خاص مجلة "القدس" العدد 340 اب 2017
حوار: منال خميس


منذ أن أصدرَ الرئيس محمود عبّاس قرارَه بضرورة العمل على عقدِ جلسة المجلس الوطني الفلسطيني في أسرع وقت ممكن، والأسئلة  الكثيرة تُثار حول دواعي انعقاده وتفاصيلها، ومكانه، والهدف منه، ومخرجاته المحتمَلة، خصوصًا أنَّ آخر جلساته كانت عام 1996، أي قبل عقدَين من الزمن. وللإحاطة بإجابات هذه التساؤلات، والإطلاع على التحضيرات والحوارات الجارية على قدم وساق لإنجاح عقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني، التقت مجلة "القدس" المحلِّل السياسي، المستشار بالمجلس الوطني سابقاً، د.نايف جراد.
ما هي أهميّة عقد المجلس الوطني في الظروف الراهنة؟
برأيي أنَّ الظروف الراهنة والمخاطر والتهديدات المحيطة بشعبنا الفلسطيني وبالمشروع الوطني تضعنا على مفترَق طرق، وتطرح أسئلةً كثيرةً حول البرنامج الوطني، والاستراتيجية الوطنية، والوحدة الوطنية، وأشكال الكفاح، والوسائل الملائمة للمرحلة القادمة، القادرة على تحقيق الأهداف والغايات، وهي مسائل جوهرية ومصيرية، ولا تستطيع أي مؤسّسة أو هيئة فلسطينية أخرى منفردة، غير المجلس الوطني الفلسطيني، أن تأخذ على عاتقها القيام بهذه المهمة منفردة، خاصّةً في ظل الانقسام والخلاف وتآكل الشرعيات. فمنظمة التحرير الفلسطينية، ورغم كلِّ الملاحظات المثارة حولها، من ترهل وشيخوخة، ورغم محاولات البعض المساس بصفتها التمثيلية، إلا أنَّها ما زالت تحظى باعتراف وطني وإقليمي ودولي بها كممثِّل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتنضوي في صفوفها وقيادتها معظم فصائل وقوى العمل الوطني، باستثناء "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وباعتراف الجميع تُمثِّل المنظمة، رغم تنكُّر حماس لها، المرجعية الوطنية العُليا، السياسية والقانونية، للسلطة الوطنية الفلسطينية، التي تُقرِّر كلَّ ما يتعلَّق بالمسائل المصيرية والاستراتيجية للشعب الفلسطيني. وعمومًا فإنَّ المجلس الوطني الفلسطيني، وحسب نص المادة 7-أ من النظام الأساسي للمنظمة: "هو السلطة العليا لـ"م.ت.ف"، وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها".
وبالتالي، ضرورة عقد المجلس الوطني تعود لعدة أسباب على رأسها: انسداد آفاق العملية السياسية ووصولها إلى مأزق خطير، نتيجةَ السياسة الإسرائيلية التي تُدمِّر خيار الدولتين، من خلال تكثيف الاستيطان، وتهويد وعزل القدس، وفرض سيادة الاحتلال على الأقصى المبارك، وحصار وعزل غزة وفرض الوقائع الاحتلالية على الأرض التي تُكرِّس نظام الفصل العنصري، ونتيجةً لانحياز الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب لإسرائيل. سبب آخر هو تمادي حركة "حماس" في تكريس سيطرتها على قطاع غزة وتشكيلها للجنة الإدارية، وعقد تفاهمات بين قيادتها ودحلان لإدارة القطاع، الأمر الذي يُكرِّس الانقسام، ويمهد لانفصال غزة كليًّا، ويُوفِّر أرضية مناسبة لنفاذ المشاريع البديلة للدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران العام 1967، ويمكِّن "إسرائيل" من الاستفراد بالقدس والضفة الغربية، في ظل الوضع  الداخلي الصعب والوضع العربي المتردي.
إضافةً إلى ذلك، تبرز ضرورة تجديد شرعية المؤسّسات والهيئات المركزية الفلسطينية، واستنهاض دورها، لئلا تترك فراغًا تستثمره القوى الأخرى للمساس بالشرعية الوطنية ووحدة التمثيل الوطني، وحتى لا يبقى هذا التجديد رهينة بيد "حماس"، ومفاعيل الانقسام، والمستفيدين منه. كذلك ضرورة استثمار عناصر القوة الفلسطينية المتوفّرة لدى مكونات شعبنا كافةً في الداخل والخارج، وعلى الصعيدَين الرسمي والشعبي، والتي تُشكِّل عامل ضغط لصالح القيادة الفلسطينية.
