تحقيق: وليد درباس

عرفت رياض الأطفال طريقها إلى مخيمات اللجوء في لبنان عقب انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصِرة، حيثُ أدرَجتها بعض التنظيمات الفلسطينية آنذاك بأجندتها جامعةً ما بين التنشئة الوطنية بطابع الفصائلية والتنشئة التربوية تماشيًا مع الأعراف والموروثات الخُلقية بالعهـد إياه. ومع الوقت باتت رياض الأطفال ودور التدعيم مساهمًا أساسيًا في إعداد الطفل تربويًا ونفسيًا للمرحلة التأسيسية في التعليم المدرسي.

 

دُور رياض الأطفال: الرسالة والتأسيس

تأكيدًا على ماهية التنشئة نسوق فحوى الورقة الصادرة عن "مركز التخطيط ـ  قسـم التربية في منظمة التحرير" في آذار 1972 تحت عنوان "غرس وتنمية القيم في نفوس النشء"، حيث نصّت على النقاط أدنـاه :

1. حب واحترام الوالدين والزملاء والـمُسنّين

2. حب الشعب والثقة بـه

3. حب الوطن والثورة والثقة بالنصر

4. حب الروح الجماعية وتعميقها والاعتماد عليها والكفاح من أجلها

5. حب العمل والإنتاج لخدمة الثورة والشعب

6. حب المبادئ والقِيم الوطنية والثورية والتحرُّر من العصبية ومن القِيم الفردية والقِيم التقليدية السلبية...الـخ

ولمّا كانت الأونروا لم تنشئ من الرياض في مخيمات لبنان سوى روضة واحدة يتيمة في مخيم عين الحلوة ولم تعمِّر طويلاً، فإن ذلك استدعى التنظيمات الفلسطينية للاضطلاع بدورها في هذا المجال. ومع الوقت شهدت المخيمات تناميًا بعـدد دور الرياض بولوج تنظيمات جديدة وانضمام بعض المثقفين لهذا المضمار، وقد وصل عدد الرياض حتى العام 1981 إلى "39" روضة وفق دراسة قامت بها الباحثة البريطانية "سارة بروان"، وازداد العدد في العام 1990 إلى "52" روضة وفق دراسة لدائرة شؤون العائدين في منظمة التحرير، وعدد الأطفال وصل آنـذاك إلى "4761" طفل. وترد الدراسة أسباب التزايد أيضًا للتنامي الملحوظ باهتمام الجمعيات الاجتماعية النسوية الفصائلية للوصول للفلسطينيات بأقل جهد ومشقة، وحشدهن للعمل الوطني المجتمعي وان عبر الفصيل. وفي العام 1992 بلغ عدد الرياض "82" بالإضافة إلى "20" حضانة وفقًا لدراسة أعدّتها منظمة اليونيسيف، ودلّت دراسات المسح التربوي العام 1993 إلى أن ما نسبته 52% من أطفال المخيمات يلتحقون بالرياض. ومما لاشك فيه فإن إقبال الفلسطينيين على تنسيب أطفالهم لدُور الرياض وحتى حينه بات في تنامٍ ملحوظ ومضطرد، يدفعهم لذلك تراجع ثقتهم بقدرة الاونروا على إعداد أبنائهم وتأسيسهم دراسيًا في المرحلة الابتدائية كما ينبغي، إن بسبب كثافة عدد الأطفال في الصف الواحـد – حيث يبلغ العدد التقريبي للتلاميذ حوالي 40 تلميذًا في الصف الواحد- ما ينهك المعلم ويحول دون قدرته على ايصال المعلومة بشكل وافٍ لكافة تلاميذ الصف، علاوةً على صعوبة المناهج التربوية، أو بسبب سياسة الترفيع الآلي التي تتبعها الأونروا وبشكل ظاهر، ويُستدَل على ذلك بظاهرة تسرب الأطفال بهذه المرحلة عند عتبات انتقالهم للمراحل الأعلى كما يشير الكثير من الاهالي، وبسببها لا يتمكن أبناؤهم من تقبُّل المعارف الجديدة ولا مجاراة زملائهم بالصف.

