من طبعي أني أحاول أن أبتعد في أحاديثي وكتاباتي عن كل ما يثير الجدل في الصف الوطني، واتجه بكلماتي وقلمي لمواضيع ذات علاقة بالكفاح الفلسطيني في كل جوانب الحياة، وخاصةً إلى كل ما ينغص الواقع الفلسطيني في الحرب والسلم.

أما اليوم فإني أود أن أكتب في موضوع الواجب الوطني الذي تنفرد به منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها التاريخية في موضوع الواجب الوطني الذي تفرضه الأحداث التي يمر بها قطاع غزة الحبيب، والسبب أن كثيرًا من أصحاب الرأي والقلم يتناولون موضوع قطاع غزة من باب التخوين أو ما شابه ذلك إذا تم الموافقة على إدارة غزة خلفًا لإدارة حماس التي قامت بانقلابها على السلطة الفلسطينية منذ 2007، وإقامة إمارة لحكمها فيها، وهناك تمترست وأفشلت كل طريق إلى الالتئام بين شقي الوطن، حتى يومنا هذا وما حصل بعد عملية طوفان الأقصى من اجتياح إسرائيلي أدى إلى تدمير %70 منها، وهناك أكثر من مئة ألف شهيد ومصاب ومعاق، وحياة بائسة من الجوع والعطش والخوف والأمراض.

قبل أن تكون هناك سلطة فلسطينية، وقبل أن تعرف حماس كانت منظمة التحرير الفلسطينية، ولقد قدمت إلى قطاع غزة الدعم المالي والتنموي والفدائي، لتكون غزة في طليعة الثورة والعمل السياسي والاجتماعي والنضالي. لقد أنشأت منظمة التحرير الكوادر العسكرية والمدنية، ودعمت إنشاء المصانع والمزارع والمنظمات الأهلية ونشرت العمران فيها فكانت من أبهى المدن العالمية والعربية والإسلامية فتوجت كل ذلك في كفاحها من أجل التحرر الوطني، وعند مجيء السلطة الفلسطينية كانت مقرًا لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة الفلسطينية فكانت غزة نواة الدولة الفلسطينية.

وفي فترة الانقلاب لم تخرج "م.ت.ف" والسلطة الفلسطينية من غزة بل بقيت تعمل وتقدم خدماتها الى شعبها.

يأتي اليوم من يقول لك أن هناك من ينتظر ليحكم غزة على دبابة إسرائيلية!، أقول لكم بتواضع اتركوا هذه الموجة التي تفوح منها روائح كريهة، لأن خدمة الشعب الفلسطيني في كل مكان وزمان واجب وطني وقومي وديني وأخلاقي، والهروب والتموضع خلف المتاريس لن يزيد شعبنا إلا معاناة وألم وطعن في الخاصرة. كيف لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن بعدها السلطة الفلسطينية أن تقف لتتفرج على مآساة غزة وتقف لتتفرج على مآسي شعبنا، ليست القيادة الفلسطينية التي تهرب إلى الخلف في مواجهة أعباء غزة، وليست ممن يتخلى عن واجبها.

أقول لكل الواهمين أن الواجب الوطني هو مصدر إلهام القيادة الفلسطينية لعمل ما يمكن في ظل الهجمة العالمية على شعبنا، "م.ت.ف" والسلطة الفلسطينية لو كانت آتية على ظهر دبابة إسرائيلية، لما كان هذا الانقسام الذي رعته إسرائيل وتسبب في دق مسمار في تابوت تصفية القضية الفلسطينية، ومازالت تبحث عن وريث يبقي هذا الانقسام وهذا التشرد الذي أصاب قطاع غزة لإنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد.

الثمن الذي دفعته "م.ت.ف" والسلطة الفلسطينية من أجل القرار الفلسطيني المستقل كان غاليًا، وبسببه فإن السلطة تعاني من الأزمات المالية المتتالية. في كل صباح وكل مساء تتلقى "م.ت.ف" والسلطة الفلسطينية التهديدات تلو التهديدات لاجتثاثها وإنهاء وجودها.

هي رسالة إلى أبناء شعبنا من المثقفين والمتنورين وأصحاب الرأي والفكر الحر أن يروا بعين ثاقبة مسار العمل الوطني والواجب الوطني، لأن الشعب الفلسطيني يستحق العيش بكرامة ويكفيه ما أصابه حتى لا تكرر المآسي والآلام التي عانى منها شعبنا.