نحن الآن أمام مُنعطَف تاريخي خطير، ودخلنا مرحلة فلسطينية نوعية جديدة، وعليه يجب أن تتصدّى القوى السياسية والقيادة الفلسطينية للتحديات والتهديدات التي تواجه الشعب الفلسطيني، وأن تُحدِّد الاستراتيجية السياسية المطلوبة بالفترة القادمة.
برأيكم هل مخرجات هذه الدورة للمجلس، بشخوصها وبتركيبتها الحالية، يمكن أن تلبي الحاجة الفلسطينية؟ وهل سيكونون قادرين على حمل العبء، لتقديمهم للساحة الدولية كممثِّلين للنظام السياسي الفلسطيني؟
يعتمد ذلك على التركيبة المقصودة. فبالنسبة للتركيبة الحالية القديمة للمجلس، برأيي ينقصها نوعٌ من التجديد، مع الأخذ بالاعتبار وجود شواغر ربما إذا ما شُغِلَت، وخاصّةً المتوفين من ممثِّلي التنظيمات الشعبية، والمستقلين وهؤلاء يبلغون نحو 93 شخصًا، فيمكن عندها إنصاف قطاعات المرأة والشباب نسبيًّا كجزء من الدماء الجديدة مثلاً. وأيضًا يمكن إضافة تجديد آخر، إذ حسب النظام المتَّبَع، من حقِّ التنظيمات الفلسطينية والمنظمات الشعبية والمؤسسات الأخرى الممثَّلة بالمجلس الوطني استبدالُ أعضائها بآخرين جدد، فإذا ما جرى ذلك يمكن على الأقل أن نضمن بالحد الأدنى تركيبة معقولة لاتخاذ قرارات مصيرية. أمَّا بالنسبة لحمل القضية الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة العربية والدولية والصعبة التي نعيشها كشعب فلسطيني، فالأمر يحتاج إلى مجلس وطني جديد، أي مجلس تُشارك فيه كل القوى السياسية الفلسطينية، بما فيها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، بحيثُ نذهب إلى مجلس يُمثِّل الجميع في الساحة الفلسطينية، وعليه فالقرارات التي تُتَّخَذ تكون قرارات الإجماع الفلسطيني، والتي تتحمّل مسؤوليتها لاحقًا جميع القوى والفصائل الفاعلة.
أمام إصرار بعض الفصائل على عقدِ انتخابات قبل بدء الدورة، هل من الممكن الشروع باتجاه ذلك في ظلِّ رفض الكثير من الدول المستضيفة للفلسطينيين إجراءها على أرضها؟
للعِلم فقط، الأصل في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني هي الانتخاب، وذلك حسب نظام المجلس الوطني الفلسطيني الذي أُقرَّ في الدورة الثانية للمجلس عام 1965، ولكنَّ معلوماتي تقول إنَّ هناك مشروعًا جديدًا لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني شاركت بها كل القوى الفلسطينية بما فيها "حماس"، وكانت هناك لجنة خاصّة بإعادة الانتخابات للمجلس الوطني، أو لوضع إطار جديد للانتخابات، ولكن لم يجرِ الاتفاق نهائيًّا على كلِّ المسائل وخاصّةً موضوع عضوية أعضاء المجلس التشريعي في المجلس الوطني، وكيفية إجراء التعيينات، إذا لم تكن هناك إمكانية لإجراء انتخابات في المجلس. وأعتقدُ أنَّ مسألة إجراء الانتخابات مُسبقًا هي بجزءٍ منها بأيدينا، بمعنى أنَّه يمكننا إجراؤها في بعض الساحات، ولكن بلا شك ستعترضها معيقات كبيرة جدًا، فالإسرائيليون سيضعون العقبات أمام هذه العملية، وتاريخيًّا أيضاً الأقطار العربية تمانع إجراء الانتخابات على أرضها، فمثلاً هناك إشكالية فيما يتعلَّق بالأردن التي يوجد فيها عددٌ كبير من الفلسطينيين، ومناطق الشتات الأخرى فيها تجمُّعات صغيرة يمكن أن نُجري فيها شكلاً من أشكال الانتخابات، ولكن برأيي من دون موافقة جميع الفصائل على الذهاب إلى انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، لن تتمَّ الانتخابات.
