خاص مجلة القدس- غزة - فلسطين- تحقيق: منال خميس

أنهى وفدا حركتي "فتح" و"حماس" لقاءاتهما في العاصمة القطرية "الدوحة"، في السابع والثامن من شهر شباط المنصرم، سعياً للتوصُّل إلى اتفاق جدّي يفضي إلى تنفيذ تفاهمات المصالحة بما ينهي الانقسام الفلسطيني المستمر منذ منتصف العام 2007. وقد ترأّس وفد حركة "فتح" في اللقاءات عضو لجنتها المركزية مسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد، فيما ترأّس وفد حماس رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل.

ورغم أن نتائج هذه المحادثات أفضت للإعلان عن توصُّل الطرفين إلى "تصوُّر عملي" لتحقيق المصالحة يتم تداوله والتوافق عليه في المؤسسات القيادية للحركتين، وفي إطار الوطن الفلسطيني مع الفصائل والشخصيات الوطنية ليأخذ مساره إلى التطبيق العملي على الأرض، إلا أنه وحتى كتابة هذا التقرير، لم تُعقَد اجتماعات أخرى تحدّد الوصول إلى نتائج تطبيقية، ولم يحدث أي حراك عملي على الأرض، سوى حرب  تصريحات إعلامية اشتعلت بين الطرفين.
تصريحات حماس لا تدل على نية جدية بالمصالحة
استفزّ نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"، اللواء جبريل الرجوب، حركة "حماس" حين شكّك في نواياها لانجاز المصالحة قائلاً في تصريحات صحفية: "لا أعتقد أن ما وصل من الدوحة سيؤسّس لإنجاز مصالحة، وما نسمعه من تصريحات هنا وهناك لا يشير إلى أن حماس غيّرت من طرقها المعهودة القائمة على الاسطوانات المعروفة للجميع". مؤكّداً في ذات الوقت أنه لن تكون هناك لقاءات أخرى فى الدوحة أو غيرها بين الحركتين بشأن المصالحة وإنهاء الانقسام.
وأعرب عن أسفه إزاء التصريحات التي تخرج بين الحين والآخر عن قيادات في "حماس" معلّقاً: "هذه التصريحات تعبّر فقط عن مدارس من حماس، وبالتالي على حماس اتخاذ القرار الذي يؤدي إلى إنهاء الانقسام". لافتاً إلى أنه على حماس إذا كانت تريد أن تكون شريكة كونها جزءاً من النسيج الوطني، أن تقوم بمراجعة سياسية وايديولوجية للديمقراطية والشراكة والتعددية السياسية ودور المرأة ودور الأمن داخلياً ومحلياً وإقليمياً ودولياً.
وهدّد الرجوب باتخاذ قرارات حاسمة لن تسمح باستمرار خطف حماس لقطاع غزة تحت أي مسمى سواء أكان "إسلاميا" أو "مقاومة" أو "إخوان مسلمين"، مؤكّداً في الوقت ذاته أن "فتح" تتطلّع إلى إنجاز الوحدة بالحوار والاتفاق، وإذا فشلت فهناك طرق وقرارات أخرى ستُناقَش في اجتماع للجنة المركزية أوائل آذار المقبل للخروج بسيناريوهات ستنهي الانقسام بعد تصديق اللجنة عليها.
من جهته، اعتبر المتحدث باسم حركة "حماس" سامي أبو زهري تصريحات الرجوب هجوماً وتصعيداً ضد "حماس". وقال: "نأمل أن لا تعبّر تصريحات الرجوب عن موقف حركة "فتح" الرسمي تجاه جهود تحقيق المصالحة". مطالباً حركة "فتح" بموقف واضح من هذه التصريحات، وإلا فإنها تتحمّل المسؤولية أمام الشعب الفلسطيني عن أي تشويش في جهود المصالحة"، بحسب قوله.
ورأى القيادي في حركة "حماس" صلاح البردويل، أن تصريحات الرجوب نسفٌ لجهود العاصمة القطرية التي تسعى لإنهاء الانقسام وإعادة الوحدة الفلسطينية.
لا بوادر لمصالحة عملية حتى الآن
أكّدت القوى الوطنية والإسلامية في بيان صدر عنها، بعد اجتماعها الأخير، أن استعادة الوحدة الوطنية وإنجاز ملف المصالحة يساهم بصورة عملية وإيجابية في التخفيف من معاناة شعبنا، ويوحّد الطاقات في مواجهة الاحتلال واجراءاته. وهذا ما أكّده أيضاً، في حديث خاص للـ"القدس"، المحلّل السياسي سميح شبيب.
شبيب أكّد للـ"قدس" كذلك أن إنهاء ملف الانقسام هو مطلب للكل الفلسطيني، لأن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك. ولكن بحسب تقديره فإن إنهاء هذا الملف لن يكون في القريب العاجل رغم وجود نقاط التقاء كثيرة يمكن العمل من خلالها لإنهائه كالانتماء لفلسطين والدولة الفلسطينية.
وأضاف: "بتقديري هناك مشروع ايديولوجي وسياسي، وله ارتباطات دولية وإقليمية، وهو الإخوان  المسلمون، وحماس جزء منها، فهي لا تأتمر بأمر قياداتها في فلسطين فقط ولكن لها مرجعيات بالعالم، وهذا المشروع لا يزال الكثير من قادة حماس يراهنون على انتصاره،  ووصوله إلى سدة الحكم بالعالم العربي".
