى هذه المحاولات الفردية تقديراً لجهودها، فعلى ضوء الشموع من أزقة مخيم شاتيلا كان حديثنا مع الدكتور محمد الخطيب.

بدايةً محاولة جمع قطع من التراث الفلسطيني متى بدأت فيها؟ ولماذا أقبلت على هذه المحاولة؟

مشروعي بدأ انطلاقاً من واقع أن الكبار يموتون ويخلفون وراءهم قطعا أحضروها معهم من فلسطين والصغار لا يقدّرون قيمتها، واسرائيل تسرق تراثنا وتنسبه الى نفسها بعدما سرقت الأرض. فقد أيقنت بأن الإندثار والنسيان سيلفان ذلك التراث الوطني بعد سنوات قادمة، فكانت خطوتي رداً على ذلك بجمع ما أمكن من تراث الوطن والاحتفاظ به داخل قاعة متواضعة في مخيم شاتيلا. وكانت بدايتي عندما سألت بالصدفة امرأة مسنة أن تُحضر لي إحدى أغراضها التي أحضرتها معها من فلسطين الى بلد اللجوء، وعرضت عليها مقابلا ماديا فكان جوابها "استحي عحالك فلسطين النا كلنا" وكان ذلك بتاريخ 2004. من بعدها بدأت بسؤال العائلة والأصدقاء إن كانوا قد احتفظوا بقطع مشابهة، حتى انتشر الخبر وبدأت المبادرات الفردية تنهال علي، وكنت ألاحق كل قطعة أسمع بوجودها عند أحدهم. حتى أني سافرت الى سوريا لإحضار بعضها. وخلال 4 شهور افتتحت المعرض.

أسميت المعرض متحف الذكريات وكتبت على بابه لكل قطعة قصة ومن كل زاوية غصة حبذا لو تحدثنا عن التسمية؟

لقد تنوعت محتويات المتحف ولكل قطعة حكاية تروي طريقة جلبها اليه، منها على سبيل المثال تراب من مدينة الخالصة وكذلك قمح من القدس أحضرها لي بعض أقربائي أثناء زيارة لهم لأرض الوطن، ومفتاح منزل الزعيم كامل حسين في فلسطين الذي أهدي للمتحف على اعتبار أنه المكان الذي يجب أن ينتمي اليه.

وأيضاً هنالك حفيد الحاج المرحوم محمود أحمد أبو حشمة الذي كان يزور باستمرار بيت جده في صغره في مدينة حيفا في جبل رشميا شارع تابور، فجسده بكل تفاصيله التي طبعت في ذاكرته في مجسم وأهداه الى المتحف. وأيضاً مجسم لسفينة العودة من صنع البحار يعقوب اسكندراني سنة 1935 في يافا أهداها ابنه المهندس رفيق اسكندراني لمتحف الذكريات سنة 2005.

ولدي مرآة كان يمتلكها طبيب صديق لي يقيم في مصر وأثناء زيارتي لمنزله سرقت أنظاري إليها، وعندما علمت أنه قد اشتراها من غزة عام 1952 زاد إصراري على ضمها ضمن مجموعتي في المتحف. وتتنوع القصص بتنوع المحتويات فكانت تسمية المتحف بـ "متحف الذكريات لكل قطعة قصة ومن كل زاوية غصة" هي التسمية الأنسب.

ما هي الصعوبات والمعوقات التي واجهتك فيما يتعلق بالمتحف؟

إن القاعة تعاني من الرطوبة وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وضعف إمكانياتي المادية وعدم قدرتي على توفير قاعة أنسب أدى الى تلف العديد من القطع. ولو كان هنالك تمويل لأمكن إيجاد قاعة تتناسب مع ما تحتويه. برغم أني سبق وأن وجّهت 32 رسالة للتنظيمات والمؤسسات الفلسطينية في محاولة مني للحصول على التمويل، ولكن دون جدوى. مما اضطرني الى الاعتماد على ذاتي وضمن إمكانياتي المحدودة خاصة وأني اعتمدت على تعويضي التقاعدي من الاونروا كطبيب، والذي استهلكته في شراء بعض المقتنيات.

إلا أن جل ما أخشاه أن يضيع المتحف من بعدي وأن لا تقدر قيمته. عمري الآن 64 عاماً ولم يعد بمقدوري متابعة أمور المتحف، فهو بحاجة الى قدرات جسدية وذهنية لم تعد تتوافر لدي. والحقيقة أني كنت أتمنى أن يكون لدي ابن أو على الأقل مساعد أمين في المتحف لكي أدربه، ولكني عاجز عن التمويل كما ذكرت سابقا.

هل تعتقد أنك بإنشاء المتحف لعبت دوراً بحفظ التراث؟

كنت أرسم في مخيلتي ديكورا يعطي كل قطعة خصوصيتها وتجهيزات تليق بالقيمة المعنوية للمقتنيات. ولكن أعتبر أني قد ساهمت بقدر ما هو متاح لي بحفظ التراث، ويتجلى هذا الشعور بداخلي عندما يتجول أطفال المخيم داخل المتحف وفضولهم يدفعهم لطرح الاسئلة عن الأدوات الموجودة فيه فأجاوبهم وأفسر لهم استعمالاتها، والتي تعكس مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والزراعية في فلسطين منذ أربعمائة عام. فالقطع الموجودة تعبّر عن الحياة الفلسطينية بكل أشكالها قبل سنة 1948، وهي تنعش الذاكرة الفلسطينية للأجيال القادمة لتبقى ذكرى حيّة في قلوبهم ونفوسهم، ليتعلقوا بالوطن أكثر، ويعلّموا بدورهم أولادهم حب الوطن. ومن جهة أخرى، ليتعرف العالم إلى أن فلسطين كانت وطناً فيه حضارة وثقافة، لا كما تدعي الدعايات الإسرائيلية أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب.

وقد زار المتحف صحفي من اليابان. وعرضت قناة الجزيرة فيلماً وثائقياً عنه وكتبت عنه جريدتي النهار والسفير.