لقد شكّلت مناخات ما بعد العام 1993 تحوّلاً عامًا، وعلى أكثر من مستوى وصعيد، وبسبب  سياسة الانفتاح وتطور التقنيات، وقنوات الدعـم أيضًا، برزت لغة ومفاهيم عمل فلسطينية أكثر ديناميكية، وأصبح الشأن الأهلي العام يتصدر الأجندة الفلسطينية، وحظي الشأن التربوي، وبيت القصيد هنا "دور رياض الاطفال وبرامج التدعيم الدراسي للمرحلة التأسيسية"، باستحقاقات ورعاية مُرضية.

 

دور رياض الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية

أمضت المشرفة التربوية "زينب ميعاري" بالعمل التربوي وحتى حينه 33 عامًا منها 23 عامًا بدُور الرياض التابعة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. مؤهلاتها الجامعية وخبرتها، مضافةً لحرصها وحُبّها لعملها، أهّلتها لتكون بمرتبة مشرفة تربوية لرياض الاتحاد في منطقة الجنوب "مخيمات صيدا وصور". وتشير ميعاري إلى أن "تنسيب الاطفال للرياض ضرورة تفرضها المهارات التي يكتسبها الأطفال بالرياض لجهة تنمية قدراتهم ومداركهم الجسدية، والفكرية، والاجتماعية"، منوّهةً لولوج الاتحاد حقل العمل التربوي بالعام 1974 حيث تأسّست اول روضة له في بيروت، وأعقبها وحتى حينه فتح العديد من الرياض في مخيمات بيروت، والشمال، والبقاع  والجنوب، والتي وصل عددها إلى 17 روضة، إلى جانب ثلاث دور حضانة يزيد عدد روادها على 30 طفلاً ممن تعمل امهاتهم مابين دور الرياض وخارجها، بوقت وصل عدد منتسبي الرياض في المرحلة الأولى والثانية للعام 2014 إلى 1142 طفلاً، وعدد خريجي الصف التمهيدي للعام 2014 إلى 686 طفلاً مؤهلين للالتحاق بالمدرسة في العام 2015. وتعمل في هذه الدُور 92 مربية، و17 مشرفة تربوية، و3 مشرفات مناطق تربوية، وهن بمؤهلات ما بين ثانوية وجامعية، كما أن بينهن خريجات تربية حضانية، ويخضعن رغم ذلك بين الحين والآخر لـدورات تأهيل وتمكين بإشراف اللجنة التربوية أحيانًا، وأخرى بإشراف المربي التربوي "وليد جرادي"، وبالتعاون مع جمعية (Right To Play) لمواكبة المستجدات. وتعتمد رياض الاتحاد كتبًا تربوية تتناسب وقدرات الأطفال خاصة بعد فشل المحاولات التي بُذِلت بوقت سابق من قِبَل مؤسسة التعاون لتوحيد الكتاب التربوي، وبعض الكتب أعدتها اللجنة التربوية بالإتحاد وبعضها الآخر أخضعته اللجنة التربوية للدراسة وأقرّت ما يتلاءم فحواه مع قدرات الأطفال ومنها من تأليف الأستاذ المربي "وليد جراي"، أو من إعداد الأستاذ "شمس الدين". من جهة ثانية، تتمتع الرياض عمومًا بمواصفات بنيوية جيّدة لجهة التهوية والتعرُّض للشمس وتخضع بين الحين والآخر لأعمال الترميم والصيانة، وتحوي معظمها ملاعب ومكتبات رغـم حاجـة بعضها للمزيد من الألعاب التوجيهية، وهناك غرف مفروشة بالموكيت مخصّصة للأنشطة التي ينفّذها الأطفال وهم بحالة الجلوس، وتزيد ميعاري "بحال انقطاع  الكهرباء تلجأ الرياض لمولدات الاشتراك الموجودة في المخيمات ولدى البعض منها مولداتها  الخاصة، وبحال تعذر وجود الصنفين  تستنير الرياض من  خلال أجهزة (UPS)".

