تحقيق: وليد درباس

خاص/ مجلة القدس، واكب إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عملية نهوض وطني عام شارك فيه أبناء الشعب الفلسطيني ودونما استثناء، وتجلى بشتى مناحي الحياة التربوية والمجتمعية ليطال الحالة البنيوية المؤسساتية بتصنيفاتها المختلفة وحتى العسكرية منها، ما يعني أنه كان لكل منهم دوره وأعطى وفقاَ لموقعه وتخصصه، ولـذا وإن تعددت الأشكال وأساليب العطاء فالجميع صوب بوصلته بإتجاه التمسك بالهوية الوطنية وبحـق العودة وتقرير المصير. وفي سبيل الحرية والإستقلال الوطني سقـط الآلاف من الفلسطينيين شهداء وجرحى في معارك المواجهة مع العـدو الاسرائيلي كما ووقع المئات منهم أسرى بالسجون الاسرائيلية. وبفعلها بات للفلسطينيين هوية وقضية وإعتراف من الشرعة الدولية.

لقـد وقفت الفلسطينيات إلى جانب الرجال في شتى ميادين الكفاح وواكبن المسيرة وكن شركاء بدرب الكفاح، ولهن حكايا وقضايا عديدة، لم تمنعهن من البذل والعطاء.

 

زهرة ربيـع عضو إقليم فتح بلبنان، ومسؤولة مكتب المرأة الحركي، وعضو المجلس الاداري للإتحاد العام للمرأة الفلسطينية، رأت برمزية يوم المرأة العالمي "يوما للنضال  لا للإحتفال"، واصفة المرأة الفلسطينية ب"الركـن الأساسي للعائلة". واعتبرت أن المظلومية التي تعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني بسبب اغتصاب العدو الإسرائيلي لأرضه وملاحقته حتى بعد نكبة العام 1948 بالإعتداءات المستمرة وخاصة في مخيمات لبنان، والتي وصلت حـد قيامه بالإجتياحات كما حصل العام 1978 والعام 1982. إضافة لمعاناة واقـع اللجوء في لبنان، جعل الفلسطينيات برأيها "يدفعن فاتورة هذه الإستحقاقات أضعافا مضاعفة، فاعتبرت التمسك بحـق العودة والحفاظ على الذاكرة والهوية الوطنية الفلسطينية، والمشاركة في مواجهة السياسات العدوانية الإسرائيلية، مهاما أساسية تتقدم على غيرها من مهام". وأكملت "كثيرا ما وقفت الفلسطينيات لجانب الوحدة الوطنية، وتظاهرن بوجه كافة أشكال التطاول على المخيمات، ونددن حتى بحالات الإحتراب والإنقسام الفلسطيني، وتجاوز دورهن حد مساندة مقاتلي الثورة الفلسطينية بأعمال الإغاثة وإسعاف الجرحى وعيادتهم بالمشافي، والمساهمة بأوقات معينة بإخفاء السلاح ونقله، وإيصال الطعام وربما الحلويات للمقاتلين بالمواقع سيما الذين تركوا أهاليهم بأرض الوطن". واستطردت "وصلت المساندة حـد الإنتساب للفصائل الفلسطينية، فعملن بالتنظيم وأحيانا بالمواقع العسكرية، وبعضهن نفذن عمليات قتالية ضد جنود مواقع الإحتلال، وسقطن شهيدات وجريحات وأعتقلن وأسرت العديدات، وبالسياق الأخير حيت صمود الأسيرة البطلة هناء الشلبي وكافة الأسرى".

القيادية بحركة فتـح زهـرة ربيـع، تقول"لم يتوقف دور المرأة الفلسطينية عند هذا الحـد، فكثيرا ما اضطرت للعمل خارج البيت بالمؤسسات المجتمعية وحيث توفرت فرصة العمل بهدف حماية عائلتها، وبسبب استشهاد معيل أسرتها أو تعرضه للاعتقال أو الإعاقة أيضاَ"، مؤكـدة على "أن الفلسطينيات هـن الأقل فرصة بالمجتمع الفلسطيني، وذلك بسبب الموروثات والتقاليد، ولغلبة السمة الذكورية في المجتمع، وبأحسن حال يُدفعْ بالمرأة لتعمل فقـط بالمجالات الإجتماعية، وحتى المنضويات بأطر الفصائل الفلسطينية ليسوا بمنأى عن ذلك، ولا ترتقي مواقف الإشادة بتضحياتهن حد الإعتراف بحقوقهن بنيلهن إستحقاقاتهن بالرتبة والراتب أسوة بأقرانهن من الرجال". وبهذا السياق "تحمل المسؤولية لقيادة المنظمة بكافة فصائلها، وتدعو لتشكيل لجنة تسوية أوضاعهن شريطة أن تكون غالبية أعضائها من النساء ذوي الإطلاع والمعرفة بهذا الشأن"، وتختم بالقول "دَفعتْ المرأة بفعل كفاحها وتضحياتها لسن نظام الكوتا النسائية، فوصلت لمراتب قيادية بالفصائل، منظمة التحرير، السلطة الوطنية بما فيها المجلس التشريعي، الحكومة، فمثلاَ بات لها خمسة وزيرات، عضوة باللجنة التنفيذية، ترأست العديد من المحافظات والبلديات، تمثلت بهيئة سوق المال، ترأست أحد المؤسسات الحكومية غير الوزارية، ومع ذلك لازالت دون المشاركة بمواقـع صناعة القرار السياسي".

