تحقيق:غادة اسعد

لا تزال عائلة أبو خضير تبكي آلام فراق ابنها الشهيد محمد، الذي قُتِل وحُرِق على أيادي ثلاثة مجرمين لا يمتلكون أي ذرة من الرحمة والإنسانية. لقد تغيّرت حياة العائلة ورسمت الجريمة البشعة شكل حياتهم الـمُستقبلية، وقبلَها كان محمد فتىً مدلّلاً في عمر الـ16، يجلس في حضن أمه. صحيح أنّ البِكر في العائلة هو رائد، لكنّ محمد كانَ يُضيف للمكان معنىً آخر وجوًا لطيفًا جامعًا بين أفراد العائلة كما أحاطه أصدقاؤه بكل الحُبِ، حتى جاءَ الثاني من تموز العام 2014، حينَ عُثِر على جثته في أحراش دير ياسين، ليتبيّن أن ثلاثة مجرمين خطفوا وعذّبوا وقتلوا محمد، وسكبوا البنزين في فمه قبل إحراقه.


الاحتلال يُسقِط عقوبة المؤبّد عن القتلَة
أصدرت المحكمة المركزية الاسرائيلية في القدس يوم الخميس 11 كانون الثاني 2016 النطق بالحكم بحق القاصرَين المتهمَين في جريمة قتل الشهيد الفتى أبو خضير، وحول ذلك يوضح محامي العائلة مهنّد جبارة: "أحدهم أُسقِطت عنه عقوبة الحكم المؤبَد، أما المتهم رقم 3، فاكتفت المحكمة المركزية في القدس بإنزال عقوبة السجن لمدة 21 عامًا بحقه، ورأت المركزية أنّ هناك فرقًا بين القاتل الثاني والثالث، مدعيّة أنّ المتهم الأول لم يشترك في الجريمة ومحاولة خطف طفل آخر في شعفاط في الليلة السابقة، بينما اتُهم رقم 2، بالاشتراك أيضًا في جريمة محاولة الخطف، وعليه حُكِم عليه بالسجن المؤبّد مدى الحياة".
ويضيف المحامي مهنّد جبارة: "لقد حرقوا محمد في يومٍ واحد، لكنهم يحرقون قلبَي والديه بشكلٍ يومي، لذا سنُطالب النيابة العامة بتقديم استئناف على الحكم بالنسبة للمتهمين الثلاثة، ولن نرضى بأقل من السجن المؤبَد للمتهم الثالث الـمُجرِم، وللآخرَين بعقابٍ وبسجنٍ مؤبّد لكليهما".

لا يزال الجرح مفتوحًا
تؤكّد سهى أبو خضير، والدة الشهيد محمد، إنّ "الحكم غير عادل"، وتتساءل "ماذا يعني أن تحكم على مجرم أحرق نفْساً بريئة بالسجن 21 عامًا فقط؟! معنى ذلك أنه سيحرق كل أطفال فلسطين حينما ينالُ حرّيته".
أمّا الوالد، حسين أبو خضير، فأشار أنه توقّع منذ البداية تخفيف القضاء الحكم عن قتلة نجله، لافتاً إلى أنّ عائلته كانت تترقّب جلسة النطق بالحكم الذي انتهى به المطاف ليكون "ظالماً"، عادّاً أن "المجرم الإسرائيلي الصغير سيخرج من السجن في النهاية ويكرّر فعلته مجدداً".
وشدّد أبو رائد على أن عائلته ستنتظر الحكم على المتهم الرئيس في قضية حرق نجلها وقتله، والمعروف بيوسف بن دافيد (30 عاما)؛ حيث من المقرّر محاكمته خلال الأيام المقبلة. وأشارَ إلى أنه سيتوجّه إلى "المحكمة العليا" بطلب هدم منازل المتهمين بقتل نجله، وسحب جنسيّاتهم، "تمامًا كما يفعل الاحتلال مع الفلسطينيين"، مضيفاً "في حال لم أنَلْ حق ابني محمد، سأتقدّم لمحكمة الجنايات الدولية لفضح الاحتلال وقضائه أمام العالم كله"، وفق قوله.
وتقول الوالدة: "لا يزال الجرح مفتوحًا، وكأمٍ فقدت ابنها الذي لن يعود إلى الدنيا فإن الأمر صعبٌ جدًا بالنسبة لي، لذا فعندما سمعتُ القاضي يُصدِر حكمًا بـ21 سنة، فقدتُ صوابي، لقد حرموني من ابني، واليوم الذي يلقي حجرًا يُعاقَب بعشرين سنة سجن، لكن في استشهاد ابني وقعت ثلاث جرائم، قتل وخطف وحرق له وهو حيٌ علاوةً على تعذيبه طوال الطريق، وفي النهاية يُحكَم على المجرم فقط بـ21 سنة سجن؟! ليس مِن المنطق أن يصدر مثل هذا الحكم. لقد حرموني من الحياة، لذا أتمنى لهم البقاء في السجن مدى الحياة".