في ظلِّ كلِّ ما تقدَّم هل يمكن الذهاب إلى المجلس الوطني، والشعبية ترفض، و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" خارجه؟
الجبهة الشعبية تقول إنَّها تعترض على المكان، وبالتالي موضوع المكان يمكن إيجاد مخرج له عن طريق توفير أكثر من حلقة للانتخاب، كأن تكون واحدة في رام الله، وأخرى في الأردن، وغيرها في لبنان، وهكذا، ونستخدم فيها تقنية "الفيديو كونفرنس"، وفي هذه الحالة يمكننا تجاوز مشكلة المكان. ولكن بتقديري، المسألة بالنسبة للشعبية تتعلَّق بالجانب السياسي أكثر من جانب المكان أو غيره، لذا فإن ضمنت من خلال أعمال اللجنة التحضيرية ولجنة البرنامج التي تشكَّلت بعض الأمور في الحدود الدنيا للبرنامج السياسي، فأعتقدُ أنَّها ستشارك.
أمَّا بالنسبة لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، فهناك إشكالية متعلِّقة أصلاً بالموقف من "م.ت.ف" وبالمجلس الوطني الفلسطيني، وإلى أن تقتنع "حماس" بضرورة الانخراط بـ"م.ت.ف"، يمكننا الحديث عن مجلس وطني جديد. ولكن في الوقت ذاته، لا يجب أن تُترَك الأمور للفراغ أو المجهول، فهناك سلطة تشريعية عُليا تُمثِّل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهي حتى الآن معترَف بها كجسم برلماني يُمثِّل الفلسطينيين في كلِّ المحافل والتجمُّعات البرلمانية في العالم، وله عضوية كاملة في الاتحاد البرلماني الدولي، لذا يجب عليه أن يتصدَّى للمرحلة السياسية الخطيرة التي نمرُّ بها، وأن يجيب أيضًا على الأسئلة الكثيرة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، وعمومًا مهما كان شكل المجلس الوطني وتركيبته وعضويته، حتى وإن كانت لنا ملاحظات على كبر سن الأعضاء، وترهل عمله، وأمور كثيرة جدًا، لكنَّه يبقى جسمًا تشريعيًّا يُمثِّل سلطة عُليا لها صلاحيات التقرير في القضايا المصيرية الفلسطينية. وبالتالي يجب عليه التصدي للإجابة عن الأسئلة في المرحلة المطروحة، واتخاذ قراراتٍ لتفعيل "م.ت.ف"، فهناك حاجة ماسة لإعادة الاعتبار لها لإحياء هيئاتها وفعالياتها في مختلف الساحات، ونحن بحاجة إلى تفعيل كلِّ مؤسسات المنظمة حتى لا تترك فراغًا تملؤه قوى أخرى تترصَّد بالشعب الفلسطيني.
إذًا لم توافق "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وآخرون، على الحضور هل سيتم عقده بمَن حضر؟
من الخطأ أن يُعقَد بـ"من حضر"، وهذه وجهة نظر البعض الذي  يحاول عقد المجلس كيفما كان، وقد جرت محاولة سابقة العام الماضي لعقده بمَن حضر، ولكنَّها لم تنجح. لذا الآن الحديث عن دعوة لدورة عادية للمجلس الوطني وليست بمَن حضر، بمَن حضر هي دعوة استثنائية، لذا المطلوب دورة عادية بموافقة جميع المنظمات المنضوية في إطار "م.ت.ف".
