خاص مجلة القدس- تحقيق: وليد درباس


بدون سابق انذار أعلن المدير العام للأونروا في لبنان السيد ماثياس شمالي قـرار الاستشفاء الجديد للعام 2016. وهو قرار ما لبث ان استُقبِل بموجة احتجاج عارمة من قِبَل شعبنا الفلسطيني نظراً للظلم والاجحاف الذي سيُلحِقُه بهم، وسط توجّس من أن تكون هذه القرارات التقليصية تمهيداً لإلغاء دور الأونروا كشاهد حي على قضية اللاجئين الفلسطينيين وصولاً الى تصفية القضية وشطب حق العودة.

قرار الاستشفاء جاء بدون سابق إنـذار
بعد الإعلان المفاجئ للأونروا عن قرار الاستشفاء الجديد عملت القيادة الفلسطينية على اخضاعه للمناقشة ومقارنته بالقانون الاستشفائي للعام الماضي أيضاً. وثبت أنه، وفـق حديث عضو قيادة حركة "فتح" إقليم لبنان، ممثّل ومسؤول اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان، "أبو إياد الشعلان"، لا يتلاءم مـع السواد الأعظـم مـن الحالات المرضية في المجتمع الفلسطيني خاصة أن عــدد المرضى الفلسطينيين الذين راجعـوا المشافي حسب تقديرات الأونروا للعام 2015 في لبنان بلـغ ثلاثين ألـف مريض فلسطيني، ويزيـد "النظام الاستشفائي السابق كان ينص على تغطية فاتورة المريض من المستوى الثاني بالمستشفيات الحكومية وجمعية الهلال الأحمر بنسبة 100%، أمّا الآن فأصبح يغطيها بنسبة 5% في مستشفيات جمعية الهلال و15% بالمستشفيات الحكومية، إضافةً إلى أن تحويل المريض للمستشفيات من المستوى الثالث يتطلّب مصادقة هـذه المشافي"، ويضيف "تم رفـع تغطية فاتورة مرضى المستوى الثالث حسب نظام الأونروا الجديد إلى 60% بدلاً مـن 50 % للعام 2015، على أن لا تتعـدّى قيمة فاتورة الاستشفاء 5000$، أي 60% من الـ5000$، وأصحاب هـذه الفئة قليلو العـدد، بينما في السابق كان سقف القيمة نحو 8000$، ما يضطر المريض حالياً لدفـع فـرق الفاتـورة مرغمـاً". وعطفاً عليه أقدمت بعض المستشفيات الخاصة مؤخّراً على حجز حالات مرضية عجزت عـن تسديد فرق الفاتورة، وبينهم جثث لمرضى توفـوا في المستشفيات، ما أدى لتدخـل القوى الفلسطينية واصحاب الخير وإنهاء مأساة هـذه الحالات، والحبل على الجـرار، خاصةً أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لايستفيدون كسواهم من لاجئي الشتات بـدول الجوار وحتى على مستوى الضفة او غـزة بالوطن من تقديمات المؤسسات ذات الصلة بالقضايا الصحية، ويقول الشعلان "تشير الاحصاءات إلى أن نحو 85% من لاجئي لبنان يعتمدون بتدبير حاجاتهم وقضاياهم الحياتية على الأونروا عبر التوظيف والعمل بالمشاريع التي تقيمها برعاية الدول والجهات المانحة على اختلافها، وبينهم قطاع واسع من حالات الشؤون الاجتماعية والمعرّضين أيضاً في المدى المنظـور للتيه والضياع جرّاء المخاوف المبيّتة لهـم"، وتعليل ذلك لدى مسؤول اللجان الشعبية في لبنان "ان اصحاب هذه الفئة سوف يتسلّمون مقابل معوناتهم التموينية الدورية ما يساويها بالقيمة النقدية عبر البنوك، وحينها واستناداً إلى أن هذه الحالـة تستحق وتلك لا تتوافق وتطلُّعات الأونروا المستقبلية تُشطَب وبدون ضجيج ولا حسيب أو رقيب".

