بحجة المشاركة في عمليات بحث عن مفقود، وقعت قريتا المغير وأبو فلاح شمال شرق رام الله ضحيتان لهجوم دامٍ انخرط به مئات المستعمرين، وأسفر عن استشهاد شاب وإصابة نحو 30 آخرين.

وبحسب ما نقل عن وسائل إعلام عبرية، فإن مستعمرًا خرج صباحاً ليرعى مواشي في محيط مستعمرة "ملاخي هشالوم"، فعدن إلى زريبتهن دونه.

والمستعمرة أقيمت على أراضٍ فلسطينية خاصة شمال شرق رام الله  كـ"بؤرة رعوية غير قانونية" وفقاً لتعريف الاحتلال،  ثم منحتها الحكومة الإسرائيلية صفة "الشرعية" في شباط/ فبراير 2023، إلى جانب 8 بؤر أخرى أنشأت على أراضي الضفة الغربية.

فوجئ أهالي المغير ظهرًا، بعشرات المركبات تسد الأفق من جهة خربة جبعيت الكائنة شمال شرق المغير، وبعد دقائق ترجل منها المستعمرون المسلحون في سهل المغير الشرقي، وراحوا يتقدمون نحو البيوت الكائنة عند أطراف القرية، تزامناً مع قيام جيش الاحتلال بإغلاق مداخلها ومنع حركة الناس والمركبات منها أو إليها.

صدحت في أجواء المغير نداءات عبر مكبرات صوت المساجد تدعو الأهالي والجيران إلى النفير والتصدي لهجوم المستعمرين الذي وصفه من شهد على أمثاله في السابق بأنه الأكثر دموية منذ سنوات.

هب العشرات استجابة للنداء وانطلقوا نحو البيوت الأقرب على طريق "ألون" الاستيطاني، الذي مثل نقطة اقتحام المستعمرين للمغير، وكان بينهم الشاب جهاد عفيف أبو عليا (25 عاماً) الذي اعتلى سطح منزل أحد أقربائه، فوقع ضحية رصاصة صوبها مستعمر فأصابت رأسه وارتقى إثرها شهيداً.

يقول عبد اللطيف أبو عليا، إن قريبه الشهيد وصل قبل نحو ربع ساعة ليقف وعشرات من أهالي البلدة في وجه هجوم المستعمرين للمنزل، الذي يعد الأقرب على الطريق الاستيطاني.

المشاهد التي التقطت من ذلك الموقع وبُثّ بعضها بشكل مباشر على حساباتٍ في منصات التواصل الاجتماعي، كشفت كيف كان من هم على السطح يحتمون بجدرانه القصيرة من نيران المستعمرين، ومحاولتهم أحياناً صد هجومهم بما يتوفر من حجارة، وترديدهم الشهادتين توالياً استشعاراً منهم لخطورة الموقف.

ويصف عبد اللطيف أبو عليا، عدد المستعمرين الذين هاجموا منزله عصراً بأنه غير معهود، مقارنة بهجمات تعرض لها في السابق، ويروي أنهم قاموا بتطويق المنزل من كافة الجهات وحاولوا اقتحامه على من فيه، وراحوا يطلقون النار صوب أي جسم متحرك خلف النوافذ، ويضرمون النيران في كل ما هو قابل للاشتعال.

وإثر ذلك كما تابع أبو عليا، فإن من في المنزل انتقلوا للطابق العلوي للنجاة بأنفسهم، فراح المستعمرون يطلقون النار على من يلمحون رأسه على سطح المنزل، فارتقى قريبه الشهيد جهاد برصاصة في الرأس وأصيب ابنه وشقيقه في رأسيهما.

ويؤكد أن البحث عن "مفقود" لا يبرر ما قام به المستعمرون في منزله، إنما هي ذريعة لتبرير الهجمة، ويتسائل هل يعقل أننا نخفيه في بيتنا؟ ولماذا لم يباشر جيش الاحتلال في أعمال البحث واكتفى بالوقوف متفرجاً على ما يحدث؟

وعلى مدار العام الماضي، نفذ المستعمرون عشرات الهجمات في بلدة حوارة جنوب نابلس، كان أكبرها في شباط عام 2023 حينما نفذ المستعمرون هجومًا واسعًا على البلدة، ما أدى لاستشهاد الشاب سامح أقطش وإصابة نحو 100 مواطن بجروح، وإحراق ما لا يقل عن أربعة منازل وتحطيم غيرها إلى جانب إحراق عشرات المركبات ومشاطب السيارات.

وفي حزيران الماضي، شهدت بلدة ترمسعيا المجاورة للمغير وأبو فلاح، فعلى مدار ثلاث ساعات، تحولت البلدة إلى كتلة من اللهب والدخان، بعد أن أحرق المستعمرون عشرات المنازل بينما كان أهلها -خاصة النساء والأطفال وكبار السن- بداخلها، وعشرات المركبات والممتلكات، قبل أن يطلقوا الرصاص صوب صدور المواطنين العارية، التي حاولت التصدي لهم، ما أسفر عن استشهاد الشاب عمر هشام عبد الله جبارة (أبو القطين) 25 عامًا، وإصابة العشرات.

وأعلنت وزارة الصحة استشهاد مواطن، وإصابة 25 آخرين بالرصاص الحي، في هجوم المستعمرين المسلحين الواسع على بلدة المغير، بحماية جيش الاحتلال.

وقال نائب رئيس مجلس قروي المغير مرزوق أبو نعيم، إن ما لا يقل عن 1500 مستعمر بحماية جيش الاحتلال، أحرقوا أكثر من 40 منزلاً ومركبة خلال الهجوم.

وأصيب مواطن بكسور، عقب اعتداء مستعمرين مسلحين على قرية أبو فلاح، شمال شرق رام الله، في وقت أحرقوا فيه 12 مركبة على الأقل، و4 دفيئات زراعية و5 دراجات نارية.

كما هاجم عشرات المستعمرين منازل مواطنين في الجهة الغربية من بلدة دوما، جنوب نابلس.

ووفقاً لإحصائيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن المستعمرين ارتكبوا نحو 550 اعتداء على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم منذ بداية العام 2024، ارتقى فيها 3 شهداء.

وتضمنت الاعتداءات، إطلاق النار، وتهجير مجموعة من العائلات الفلسطينية، ومهاجمة البلدات والقرى، واقتلاع وحرق الأشجار، والرعي في الأراضي الزراعية، وسرقة المواشي والمحاصيل والمعدات.

وبحسب الهيئة فإن التزايد في اعتداءات المستعمرين يتضمن رسالة للشعب الفلسطيني والعالم، مفادها أنهم وبالرغم من الموقف الدولي ومن العقوبات مستمرون في تنفيذ مخططات التهجير القسري وطرد السكان والسيطرة على الأرض.

وفي شباط / فبراير الماضي، أعلنت الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا ونيوزيلندا، عن فرض عقوبات على عدد من المستعمرين المتورطين في هجمات وأعمال عنف ضد مواطنين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

كما أعلنت الإدارة الأميركية الشهر المنصرم فرض عقوبات على 3 مستعمرين وكيانين إسرائيليين، لكونهم "مسؤولين أو متواطئين أو مشاركين في التخطيط أو إصدار الأوامر أو التوجيه بطريقة أخرى في أعمال عنف أو التهديد بالعنف الذي يستهدف المدنيين ويؤثر على الضفة الغربية".

كما أقر وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات على مستعمرين في الضفة الغربية المحتلة ممن يعتدون على الفلسطينيين.