هذا وتتقاضى الروضة من كل طفل رسم تسجيل سنوي وقدره 150 ألف ليرة لبنانية، يُعفَى منها الأيتام وأطفال العائلات المصاب رب أسرتها بأمراض مستعصية تحول دون قيامهم بالعمل، وتجري تخفيضات للعائلات التي تُلحِق أكثر من طفل بذات الروضة. وتضيف ميعاري "كذلك شكّلت الرياض لجانًا للأهل للوقوف على أحوال الأطفال ومعاونة الرياض بحل حالات القصور بحال وُجِدت، ومساندة الرياض بمهامها ومنها بشكل خاص ذات الصلة بحالات القصور لدى الأطفال وإقامة دورات التأهيل كما في (مركز الاستماع، ومركز التربية المختصة في الاتحاد... الخ)"، وتنهي بالتنويه لقيام اللجان التربوية بزيارات عادية لبيوت الأطفال ثلاث مرات بالعام، وعقد لقاءات عامة فصلية مع الأهالي للتواصل معهم بخصوص قضايا أبنائهم علاوةً على الزيارات واللقاءات الطارئة. وتُبقِي الرياض تواصلها ومتابعتها لأطفالها الخرّيجين بمدارس الأونروا حتى الصف الثالث من المرحلة التأسيسية وغالبًا ما يلتحقون بالنشاطات الصيفية التي تنظّمها الرياض خلال العطلة الصيفية.

 

روضة الشهيدة هـدى شعـلان

تأسـّست في ثمانينيات القرن الماضي في مخيم عين الحلوة بمواصفات بنيوية متواضعة، بزمـن كانت فيه الغرف السكنية تُحـوّل لغُرَف صفية وان مع بعض التحسينات. انتقلت، ولأكثـر من مرة، من مكان لآخر حتى اتخذت مطلع العام 1997 من مركز الشهيد علي حسن سلامة الثقافي الاجتماعي والطبي مقرًا لها. "اشتغلنا في الاتحاد على المبنى الكثير الكثير حتى صار بمستوى روضة نموذجية" تقول المشرفة التربوية "ازدهار عـزام". وتضم الروضة حاليًا 11 غرفة صفية تتوزّع ما بين 3 غرف لأطفال الروضة الأولى، و4 لأطفال الروضة الثانية، و4 لأطفال الصف التمهيدي، ويضم الصف الواحـد مابين 23 24 طفلاً  ويبلغ عدد المؤهّلين فيها للالتحاق بالمدارس للعام 2015 "97" طفلاً وهـم وفق تأكيـد المربية عـزام "يتحلـون بمواصفات تأسيسية جيدة، سبق ان حصلت الروضة بسببها على تقدير الهيئات التربوية بمدارس الاونروا"، هذا وتعمـل بالروضة 12 مربية ممن يتمتعن بالكفاءة والالتزام ما أكسب الروضة السمعة الطيّبة واحترام ذوي الأطفال أيضًا .

وتردف عزام "تعمل روضة الشهيدة هـدى شعلان بالاستناد لخطط مُعَدة مُسبقًا منها الشهرية والاسبوعية، وتقضي بتزويـد الأطفال بالمعارف على اختلافها (قراءة، حساب، علوم، لغة انكليزية، تربية إسلامية... الـخ)، بما يتناسب وقدراهم على الاستيعاب وباستخدام وسائل الإيضاح المناسبة، فمثـلاً"، والحديث لعزام، "تعريف الطفل بحرف الـراء "ر"، يبـدأ بكتابته من قِبَل المعلمة على السبورة، ومن ثـم تسرد المعلمة قصة للأطفال يتردد خلالها حرف "ر" عـدة مـرات وعـند كل منها تتعمّـد لفظـه مـع تشديد النبرة للفت انتباه الأطفال، وبمرحلة ثانية تدعـو الأطفال لمجاراتها بكتابة الحرف في الهواء، وفي مرحلة ثالثة تدفـع الأطفال للتعبير عن الحرف باستخدام المعجـون، ومن ثم باستخدام الألـوان"، وتستغرق العملية كما تقول عـزام 15 يومًا، ويتأهّل الطفل بعدها لاستخدام الخطوط في الكتاب التربوي، ولكل من الأحرف الأبجدية خطوط تتناسب وشكل هـذا الحرف أو ذاك.