الموقـف الفلسطيني موحّـد.. ولا تنازل عـن الحقوق
القيادة الفلسطينية في لبنان، حسب حديث مسؤول اللجان الشعبية في لبنان أبو إياد الشعلان، "استشعرت وجـود مخاوف حقيقية خلف القرار، وتعزّزت هذه المخاوف بعد تعنُّت مدير عام الأونروا في لبنان وعـدم أخـذه بموقف القيادة الفلسطينية في لبنان الرافض لهذا القرار وطلبها بـالرجوع عنه وأقله العمل بالنظام الاستشفائي السابق استناداً ومراعـاة لخصوصية اللجوء الفلسطيني في لبنان بالتحديد، لا بل وسعى المدير العام للترويج للقرار بأنه لصالح السواد الأعظـم من اللاجئين الفلسطينيين وليس مرده النقص بموازنة الأونروا، ما دعا القيادة الفلسطينية للساحة للتحرك على اكثر من مستوى وصعيد وصل حـد مخاطبة المرجعيات الفلسطينية على صعيد سـفارة دولـة فلسـطين بلبنان ودائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير ورئيسها زكريا الآغـا والعـديـد مـن المرجعيات اللبنانية لبـذل مساعيها وإجـراء اتصالاتها مع الجهات المعنية.
ولا يخفي الشعلان أن "المخاوف الفلسطينية تصل حـد التحسُّب من خفايا تفريغ القضية الوطنية من جوهرها الأساسي بإفقار اللاجئين في لبنان ودفعهم للتهجير والتيـه كخطوة على طريق النيل من القرار الأممي رقم 194، ما يخـدم السياسات الأمريكية ومشاريعها المتنكرة لحقوق شعبنا الوطنية لا سيما أن لها حصة الأسـد بتمويل الأونروا بنسبة 85% من موازنتها العامة ولديها المقدِرة على حصارها والتحكـم بمصيرها".

خليـة الأزمـة
تشكّلت خلية إدارة الأزمة مع وكالة الأونروا، وفـق حديث الشعلان، بقرار من قيادة الساحة، وتشارك فيها ألـوان الطيف الفلسطيني كافـة وأهدافها برمجـة آليات وسُبُل مواجهة سياسات الأونروا الظالمة وديمومتها، ومنـع حدوث الفوضى وحماية منشآت وموظفي الأونروا من التعرُّض للإساءة والأذى، وتصويب الحراك من خلال برامج احتجاجات واعتصامات أسبوعية، وعقـد مؤتمرات صحفية وتطيير مذكرات بأكثـر من وجهة رسمية واهلية محلية ودولية، ويضيف عضو خلية الأزمة ابو إياد الشعلان "حظيَت الخلية بتأييـد والتفاف شعبي في المخيمات عبّرت عنه حركة الاحتجاجات الواسعة والمنظّمة التي تشهدها المخيمات، وامام مكاتب الأونروا بالمدن اللبنانية أيضاً".
ويختـم الشعلان حديثه قائلاً: "توجُّهاتنا المستقلة تقضي بتفعيل التأييد الرسمي والمجتمعي على المستوى اللبناني، باعتباره الجهة المعنية والمتضررة بأن من مفاعيل الإصرار على تنفيـذ السياسات الظالمة للأونروا وتداعياتها على المجتمع اللبناني بالمديَين المنظور والبعيـد وأبرزهـا العودة للتلويح مجدداً وإن بكتمـان وبالخفـاء بفـزّاعـة التوطين".