 

أما عليا قاسـم خريجة جامعة الصداقة بموسكـو والحاصلة على ماجيستر صحافة دولية، فقد شكلت جنسيتها الفلسطينية ذريعة بيد دور الصحافة والتلفزيون في لبنان للحيلولة دون توظيفها، فارتضت لنفسها أن تعود مجدداَ لعملها التربوي بروضة هدى شعلان، فقبل دراستها الجامعية عملت بها طيلة خمس سنوات، سيما وأن ذلك سيوفر لها بحسب قولها وقتاَ لرعاية أبنائها وتلبية حاجاتهم الدراسية وخاصة باللغة العربية، وأيضاَ لإدارة الشؤون العائلية لأسرتها. وأردفت أن الثماني سنوات التي أمضتها في العمل بالروضة أكسبتها خبرة وجدارة أهلتها للعمل طيلة خمس سنوات أخرى بمركز الإستماع التابع أيضا للإتحاد العام للمرأة الفلسطينية.

واليوم باتت عليا قاسـم "مديرة مؤسسة نبيلة برير الاجتماعية التربويـة"، وتتابع مع زميلاتها بالمؤسسة ذات الأجندة المجتمعية التي سبق وعرفتها عن كثب مع تركيز أكثر من ذي قبل على الشـق التربوي، وأخبرت بهذا الصدد أن "تربيـة الأبناء تتوقف على معاملة الأمهات وما يتمعن به من نضج، فالأمهات على عكس الآباء يقضين معظم أوقاتهن في البيت وهم بتماس مباشـر مع الأبناء... وهي التي تستطيع مراقبة تصرفاتهم وتوجيههم بشكل سليم"، مضيفة "لم يعـد دور النساء مقتصراَ بحدود تكوين الأسرة والعائلة والبيت، بل بات مطلوباَ منها العمل خارج البيت حتى وإن لم تكن هناك حاجة لكسب المال بالدرجة الأولى". وتؤكـد أن "المرأة نصف المجتمع وعليها أن تتحمل مسؤولياتها وأن توظف ما لديها من قدرات وكفاءة لخدمة العملية التنموية المجتمعية الوطنية". وتردّ كثافة الحضور النسوي في مؤسسات المجتمع المدني، لتمايز قدرات الفلسطينيات ولباعهن الطويل وهمتهن العالية بالتواصل والتعاطي مع كافة شرائح المجتمع في المخيمات ومن كلا الجنسين بما فيه تقديم التدريبات ذات الصلة بالمهارات الحياتية كورش العمل التوعوية والتربوية والاجتماعية والنفسية والصحية، ودروس التقوية، وغيرها من المهارات".

وعلى الرغم من تنامي الحضور النسوي لا زالت المرأة الفلسطينية تعاني الحصار القسري، وإن بحكم الموروثات أو ما تبقى من العادات والتقاليد المجتمعية وفقا لما تراه قاسم، وتجليات هذا الحصار برأيها "حصر دور المرأة بشكل أساسي بحدود مهام التربية والتعليم والتمريض والخياطة والتزيين والطباعـة والمحاسبة والعمل الإداري والمؤسساتي، ووضع العراقيل للحيلولة دون وصولوها للمواقع السياسية ذات الصلة بصناعة القرار، ما دفع بمؤسسات المجتمع الأهلي وخاصة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية لتضمين أجندته تنظيم دورات وورش عمل خاصة بتمكين المرأة إجتماعياَ وسياسياَ.

 

نساء رائـدات، شكّلت العائلة وتعليم الأبناء للفلسطينية جميلة أبو علي هاجساَ لها ولزوجها، لـذا شاركته بالملمات قبل المسرات ووصلت حد أن ساعدته بمهنة كبس حجارة الباطون بأحد معامل الغازية وكانت تنظمها بالصفوف، وخف حملها إثر حصولها على ترخيص ذوي الشأن باستخدام ما تبقى من أنقاض أحد المقرات الصحية التي قصفها طيران العدو الإسرائيلي آنذاك بعين الحلوة، وأيضا بسبب معاونة ابنتها بالبيت كلما أنهت واجباتها الدراسية. وتقول جميلة "بعد الترخيص تمكنا من بناء دكان صغير لبيع اللبن والمرطبات وحاجيات الأطفال، وصارت شغلنا الشاغل، بسبب السعي لتأمين قـوت أولادنا... واستطعت توزيع جهدي ووقتي بين مهام البيت والاعتناء بالأولاد والعمل في الدكان".