وتضيف عزام "من ناحية أخرى تقـوم المربيات بتعليم الأطفال حفـظ ما أمكن من سور قصيرة من القرآن الكريم كالفاتحة، والفلق، والإخلاص وغيرها، ولجانبها أناشيد وأدعية من وحي المناسبات"، وتطال مهام ومناحي عمل الروضة السلامة الشخصية للأطفال كذلك، فتخضع الأطفال بالتعاون مع بيت اطفال الصمود للكشف على أسنانهم عبر عيادة الأسنان بـ"الصمود" بالمجان وعمل ما يلزم، كما تتعاون مع الاونروا بخصوص الأطفال الذين يعانون قصورًا بالنظر، وسبق أن زوّدت الاونروا الأطفال من هذه الفئة بالنظارات المطلوبة. وتختم المشرفة التربوية ازدهار عـزام بالتنويه لقيام المربيات بمراقبة حركات الأطفال وبحال اكتشافهم لحالات "توحد، أو تلعثم بالنطق، أو قصور بالمشي ...الـخ"، تقوم الإدارة بإعلام المرجعيات المختصة في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية للتعاطي معهم وإن اقتضى الأمر معالجتهم بعد موافقة ذويهم.

هذا وقد خلص حضورنا لمجريات درس اللغة الإنكليزية الـذي قدّمته المعلمة "عليا عـوض" لأطفال الصف التمهيدي بروضة شعلان لقيامها أولاً باستنفار حواس الأطفال بتحيتهم بـ(Good Morning)، ويجيبون بدورهم كما حيتهم، وبديناميكية مصحوبة بتودد المعلمة عوض لهذا الطفل وذاك تسأل (What’s Your Name?)، وغالبيتهم يجيبون دون تلعثم، ومن ثم تنتقل بسؤالها من طفل لآخر والبسمة تعلو محياها (How are You?)، كما وتدفـع البعض منهم للتعريف عن ماهية اليوم  “what is today?” ، وما سبق يمكّن المعلمة أيضًا من شحـذ انتباه الأطفال جميعًا دون استثناء وتهيئتهم لنشاط درس الحساب "الرقم 4"، حيثُ تستخدم أصابع اليد كوسيلة للتعريف على حجم مكوناته، وتعمل بعدها على تبيان شكله على اللوح، ويقوم الأطفال بالتتالي بكتابة الرقم "4" على اللوح، وأخيرًا يلون الأطفال الرقم "4"، كما هـو مبيّن بالرسم البياني بالأوراق المتوفّرة بين يديهم .

 