وأردف: "رغم كل ما جرى داخلياً وما تمخّض عنه من اتفاقات وإعلانات كان أهمها بجانب الكعبة، إلا أن شيئاً لم يحدث ميدانياً، والسبب أن هناك مركزاً قيادياً فلسطينياً تقوده المنظمة له اتفاقاته واعتباراته من جهة، ومركزاً آخر يرى انه البديل الحقيقي وهو حركة حماس، وباستمرار هذا الوضع القائم لن نصل إلى وحدة وطنية أو اتفاق داخلي وغير ذلك".
وتابع قائلاً: "تم الحوار مع حركة حماس، وللتذكير فالأخيرة عندما استجابت للحوار الجديد الذي جرت بعض جلساته في قطر وبعضها في اسطنبول -لم يُعلَن عنها- كانت هذه الاستجابة تخديرية لذر الرماد في العيون، فحماس قد تشارك في حكومة وحدة وطنية، ولكنها لن تترك الحكم، لأن غزة هي المنصة الرئيسة لعملها".
وعن التدخل القطري والتركي في ملف المصالحة، قال شبيب: "قطر وتركيا لكل منها مصالحها التي تتقاطع وتتباعد بين الحين والآخر، ومؤخّراً نشأ ظرف إقليمي جديد، لا يمكن تجاهله وهو التدخل الروسي بالأزمة السورية مما حدَّ بشكل كبير من النشاط التركي الذي هو جزء من التيار السياسي،  إضافة  إلى أن قطر أصبحت أكثر مسايرة للسياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، لذلك تسعى للدخول الى أي خط يثبت مكانتها، والملف الفلسطيني لديه أهمية هناك".
وحول الآفاق المحيطة بتحقيق الوحدة قال شبيب: "لا أرى أفقاً في توحيد الحالة الفلسطينية، الا في حالة واحدة، وهي قيام حركة حماس بفك ارتباطها بالمركز الدولي للإخوان وهذا أمر مستبعَد".
التنسيق مصلحة مشتركة بين حماس وإسرائيل
استبعد شبيب شنَّ إسرائيل حرباً جديدة على قطاع غزة مضيفاً "لتحافظ حماس على حكمها بغزة، ولتتمكّن من البقاء قائمة لا بدّ لها من تنسيق امني مع إسرائيل، وهذا التنسيق الآن قائم ووارد، بمعنى أن دوريات حماس على تماس تماماً مع حدود الخط الفاصل والدوريات الإسرائيلية، فكيف لي أن افهم إذن هذا التشابك أو الاشتباك؟ بينهما بلا شك اتفاق معين، هذا ليس اتهاماً ولكن الأمر يحتاج إلى نوع من التنسيق وهو قائم الآن وهو يعطي لحماس القوة والقدرة على التحكم في غزة وليس الاشتباك مع الاحتلال. كذلك فالاحتلال يدرك أن الوضع بغزة بات ضعيفاً للغاية خاصة اقتصادياً، وحماس تنفّذ حالة هدوء على الحدود، وتستمر بالتحكم وفرض ضرائب، بدون أي استفزاز لإسرائيل، وإسرائيل أساساً تريد الحفاظ على غزة منفصلةً عن الضفة الغربية، ووضعت الانقسام الفلسطيني ضمن أهم 3 أحداث في تاريخ الحركة الصهيونية، وكان شمعون بيريس قد قال في مؤتمر هرتسيليا العام 2007 أن ثالث أهم حدث في القرن الماضي بالنسبة لإسرائيل  والحركة الصهيونية هو الانقسام الفلسطيني".
وأضاف: "إسرائيل تريد الحفاظ على هذا الانقسام بتنسيق امني مع حركة حماس، لأنها تريد أن يبقى الشعب الفلسطيني محاصراً في قطاع غزة متخلّفاً عاجزا عن تأدية أي دور، وتريد لشعبنا أن يبدو وكأنه شعب إرهابي يقصف مدنيين إسرائيليين، وهي تدرك تماماً انه لا  يمكن لشعب أن يقرّر مصيره بنفسه وهو منقسم على نفسه".
وتابع آسفاً: "السلطة الفلسطينية تقول انه لا بد من الحوار وهو المنفذ الوحيد للوحدة، ولكن خلال فترة الحوار منذُ العام 2007 وحتى 2016 تكرّست أوضاع جديدة في غزة، ومثلها في الضفة الغربية بمعنى أنه أصبح هناك طبقة كبيرة لا مصلحة لها في إنهاء الانقسام، وأصبحت الأمور شديدة التعقيد".
إذن جولات حوار متواصلة هنا، وهناك، وتصريحات نارية تُقذَف من كل مكان، وملف الانقسام الفلسطيني لا يزال عالقاً.. ولكن يبقى السؤال المنبثق من مضمون تصريحات اللواء الرجوب الأخيرة.. هل لدى السلطة الفلسطينية، أو لدى حركة "فتح"، "خيارات سرية" يمكن أن تخوض بها معركة اتخاذ قرارات حاسمة لا تسمح باستمرار خطف حماس لقطاع غزة تحت أيّ مسمى...؟!!