 

 أم حسـام من حملة الشهادة الثانوية وظروفها حالت دون إكمال دراستها، لطالما ساعدت أبناءها بدروسهم، وقامت بإنجاز دورة محو أمية مع اليونسيف لمدة ستة أشهر، الأمر الذي ساعدها للعمل بأجـر عبر برامج المؤسسات الدولية المانحة.

وها هم أولادها الستة اليوم باتوا بمراحل علمية جيدة ومتقدمة فلديها من أنهى علومه الجامعية ومن هو بمرحلة الماجستير، وآخرون حصلوا على الثانوية العامة، وبالتالي أصبح وقتها يسمح لها أن تعمل وتشارك بأجندة مؤسسات المجتمع الأهلي. أما بخصوص عمل المرأة، فتعرب جميلة عن تشجيعها لهذا الأمر لما فيه تأثير ايجابي على المرأة إذ تنفتـح على المجتمع وتصبح لديها الجرأة والقدرة والشجاعة على المناقشة والمواجهة، فبعض النساء لا يمتلكن الجرأة لمناقشة أزواجهن، مشددة على ضرورة أن توازن المرأة ما بين عملها خارج البيت وداخله.

 

الفلسطينية أم صابـر، تزوجت بأحد مناضلي الثورة الفلسطينية من ذوي الفئات الخاصة أو ما يطلق عليهم "N R"، واستشهد جراء قصف طيران العدو الإسرائيلي تاركا بعهدتها عائلة مكونة من خمسة أفراد، وحبها لأبنائها ووفائها لزوجها ألهماها العزيمة والقوة لمواجهة الحياة، وكافحت أيما كفاح، مستذكرة "بدأت أعمل بحياكة الكنفة التراثية، كنت مضطرة للعمل ساعات طويلة لإنجاز كمية معقولة والحصول على مبلغ مادي مقابل كل قطعة انجزها". هكذا رافقتها هذه الحرفة كمصدر رزق لتشتري بعد فترة ماكينة للخياطة مكّنتها من كسب زبائن هم بالمقام الأول من المعاف والأقارب. ولا تنسى طبعا ذكر من أعانها "اللـه ما بقطع حدا... ولاد الحلال كتار أمنوا بطاقة للعلاج والمعاينة الصحية بأحد مستوصفات مدينة صيدا مجانا، وبين الحين والآخر كانوا يساعدوني بتأمين لوازم دراسية".

 

أم صابر صبرت ونالت أولا وبعد دعاوي وطلبات عدة للجهات المعنية بلبنان منح كافة أفراد عائلتها إثبات قيد وحملوا بطاقة تعريف شخصية كسواهم من لاجئي العام 1948، ما مكنهم إثر انتهاء دراساتهم بالجامعة والمعاهد الجامعية من العمل بشكل طبيعي، حتى ان  بعضهم يعمل بالتعليم بوكالة الاونروا.

 

المعلمـة فـوزيـة بشيـر، أمضت عقدين من الزمن بمهنة التعليم، بكل من مدرستي أبناء شهداء فلسطين في سوق الغرب، ومدرسة أبناء شهداء فلسطين بعدرا السورية، وبمدراس الأونروا "مياومي"، وحـط بها الحال أخيرا لتعمل منذ العام 2002 ببرنامج "محو الأمية" برعاية الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، خاصة وانها اجتازت عدة دورات بمهارة محوالأمية ببرنامج الشبكة العربية للتربية الشعبية برئاسـة الدكتور زاهي عازار. أما اختيارها لمهنة التعليم فكان بهدف مساندة أهلها، لكنه وفقا لقولها "بات بمرتبة الإلتزام واستحقاق يمليه الوفاء للشهداء، فهو بمدارس أبناء الشهداء مصدر فخر وارتياح". وترى بشير أن برنامج محو الأمية "فرصة لإنقاذ الفلسطينيين والفلسطينيات سواء متسربين أو أميين، من جهل الأمية"، مضيفة "البرنامج دوريـ سنوي، ولحينه نجحنا بإعادة تأهيل ما يزيد عن مئة منتسب جرى دمجهم بيسر وباتوا الآن يزاولون العمل المجتمعي والمهني.. والفلسطينية قمر عثمان، إحدى خريجات البرنامج، وحصولها على المرتبة الأولى بأسبوع القراءة على مستوى لبنان بالأونيسكو العام الماضي، دلالة أكيدة على صحة نهجنا وتعاون المتدربين أيضاَ".