روضة الشهيدة نبيلـة بـريـر

بدأت كروضة للأطفال في العام 1987، وبسبب تزايد حاجات المجتمع الأهلي والإقبال عليها تطوّرت بعجالة، وبدعم مشكور من اليونيسيف ومؤسسة التعاون لتصبح بمرتبة "مؤسسة نبيلة برير الاجتماعية الثقافية"، وهي مرخّصة من المرجعيات الشرعية اللبنانية. ووفق حديث مديرتها "عليا قاسم" الحائزة على شهادة ماجيستير بالصحافة الدولية، تتكوّن المؤسّسة هذه الأيام من ثلاث طبقات؛ الأولى "دار حضانة"، وتضم الثانية 110 اطفال موزعين على ستة صفوف بمعدل صفين لكل مرحلة، ويبلغ عدد طلاب الصف التمهيدي- وهم المؤهلون للالتحاق بمدارس الاونروا العام 2015- 45 طفلاً، في حين جُهّـزت الطبقة الثالثة لطلبة دروس التقوية ويدير القسم ثلاثة معلمين برعاية مشرفة القسم، ويضم حاليًا 36 طالبًا، وتحوي إحدى غرفه الصفية ستة حواسيب مع خـط انترنت بغرض التثقيف، ويلجأ إليها الطلاب من عمر 13 إلى 15 عامًا بأوقات فراغهم للتسلية. وتصف قاسم المربيات بأنهن من ذوات الخبرة بالحقل التربوي ومؤهلاتهم تتراوح ما بين الجامعية والثانوية، وتضيف "مع كل تحديث بالمنهج تلتحق المربيات بورش التدريب والتأهيل وعبر مركز الاستماع في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وخلافه لمواكبة المستجدات" ودليلها على جودة الخدمة التعليمية أن "الروضة تلقت من مدرسة صفد بالأونروا شهادة تقدير لحصول أطفالها في الصف الأول أساسي على درجة الامتياز، علاوةً عن الدورات العادية للمربيات". وتتوقف قاسـم حيال "دار الحضانة"، فتؤكــد أنها الـدار الوحيدة في المخيم، بدوام من السادسة صباحًا وحتى الثانية عصرًا، وتضم لهذا العام 15 طفلًا من عمـر يوم وحتى العامين والنصف". وتلفتُ إلى أنه بسبب الظروف المادية باتت البعض من الأمهات وهـن عاملات بالأونروا أو بمؤسسات المجتمع المدني مضطرات لترك أبنائهن بالبيوت طرف أمهاتهن أو حمواتهن، مما تسبّب بتراجع رواد الحضانة قياسًا بالأعوام السابقة، وتتقاضى الروضة بدل رسم اشتراك شهري بقيمة ستين ألف ليرة لبنانية، وتقدم وجبة إفطار مجانية + عصرونية "فواكه، بسكوت، ..الـخ"، وتختـم المديرة قاسـم بالتنويه للعمل التشاركي مع دار العناية"I e c d" ، وبموجبه سيتم تأهيل عشر مربيات بعد انتهاء الأعمال التدريبية بمشروع التربية الدامجة ومدته ثلاث سنوات، بمعدل ورشة تدريبية، بالشهر، بتقنيات الكشف على الأطفال من ذوي الصعوبات بالتعلُّم أو الاضطراب السلوكي ... الـخ .

ومن بين إحدى الحصص النموذجية مثلاً في روضة برير، تقوم المربية "غادة قـدورة" بتقديم نشاط درسي عن الخاروف، فتبدأ بمراجعة المعارف السابقة لدى طلابها الـ (16) عن الحيوانات كالقطة، والبقرة، والدجاجة، كمدخل للتحفيز واستثارة المدارك، وتتابع "واليوم درسنا يا حلوين شـو (الخاروف)" باستخدام صورة الخاروف الـمُلصقة على السبورة إلى جانب صور ما سبق ذكـره من الحيوانات. وتدفع هذا حينا وذاك حينا آخر للحديث عما شاهده بالصورة، بعدها تنتقل بصحبة الأطفال لغرفة الوسائل المعينة، فتستعين بالحاسوب لعرض لوحة طبيعية يتوسّطها خاروف، ومن ثم تكرر ذات الاستفسارات السابقة، ويبـدأ الحاسوب ببث الموسيقى مصحوبة بأغنية من عدة كلمات بسيطة عن مواصفات "الخاروف"، ويرددها الأطفال تساندهم المربية، وأخيرًا تكون العودة لغرفة "الصف" حيثُ يشرع الأطفال بالتطبيق (رسم بياني لخاروف أمام كلٍ منهم + وعاء به مادة شبيهة بخيطان الصوف)، ويقوم كُلٌ على حدة بتلوين الرسم ولصق الصوف ... الـخ.

 

التدعيـم الدراسـي

تحوّلَ تدعيم الأطفال دراسيًا لظاهـرة في مخيمات لبنان، وتقديمـه من بعض المعلمين أو الطلبة الجامعين وإن بدافع الكسب المالي، تعدى بيوتهم للغرف الصفية في المكتبات والجمعيات الأهلية.

 