المسار القانونيّ للقضية
حول المسار القانوني الذي تأخذه القضية يقول المحامي جبارة: "نحنُ الآن في المرة الأولى من اتخاذ خطوات بحق هؤلاء المجرمين، لقد انتظرنا الإدانة والنُطق بالحكم، وسوف نتوجّه للمرحلة الثانية بمطالبة المستشار القضائي بهدم بيوت هؤلاء القتلة، فنحنُ نرى أنه لا يجب التفريق بين طريقة معاملة الفلسطينيين وهؤلاء، صحيح أننا نرفض هدم بيوت الفلسطينيين من قِبَل وزارة الدفاع والشرطة الإسرائيلية، ولكن بما أنّ هذه السياسة مُتّبعة ضد الفلسطينيين إذاً على المستشار القضائي للحكومة الإيعاز للسلطات المختصة بهدم بيوت هؤلاء المجرمين، بالإضافة إلى ذلك سوف نتوجّه في الأيام القريبة إلى وزير الداخلية الإسرائيلية للمطالبة بسحب جنسياتهم وهويتهم الإسرائيليّة، فقد ادعى وزير الداخلية أنّ مَن يقوم بعمليات استشهادية من فلسطينيي الـ48، تتم محاسبته بسحب جنسيته، ونحنُ نرى أن هذه العملية الإرهابية تُحتِّم على الحكومة سحب هوية هؤلاء المجرمين".
وفي سؤال للوالدة سهى أبو خضير حول الذكريات التي تحملها عن ابنها، ردت قائلةً: "أنا لا أنسى محمد أصلاً، طفلٌ بريء، أخذوه وهو في السادسة عشرة من عمره وأجرموا بحقه، وأنا لا أزال أراه طفلاً، كان يقضي وقته في حضني، وعندما يصل إلى عتبة البيت يصفّر لي أو يغني، ليُشعرني أنه وصل".

الهروب من تفاصيل الجريمة!
يقول الوالدان: "لم نستطع أن نسمع تفاصيل الجريمة وما فعلوا به، وعندما نزور المكان الذي حُرِق فيه، أو نتابع المحاكم، لا ننام، نفكر كيف تمّ اختطافه، ونتساءل بحسرة عن سبب ارتكاب الجريمة ونتمنى أن يكون بيننا، ونلوم أنفسنا لأننا لم نستطع مساعدته وإنقاذ حياته".
أمّا عن الرسالة التي توجّهها لابنها الشهيد يوميًا، فقالت سهى أبو خضير: "أشتاقُ اليك كثيرًا".
وتضيف الأم "بغياب محمد ينقصنا كل شيء، فقد كان هو المحرِك في البيت، لقد غيّرنا فراقه كثيرًا، وتغيّر أشقاؤه خاصةً سيف الذي يمضي وقته أمام الحاسوب، وحين أطلب منه الخروج من البيت يسألني: هل تريدينهم أن يخطفوني؟ يخاف جدًا وينام في غرفتي. أما نحنُ -الوالدين- فنرفض سماع تفاصيل الجريمة، لذا نُغلق آذاننا أثناء المحاكمة حتى لا نسمع ماذا فعلوا بمحمد".

تأثير استشهاد أبو خضير على الواقع المقدسي
يقول المحامي جبارة: "إنّ عملية قتل الشهيد محمد أبو خضير كانت نقطة التحوُّل لكل الأحداث التي تجري في القدس، وبعد العملية الإجرامية صار الفلسطينيون يتخوّفون من الوجود في البلاد، وقالوا أنّ الحرق مرحلة تحوليّة، صحيح أن هناك صراعاً فلسطينياً إسرائيلياً، لكنها كانت نقطة تحوُّل في الصراع بين الطرفين، بعد فقدان الفلسطيني الأمل خاصةً أن الإسرائيليين يتجهون أكثر نحو التطرُف، وسيكون ادعاؤنا في المحاكم الدولية أنّنا لا نحاكم الشخص الذي ارتكب الجريمة، بل نحمِّل السياسيين المسؤولية، في ظل الأجواء السائدة والظروف التي أدّت بهؤلاء الشباب المجرمين، بجيل محمد، جرّاء التحريض في الشارع الإسرائيلي، لارتكاب جريمة قتل وحرق الشهيد محمد بأبشع صورة من صور الوحشيّة".