برأيكم إذا انعقد المجلس هل يستطيع في دورته هذه تغيير البرنامج أو اتخاذ قرارات سياسية تتعلّق بالصراع مع الاحتلال، كحلِّ السلطة مثلاً؟
كلُّ شيء مطروحٌ على بساط البحث. السلطة الوطنية الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود مع الاحتلال الإسرائيلي، وهناك وقف للاتصالات والتنسيق الأمني، وفي حديث سابق للرئيس محمود عبّاس في الأُمَم المتحدة العام الماضي قال إنَّ السلطة الفلسطينية ستُعيد النظر بالتزاماتها المترتِّبة عن الاتفاقيات ما دامت "إسرائيل" لا تلتزم بما اتُّفِقَ عليه، وبالتالي هناك أفكار كثيرة مطروحة حول حلِّ السلطة، أو عدم حلِّها، وحول اتّخاذ قراراتٍ متعلّقة بمهام السلطة، أي ما قبل المجلس الوطني باتجاه تحميل اللجنة التنفيذية بعض المهام على هذا الصعيد، وجعل السلطة فقط بجانب إداري، وهناك حديث عن أشكال النضال المختلفة، وكيفية تكاملها، والتوفيق فيما بينها، بعيدًا عن الأقوال، وعلينا البحث عن حلول واقعية للأزمة التي نعيشها من دون الذهاب إلى مواقف عصبوية واتجاهات متطرِّفة.
برأيكم ما هي المعيقات والتحديات التي قد تقف عثرةً في وجه انعقاد جلسات المجلس الوطني؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
هناك عدة معيقات. أولها العضوية، فثمّة حاجة لتجديد العضوية، والامتثال لسُنّة الحياة وتدافع الأجيال، ثُمَّ رفض حركة "حماس"، التي اشترطت سابقًا، وما زالت تشترط، نسبةً من عضوية المجلس تعادل نسبة نجاحها في انتخابات التشريعي عام 2006، وبالطبع فإنَّ هذا شرطٌ مرفوض من قِبَل حركة "فتح" أكبر قوة في المجلس الوطني، والممسِكة بقيادة المنظمة، كما أنَّ فصائل فلسطينية غير "فتح" ترفضه بدورها.
وتكمن العقبة الثانية، في مكان الانعقاد. فالبعض يرفض أن يحضره في رام الله، لأنّه "تحت حراب الاحتلال" كما يقول. أما العقبة الأكبر فهي في التوافق على برنامج المرحلة القادمة، والقرارات المصيرية السياسية والتنظيمية، التي يفترض أن يتصدَّى المجلس لصياغتها. ولا شكَّ بأن هذه العقبة لا يمكن تخطيها إلا بحوار وإعداد مُسبَق من قِبَل اللجنة التنفيذية، ورئاسة المجلس، وممثّلي الفصائل المنضوية في إطار المنظمة. ويذكر رئيس المجلس السيد سليم الزعنون، أنَّه قد تمَّ سابقًا تشكيل لجنة فرعية لإعداد مشروع البرنامج السياسي، وعليه يُمكن تفعيل هذه اللجنة.
إضافةً إلى ذلك هناك الضغوطات الخارجية على القيادة الفلسطينية، وخاصّة من الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الأقطاب الإقليمية، وثمَّة عقبات أخرى تُلقي بظلالها على عقد المجلس تتمثَّل بسيطرة الخلافات الشخصية بشأن المناصب والتمثيل في المؤسسات والهيئات التي سينتخبها المجلس، أي هيئة مكتب رئاسته واللجنة التنفيذية. وهذا أمرٌ يعود حسمه أساسًا لحركة "فتح"، كونها القوة الأكبر في المجلس والمنظمة، ويمكن التغلُّب عليه باتخاذ قرارات حاسمة تتوخّى اختيار أشخاص مناسبين ومقبولين على نطاق حركي ووطني وشعبي واسع، يستطيعون القيام بالمهام الموكَلة إليهم في قيادة دفة العمل التشريعي والتنفيذي بجدارة في الفترة القادمة. ولكنني أختم الحديث بأن استحقاقات عقد المجلس أصبحت ضرورةً وطنية مُلحّة يتحمَّل الجميع في الساحة الفلسطينية مسؤولية العمل على إنجاحها،  وعلى حركة "حماس" أن تتجاوب مع دعوات الحوار، وإنهاء الانقسام، وإنجاز المصالحة لتفويت الفرصة على أعداء شعبنا، وبالتالي المشاركة في مجلس وطني جديد، أو القبول بعقد دورة عادية للمجلس تُقرَّر بمشاركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وبالذهاب إلى انتخابات للمجلس الوطني وتجديد كلِّ الشرعيات.