مكتبة هـدى شعـلان

 تستهدف بالعادة ما يزيـد عن الخمسين طفلاً، وقد تضاعف العدد هذا العام بسبب النزوح القسري للفلسطينيين من مخيمات سوريا. جهوزية شعلان تجعلها وفق حديث أمينة المكتبة "هـدى سليمان" مؤهّلة لاستقبالهم بصفوفها الأربعة وعند اللزوم برحاب قاعة المكتبة "بدون رسم مالي" وعلى نفقة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وتواكب احتياجاتهم عشر معلمات "ملاك الاتحاد" بالاستناد لتوزيعهم لدوامين "10 12" صباحًا لتلاميذ الأونروا من ذوي الدوام المسائي وآخر مسائي لتلاميذ الدوام الصباحي بالأونروا. وتؤكـد سليمان أن "المعلمات يواكبن الأطفال بكافة موادهم التعليمية، ويولين الأطفال النازحين جهـدًا مضاعفًا بهدف تعويضهم فترات الانقطاع عن الدراسـة من جهة، ولصعوبة تكيُّفهم مع المنهاج من جهة ثانية"، وتختم بالقول " تأسّست مكتبة شعلان في العام 2003 بدعم من اليونيسيف بهدف ايجاد مكان آمـن للأطفال لممارسة هوياتهم والتعبير عن آرائهم ومواهبهم وتشجيعهم على حب الكتاب"، وتضيف "تقديمات المكتبة باتت تتعدى الأطفال لشرائح عمرية من الشباب ويقصدها طلاب المرحلة المتوسطة والثانويون للاستفادة من مراجعها الأدبية والعلمية بمشاريعهم".

 

جمعية زيتونة للتنمية الاجتماعية

تُسجل جمعية زيتونة للتنمية الاجتماعية سابقة بالتدعيم الدراسي، إذ تستهدف إلى جانب أطفال المرحلة التأسيسية الأمهات، والسبب وفق حديث مسؤولة العلاقات العامة المربية رشا ميعاري أن "الأطفال بحاجة ماسـة لمن يتابعهم في منازلهم وقدرات الأمهات لا تؤهّل الكثيرات لهذه المهمة، لتدني مستوى تعليم بعضهن من جهة، ولقدم معلومات أخريات قد مضى زمن على تركهن الدراسة وخاصة في مادة اللغة الانكليزية من جهة ثانية"، وعطفًا على اللغة تضيف المربية المتطوّعة رشا ميعاري "بدأت الجمعية منذ ثلاث سنوات بتنظيم دورات باللغة الإنكليزية للراغبات على قاعدة إخضاع المنتسبات لامتحان قبول، وعلى ضوئه  يُفرزن وفـق مستوياتهن، ولحينه استهدفت الجمعية الأمهات حتى سن الـ"45 عامًا حيثُ يتلقين دروسًا تُحسن قُدراتهن بالتعاطي مع حاجات ومتطلبات أبنائهن"، وتردف "الدورات مجانية بمعدل ثلاثة أيام بالأسبوع، وتقدّمها معلمة ومتطوعة، مـدة الدرس ساعـة ونصف كحد أقصى، وقد لاحظنا إقبالاً على الدوام، والكثيرات من المنتسبات استرجعن معلوماتهن وأخريات اكتسبن معلومات إضافية أو جديدة، وبدأن يُسجلن ارتياحهن لتعاطيهن مع أبنائهن"، وتنهي بالتمني بأن يحظى هذا البرنامج بمن يموّله كي يستمر بتقديماته.

 