القرار الاستشفائي يكبّد المرضى تكلفة إضافية
يحتلُّ مستشفى الشهيد محمود الهمشري المرتبة الأولى بمستشفيات جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني في لبنان، ويؤكّـد مديره د.رياض أبو العينين عدم دقـة وصحة ما يُشاع عن أن "تحويل المريض الفلسطيني إلى المستشفيات الخاصة مشروط بمروره أولاً بمستشفيات الجمعية وحصوله على مصادقتها بحال عـدم توفـر الخدمة او المكان"، ويقول: "بالبداية كان هناك قـرار بهذا الخصوص لكن العمل ما زال كالسابق ولم يلحقه أي تغيير إبان النظام الاستشفائي الجديد للأونروا مطلع العام 2016، وللمريض الحـق باختيار أي مشفى يريد"، وينوّه لاستقبال مستشفيات الجمعية مانسبته 80 إلى 85% من المرضى الفلسطينيين من المستوى الثاني جرّاء العقود المبرمة مع الأونروا، إضافةً إلى بعض الحالات من المستوى الثالث.
وبخصوص فاتورة الاستشفاء بالنظام الجديد للأونروا يرى الدكتور أبو العينين أن تقليص فاتورة الاستشفاء للمستوى الثاني بمعظـم المشافي الخاصة المتعاقدة مع الأونروا ترتّب عليه تحميل المرضى جـزءاً من كلفة العلاج، ويضيف "لا نلحـظ تلك الفائـدة الكبيرة المروَّج لها بسبب رفع الأونروا فاتورة الاستشفاء للمستوى الثالث 10% عن العام الماضي، بقـدر ما أنـه سوف يوفّـر للأونروا مبالغ كبيرة"، وتعليله لذلك أن رواد المستوى الثالث هم من مرضى القلب، والعناية الفائقة، وبعض المرضى ممن يحتاجون لعمليات بالمنظار ونسبتهم مقارنة بالمستوى الثاني متدنية جـداً، إذ يُقدّر عددهم في مستشفيات صيدا بـ50 إلى 60 مريضاً فلسطينياً، وعطفاً عليه يـرد ظاهـرة إقبال المرضى على مستشفيات جمعية الهلال، ومنها بشكل خاص الهمشري بضواحي مدينة صيدا، لعجزهم عـن تسديد فـرق فاتورة العلاج، التي تصل في المستشفات الحكومية إلى 15% والخاصة حتى 20%، بوقت يقوم مستشفى الهمشري وسواه من مستشفيات الهلال بتطبيق اعفاءات للحالات الفقيرة من جهة، علاوة على تدني فاتورة العلاج مقارنة بالمشافي الخاصة اياها من جهة أخـرى، "فمثلاً"، والحديث للدكتور رياض ابو العينين ،" كلفة العملية الجراحية للعيون بالليزر بالخارج تبلغ 1500$ طرفنا ووفـق عقد الأونروا 500$ وبدون أي فـرق، ومن ناحية اخرى المريض الفلسطيني يدفع فـرق فاتورة العناية الفائقة بالمستشفيات الخاصة بكلفة 400 إلى 500$ يومياً، فيما يدفع في الهمشري فرق 50% من تحويل الأونروا".
هذا وتتطلّع إدارة الهمشري وفـق حديث مدير المستشفى الدكتور ابو العينين لتنفيذ مشروع توسعة قسم العناية الفائقة بالتعاون مع الصليب الاحمر الدولي ليتسّع لعدد 6 إلى 8 أسـرة بـدل 4، ولجانبه تلحظ خطط الهمشري لهذا العام ايضاً "إنشاء قسم خاص بأمراض وجراحة القلب (تمييل، زراعـة راصور، بالون) مؤهّل لاستقبال المرضى من بيروت وصيدا وصور".
 ويختم د.أبو العينين بلفت نظر الأونروا لضرورة التعاون مع المرجعية السياسية، والمرجعيات الصحية الفلسطينية  لما فيه خير أبناء الشعب الفلسطيني وعـدم أخـذ قرارات فرديـة.

تراجع خدمات الأونروا يهدف لتصفية قضية اللاجئين
أيّد رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري مشروعية التحركات الفلسطينية في مواجهة سياسة الأونروا ودورها وتوسيع خدماتها، معتبراً أن "تراجع خدمات الأونروا لا يمكن تفسيره إلاّ في إطاره السياسي ومضمونه الهادف الى إضعاف حق اللجوء الفلسطيني، وتصفية قضية اللاجئين".
وخلال لقائه في منزله الوفد المشترك للقيادة السياسية للساحة الفلسطينية في لبنان، والمؤلّف من قيادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وقيادة فصائل التحالف الفلسطيني، والقوى الإسلامية وأنصار الله، دعا د.البزري اللبنانيين حكومة، وسياسيين، وهيئات أهلية ومدنية الى المشاركة في التحركات الفلسطينية الهادفة لتغيير سياسة الأونروا، وتطوير خدماتها، مؤكّداً أن "للأونروا رمزية دولية معينة فهي شاهد على فشل المجتمع الدولي في حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وعليه فمن واجبها الاستمرار والتطور ومراعاة المتطلبات المستجدة والمتزايدة لحين إعطاء الفلسطينيين حقوقهم وخصوصاً حقهم في العودة".

المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان
شرعـة حقوق الإنسان تقضي بحصول الإنسان على حقّوقه بالتعليم والصحة ...الـخ، إن كان مقيماً أو لاجئاً والدولة المضيفة شريك بتحمّل المسؤولية، أمّا في لبنان فهذه المسؤولية يشوبها التقصير من قِبل المعنيين بها وهم لبنان، والسلطة الفلسطينية، والأونروا، وعليه فإن محاكمة الأونروا استناداً للمعايير الحقوقية وبإنصاف وفـق حديث مدير المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان في لبنان الأستاذ "غسّان عبداللـه" يستدعي توفـّر ثبوتيات تأسيسها، وتمويلها، والتقديمات المكلّفة بها"، ويزيـد "الأونروا منذ تأسيسها العام 1949 يتـم التجديد لها كل ثلاث سنوات، فهي غير ثابتة لحين عـودة اللاجئين. وميزانية الأونروا لم تنقص لكنها لا تتماشى مع زيادة عـدد اللاجئين وغـلاء تكلفة الخدمات. لذا فالحديث عن الهـدر عـام غيـر مقـرون بالدلائل والبراهين ولم يُبحث بـه أو يُعلَن عنه"، ويقول: "أنا لا أبـّرر للأونـروا، ولنا عليها علامـة استفهام منذ زمـن، لكـن للأونروا وفق ما يجري تناقله تساؤلات وملاحظات كثيرة تطال العديد من المناحي الحياتية، ومنها على صعيد الذكـر: أن الدول المانحة تقدم  للجمعيات في لبنان والمخيمات كمّاً كبيراً من الأموال لمساعـدة اللاجئين، إضافةً إلى أن بعض مشاريع ومقار الأونروا تتضـّرر جـراء الأحداث الأمنية الفلسطينية، وهناك في المجتمع الفلسطيني شريحة من التجار ورجال الأعمال وعليهم تحمل الواجبات، كذلك حصول الفلسطينيين المجنّسين وحاملي الجنسيات الأجنبية على المساعدات والمنح والرواتب وفق معايير الدول إياها من الأونروا!..الـخ"، وهذه تمثّل رصيد عمل تنموي للفلسطينيين".
وبخصوص قـرار الاستشفاء ينوّه عبداللـه لتماشيه مـع نظام وزارة الصحة في لبنان إذ تغطي 85% من فاتورة العلاج والـ15% الباقية تتم تغطيتها فقـط لمرضى الشؤون الاجتماعية، وعطفاً على القرار يقـول: "أولاً، أنا مع القرار اذا كانت الأونروا فعلاً ستتكفّل بالمرضى الذين لا يستطيعون دفـع فـرق فاتورة العلاج، وثانياً، أن يؤدي تحويل الأونروا المجنّسين في لبنان على وزارة الصحة لتحسين أوضاع بقية الفلسطينيين وعـدم تخفيض ميزانيتها الموجودة".
ويختـم العبدالله بالقول: "مواجهة الأونروا بردة فعل ومنها المقاطعة لا يفيـد، والمطلوب ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتنظيم الوضع الداخلي، وأن نعرف ما نريد وما يمكننا أن نحصل عليه، ونرتّب أولوياتنا، وعلى ضوء ذلك نحاور الأونروا لمعرفـة المشكلة الحقيقية، وإن كانت نقصاً بالتمويل من الجهة التي لا تفي بالتزاماتها وما تعليلها عوضاً عن اسناده لقرار سياسي، وتفنيد ما تحمله التقارير بوصفنا بأننا فوضويون، وأنه ليس جميع اللاجئين بحاجة المساعـدة، وأننا نكلّف الأونروا بمصاريف لا حاجة لنا بها... الـخ".
الفقر والمعاناة يلازمان المرضى الفلسطينيين
تتشابـه أوجـه معاناة الحالات المرضية للفلسطينيين جـرّاء قرارات الأونروا بحيث يصح وصفها بأنها نسخة طبق الأصل عن بعضها لا سيما أن السواد الأعظـم منهم فقـراء. فالمريضة الفلسطينية عائشة حسين النايف، وبسبب عـدم قدرة أهلها على تسديد 20% فـرق فاتورة الأونروا بمستشفى حيرام بصور، أوقف تقديم العلاج لها ما أدى لتدهور وضعها الصحي وبالتالي وفاتها. كما جرى التحفـظ على التوائـم الثلاثة: قاسم ولانا ولين بالمشفى الإيطالي أيضاً لعجز ذويهم عن سداد فرق الفاتورة  البالغ 589 الف ل.ل، ما استدعى تدخل فاعلي الخير وتأمين خروجهم". وليس آخر هذه الحالات حجـز جثة الفلسطيني سليم عبد الرحمن بركـة لحين تمكّنِ ذويـه مـن تأمين فرق فاتورة العلاج.