التأهيل ومعالجة قصور الأطفال

تتـم عادة عملية التأهيل ومعالجة قصور الأطفال من خلال مراكـز الإتحاد "مركـز الاستماع في منطقة صيدا عين الحلـوة، عيادة المعالجة بمشفى الهمشري، مركـز التربية المختصة في منطقة صور مخيم البص"، وبمتابعة المرجعيات التخصصية فيها وبإطلاع مباشر من مسؤولتها في لبنان المعالجة النفسية ومدربة المهارات الحياتية "رانيا سليمان"، وتؤكـد سليمان أن "الخدمات لا تتوقف بحدود مكونات الرياض التابعة للاتحاد او الرياض الحركية بل تطال كذلك المحتاجين ممن يرغبون بخدماتها على صعيد المؤسسات التربوية الفلسطينية من جهة والمجتمع المحلي في مخيمات لبنان وبكافة المناطق (طرابلس في الشمال، صور وصيدا في الجنوب، بيروت والبقاع) من جهة ثانية. وبخصوص التأهيل، فقـد نظم الإتحاد من خـلال المراكـز إياها للمربيات والمشرفات برياض الأطفال العديد من الدورات ومن أبرزهـا  "إعـداد السجل التراكمي للطفل، مراحـل النمـو النفسي والعقلي والجسـدي للطفل، الـذكاءات المتعـددة، رصـد السلوكيات للطفل وطرق التعاطي معها، التفكير والتفكير الإبداعي، إدارة الغرف الصفية، مهارة التواصـل، إعـداد المادة التعليمية وفـق عناوين أسـاسية تتناسب والمراحـل العمرية للطفل، وسـواها الكثير من المواضيع، ناهيك عن الـورش التدريبية شبه الدوريـة لمواكبة المستجدات التربوية"، وتتوقّف سليمان حيال السجل التراكمي، فترى به أهمية كبيرة كـونه بمثابة التاريخ النمائي والمؤشـر لشؤون الطفل في الروضة، كمرجـع يُستفاد منه للتعاطي مع الطفل بعد انتقاله للمدرسـة، وأيضًا يُمكّن الأخصائيات في الإتحاد (مديرة مركـز الاستماع بصيدا مدربة المهارات الحياتية والمعالجة النفسية رانيا سليمان، مديرة مركـز التربية المختصة في صور الأخصائية التربوية وأخصائية الصعوبات التعليمية صابرين أبو العينين، الأخصائية التربوية وأخصائية الصعوبات التعليمية ريم مومنة، الأخصائية النفسية فاطمة  دقماق، معالجة النـطـق سوزان السعدي، الملاحظة التربوية كارولين حـلاق، الملاحظة التربوية حنان حمـدان) من رصـد الحالـة النمائية للطفل وماهيـة القصور، وعلاقة ذلك بالمناخات الداخلية للأسـرة، ومتابعتها وبشكل خاص مع أمهات الأطفال .

وبالتالي تتم معالجة حالات القصور المكتشفة بأوسـاط الأطفال وتجلياتها (التشتت، عدم الانتباه، ضعف وتدني التركيز، التلعثم، صعوبات وتأخـر النطق، مشاكل بالسمع، السـلوك النفسي غير سـوي- ومـرده لقصور نفـسي تربوي، أو وظيفي عضوي جسدي..) في مراكـز الإتحاد من قِبَل الأخصائيات إياهـن وكل وفق مسؤولياتها، وتكون مصحوبة بالغالب بتقديم الإرشـادات والتوجيهات اللازمـة لمربيات الرياض من جهة ولأمهات الأطفال من جهة ثانية، وإن تطلّب الأمـر يحـول الطفل للمعالجة بالمراكـز الخارجية "المركز العصبي بإدارة أخصائي الجهاز العصبي الدكتور نبيـل عكاوي، وجهات الاختصاص في مشفى حمود ... الـخ ، وبالمجان وعلى حساب جمعية الغوث الطبي البريطاني "Mab Uk"، وتقديم ما يلـزم من معدات علاجيـة "شريطة موافقة الأهل" باعتبار أن البعض منهم يبدي رفضـه لذلك،  وعطفًا على ذلك تقول سليمان: "بلـغ عدد الحالات التي أُحيلت في العام  2014 على مستوى الرياض "117" حالـة ، وبلغ عـدد الذين تمّت احالتهم من خارج الرياض "من الوسـط الأهلي" 204 حالة"، وتختم مسؤولة المراكز "رانيا سليمان" بالقول: "العمل بالمراكز يتـم استنادًا لمبدأ التوصيف الوظيفي، ما يعني أن غياب أي تخصص لا يؤثـر على نظام ومسؤوليات المركز بتقديم خدماته".

بـدورها تُـدرِج الملاحظة التربوية "حنان حمدان" مهام الملاحظة التربوية بسياق التنسيق مع الرياض والتعاطي مع المربيات بالاستناد لبيانات السجل التراكمي الـذي تُعدُّه المربيات للأطفال ومتابعتها دوريًا وبشكل شهري، وعلى ضوئه يتـم التعرف على ماهية حالات القصور الـمُكتَشفة وتوجيه أصحابها للمعاينات الداخلية، ومن ثـم إن تطلّب الأمـر تُحوَّل وفق الأصول الـمُتّبعة وبكتاب مُعتمَـد من مسؤولة المراكـز الأخصائية "رانيا سليمان" للمعالجة بالمراكـز التخصُّصية الخارجية.

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي