اعداد وحوار: امل خليفة

شهدت القضية الفلسطينية في السنوات الاخيرة تحوّلات متعددة أحدثت تغييرات مُتسارِعة على الخارطة السياسية الفلسطينية كان بينها الانقسام والصراعات الداخلية الفلسطينية والاعتراف بفلسطين "دولة" وعضوًا مراقبًا في الامم المتحدة إلى جانب الازمات المالية والعدوان المتكرر على قطاع غزة وانعكاسات هذه الأحداث على الوضع الاقتصادي. وفي محاولة من مجلة "القدس" لاستقراء الوضع السياسي والاقتصادي في فلسطين للعام المقبل تم استطلاع آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين والصحفيين حول هذه الشؤون وأكثر.

 

امريكا ستفاجئ العالم اذا لم تستخدم الفيتو ضد فلسطين

من المؤكّد أن القضية الفلسطينية قد دخلَت مرحلة دبلوماسية لعلّها الأصعب في تاريخها لا سيما بعد تقديم السلطة الفلسطينية مشروع قرار فلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بدولة فلسطين إلى مجلس الأمن. وبانتظار نتائج التصويت على هذا القرار، يرى الكاتب السياسي عمر رحال أنه "في أحسن الاحوال فإن الولايات المتحدة الامريكية ستمتنع عن التصويت، وهو أمر غير مُرجَّح، ولكن المتوقّع هو أن تستخدم حق النقد ’الفيتو‘، وستكون مفاجأة بحق إن لم تفعل. اما بالنسبة للوضع السياسي في الاراضي الفلسطينية، فإذا ما بقيت الامور على ما هي عليه على صعيد المصالحة الى جانب الصراعات الداخلية، وعدم المشاركة السياسية، وعدم اجراء الانتخابات الداخلية لحركة "فتح"، واعني هنا المؤتمر السابع وغيرها من المسائل، لا اعتقد عندها ان العام 2015 سيكون مختلفًا كثيرًا عما مرّرنا به في عام 2014، وبالتالي هذا منوط بالمستوى السياسي الفلسطيني، وبالتحديد بطرفَي الانقسام، اللذين بات عليهما اليوم أكثر من قبل التوصُّل لإدارة سياسية من اجل ان تصبح المصالحة واقعًا ملموسًا".

رفع اسم حماس من قوائم الارهاب دافع لها وللفصائل في دعم القضية

يلفت رحال إلى أن المعطيات على الارض لغاية اللحظة لا تبشر بالخير، غير أنه يرى برفع اسم حماس من على ما يُعرَف بقوائم الارهاب الاوروبية مؤشرًا لمزيد من الانفتاح الفلسطيني الفلسطيني، حيثُ يوضح "هذا يعني ان حماس ستصبح، اذا جاز التعبير، جزءًا لا يتجزّأ من النظام الفلسطيني على قاعدة المشاركة، وبالتالي ينبغي أن يُعطي ذلك لحماس ولكل فصائل دافعًا لتحسين العلاقات الداخلية ولشراكة افضل ولاستثمار هذا الدعم الدولي خصوصًا ان هناك اعترافًا من مجموعة من الدول الاوروبية ومن البرلمان الاوروبي بـ"الدولة الفلسطينية"، وهذا بعد سلسلة من الخطوات الداعمة لنا بينها التصويت لصالح  انضمامنا للجمعية العامة للأمم المتحدة، وحق شعبنا في ممارسة سيادته على ثرواته الطبيعية. وبالتالي ينبغي لنا استثمار هذا المناخ الدولي الداعم لحقوق شعبنا في اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على المسرح الدولي والمنظمات الدولية في الاتحاد الاوروبي في عواصم القرار الاوروبي، ويجب ان يُستثمَر ذلك فلسطينيًا  أيضًا بحيث ينعكس ايجابًا على العلاقات الداخلية الفلسطينية الفلسطينية لأننا ان بقينا بحال الانقسام هذا فسنبقى ندور في حلقة مُفرغة".

 

حكومة الوحدة مقيّدة في الضفة وفي غزة

فيما يتعلّق بأداء حكومة التوافق الوطني يقول رحّال: "بصراحة لا أُحمّل الحكومة المسؤولية، ولستُ كذلك مدافعًا عنها ولا ناطقًا باسمها، ولكن الذي يتحكم بمقاليد الامور في الضفة الغريبة هي مؤسسة الرئاسة وحركة فتح اولاً، ويجب ان تُعطى مساحة أوسع للحكومة لتُماِرس مهامها وعملها في الضفة الغربية. صحيح يمكن ان يقال بأن الحكومة هي سيّدة نفسها وان رئيس الحكومة والوزراء يقومون بكل اعمالهم بدون أي تدخل، ولكن قد يكون لهذا الكلام بعد اعلامي، وانا اعتقد بأن الحكومة مقيّدة بالضفة الغربية بفعل التجاذبات الفتحاوية الفتحاوية. اما في غزة فالوضع لا شك مختلف تمامًا. فكما يعرف الجميع في غزة هناك سيطرة تامة لحركة حماس على مقاليد الامور من الناحية الامنية. وحركة حماس بعد أن قرأت المشهد جيّدًا، رمت الكرة في ملعب السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية بحيث اننا الآن نتحمّل، وهذا بطبيعة الحال، مسؤولية مليون وسبع مائة الف مواطن في قطاع غزة في الوقت الذي تمارس حماس سياستها وسيطرتها الامنية على جميع مقاليد الامور في قطاع غزة. وبالتالي كيف للحكومة الفلسطينية ان تدير الامور في قطاع غزة الا اذا كان هنالك عصا سحرية او ريموت كنترول للحكومة الفلسطينية في رام الله وان تستخدم هذه العصا في ادارة الامور؟! طالما أن حماس قبلت المصالحة الفلسطينية، فعليها ان تسلّم كل مقاليد الامور لمنظمة التحرير الفلسطينية وللحكومة الفلسطينية والسلطة الوطنية، أمّا ان تقبل المصالحة من اجل ان ندفع الرواتب ومن اجل ان نزوّد غزة بكل احتياجاتها، وهذا واجب وحق اهلنا في قطاع غزة لا شك، ثمّ تقول أنها عاجزة عن تأمين مهرجان الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد القائد ابو عمار في الوقت الذي امّنت فيه مسيرة لأتباع دحلان في قطاع غزة.. فهذا غير مقبول!".

ويخلُص رحال إلى أن العام 2015 لن يشهد انفراجات إلا في حال تمكّن الفلسطينيون من استغلال الفرص التي تأتيهم كإتمام المصالحة واستغلال قضية خروج حماس من قوائم الارهاب، إلى جانب الأجواء العامة بفعل مباحثات المحور التركي القطري، ووجود رغبة لدى الاوروبيين بإعادة الاعمار ورفع الحصار عن غزة ويضيف "ولكن لكل ذلك ثمن، ولعلّ هذه الدول تريد من حماس ان تعترف بالدولة على حدود الرابع من حزيران وان تقبل بقواعد اللعبة الجديدة".

 

نحن ضعفاء وسنخضع للابتزاز في المشروع المقدّم لمجلس الأمن

من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي د. احمد رفيق عوض أن القرار المقدّم لمجلس الامن سيمر معدّلاً ولن يبقى كما هو، ويضيف موضحًا "أعتقد أن القرار سيفقد زخمه ويفقد مضامينه الأهم، ولا اعتقد أنه سيمر كما هو، لا سيما في حال استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو، وبالتالي سيتم خفض سقف المطالب وستناله تعديلات كثيرة. فالمشروع والورقة الاصلية كانت فيها اقصى المطالب لكن التعديلات مثل القدس عاصمةً للدولتين بدون تحديد يعدُّ جزءًا من التنازلات في مسألة الحقوق المشروعة للاسرائيليين، وأيضًا التعديلات التي كان فيها نقاش كبير وهي مسألة الترتيبات الامنية اضافة الى مستقبل غزة والضفة وكيفية الربط بينهما، ومسألة الحرب ضد الارهاب وتعريف الارهاب وغيرها، وبالتالي فهكذا مشروع يأتي من قِبَل ضعفاء لا اقوياء، والضعفاء عادة ما يخضعون للابتزاز والتنازلات".

 

أداء الحكومة يحكمه الضعف..وغزة للانفجار

يؤكّد د. عوض أن الانقسام الفلسطيني قائم بشدة وتزيد من حدته عوامل عدة، ويضيف "مما يبدو في الأفق، وأرجو أن اكون مخطئاً، فإن الانقسام سيبقى كما هو عليه، ولن يتغيّر شيء إلا للأسوأ. واذا نظرنا لحكومة الوفاق الوطني وبالنسبة لأدائها فهي جزء من النضال الفلسطيني الذي هو عمليًا ضعيف وينتظر المانحين وعملُه مرتبط بسقف الاحتلال، وبالتالي فالحكومة مثلها مثل الملفات الوطنية الأخرى، ضعيفة لها سقوف ولها قيود وعليها ضغوط، ومن هنا نلاحظ ازمة النقابات، وأزمة التعامل مع غزة، وازمة الرواتب، وازمة التعامل مع الوضع الامني القائم، وكل ذلك يجعل من اداء الحكومة متواضعًا يحتاج الى اتفاق فصائلي ومجتمعي لتكون اكثر فعالية".

ويردف "اذا قيّمنا الوضع في قطاع غزة فربما سيشهد العام 2015 انفجارًا وتصادمًا مع المحتل الاسرائيلي لاسباب كثيرة أبرزها عدم وجود اعمار ووجود الحصار، وهذا الامر سيجعل الناس تتوقّع انها خدعة الحوارات المباشرة وغير المباشرة وستخرج عن صمتها بعد أن حاولت التعايش مع الواقع، وبالتالي أرجح ان يتجه الوضع نحو التصادم لا التسوية لا سيما أن اليمين هو من قد يفوز في انتخابات اسرائيل القادمة، وهو ما يدفعنا دفعًا الآن لتحقيق أقصى الأولويات في العام الـمُقبِل بالتحرر من الاحتلال وتحقيق المصالحة".

 

كثرة الاطراف المشاركة في القرار المقدم لمجلس الامن لن تعطينا كل مطالبنا

يرى الباحث في قضايا الحكم والسياسة جهاد حرب أن الوضع السياسي الفلسطيني الحالي لا يخولنا الخوض في معركة سياسية، وتعليقًا على ما قد تؤول اليه الأمور بعد تقديم القرار يقول حرب: "مشروع القرار هو مشروع قرار فلسطيني عربي جاء نتيجة لفشل المفاوضات الدنيئة وفقًا للمرجعيات او الظروف المتعلّقة بالمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. واليوم الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لا تريد انهاء الاحتلال بل تريد الابقاء على الوضع كما هو اليوم، وهذا ادى الى قناعة فلسطينية بضرورة استخدام وسيلة جديدة فيما يتعلّق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي ألا وهي اللجوء الى الامم المتحدة لإصدار قرار يتعلّق بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي او تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي. واعتقد ان المشاورات ما زالت في بدايتها بين اعضاء مجلس الامن، وفي كل الاحوال اذا ما نجح الفلسطينيون في الحصول على تسعة  اصوات مؤيّدة لمشروع القرار ستستخدم الادارة الامريكية الفيتو لإفشال إصدار القرار داخل مجلس الامن. وهنا ينبغي أن نُعيد التذكير بأن خطاب الرئيس محمود عباس في أيلول الماضي امام الجمعية العامة للأمم المتحدة حدّد ثلاث مراحل للعملية السياسية وهي: المباحثات مع الادارة الامريكية التي لم تُثمِر شيئًا، ثم الذهاب الى مجلس الامن لتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، واخيرًا ان فشل تطبيق المرحلتين الاولى والثانية يتم اللجوء للانضمام للمؤسسات الدولية باعتبارها ساحة ومن ساحات المعركة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي".

وعن تقييمه للمشروع قال: "عندما يكون هناك مفاوضات بين اطراف متعددة فأنت لن تأخذ كل ما تريد انما تأخذ صيغًا قد تكون معمّمة او غير مقبولة لأطراف محددة، لذلك باعتقادي حتى الآن صيغة القرار في مجمله جيّدة والهدف الاساسي هو انهاء الاحتلال الاسرائيلي على الرغم من بعض الهفوات في بعض الامور، ولكنني أرى أن بدء المشاورات السابقة بمشروع القرار، أي قبل عرضه على مجلس الامم،كان ضمن فلسفة سياسية فلسطينية تتعلّق بإحراج الادارة الامريكية لأن الجمهورية الفرنسية وبريطانيا -وهما دولتان رئيستان في الاتحاد الاوروبي وعضوان رئيسان دائمان في أي مجلس امن- قد شاركتا في صياغة مشروع القرار، بالإضافة الى التأييد الروسي والصيني، وهو ما سيجعل الولايات المتحدة مُحرَجة من استخدامها الفيتو. لكن هذا لا يعني أيضًا انها لن تستخدمه خاصةً أنها كانت قد وافقت خلال اليومين الماضيين على قانون المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية الاميركية من باب حماية اسرائيل، لذلك فباعتقادي نحن ذاهبون لاصطدام سياسي مع الادارة الامريكية في مجلس الامن، وهذا سيكون له تبعات خلال سنة 2015".

 

لسنا مستعدين لخوض معركة سياسية.. وحماس تحاول الضغط على الرئيس عباس

ينوّه حرب إلى أن الوضع السياسي العام لا يُشجّع على خوض أي معركة سياسية في العام 2015، ويوضح "على الرغم من وجود حكم حكومة الوفاق الوطني ولكن لا توجد مؤشرات ايجابية على استعادة الوحدة بالمعنى الكامل باعتبارها اداةً من ادوات النضال الفلسطيني، وبالإضافة الى الخلافات الداخلية فنحن مُقدِمون على المؤتمر السابع لحركة فتح وهناك تصفية حسابات بين القيادات السياسية في اطار الحماسة على البقاء داخل اللجنة المركزية والمجلس الثوري".

ويتابع: "في الوقت ذاته نلحظ أن ما يحصل في غزة اليوم من تحالف بين حماس والقيادي السابق في حركة "فتح" محمد دحلان يمكن قراءته على صعيدين. يتمثّل الأول وهو الأساسي، بأن حماس تريد الضغط على الرئيس محمود عباس في اطار تحالفها مع دحلان باعتبار انهم لم يحصلوا على ما يعتقدون انه جيد بالنسبة لهم من خلال المصالحة، وان الرئيس محمود عباس لا يرغب باستمرار بالمصالحة مع حركة حماس لهذا الشأن.

والشأن الاخر ان هناك مصالح لحركة حماس يجب قراءتها في اطار النفوذ الذي تحظى به في قطاع غزة، وهي تريد أي مدخل، مهما كان هذا المدخل، لإنهاء الحصار وفتح معبر رفح. وبالتالي فإذ كانت دولة الامارات او دحلان باستطاعتهما التخفيف من اغلاق معبر رفح، فلا شك أن حماس ستتحالف معه.

لذا لا اعتقد ان وضع المصالحة سيكون اسوأ مما هو الحال عليه اليوم، وبطبيعة الحال فهي ستمرُّ بتحسُّن وتقدُّم حينًا وفتور وتراجع حينًا آخر، لكن في ظل المؤشرات الحالية فإن استعادة الوحدة بشكل كامل يحتاج حدثًا أو ظروفًا غير متوقعة تساهم في التعجيل بإنهاء قضية الانقسام".

 

نجاح الحكومة مربوط بالسياسات الاسرائيلية والسياسات الداخلية الفلسطينية

حول قراءته لأداء الحكومة يقول حرب: "الحكومة بدأت منذ ستة اشهر تقريبًا، وتقييم الاداء مرتبط فلسطينيًا بناحيتين؛ الاولى هي العلاقة مع اسرائيل، بمعنى قدرة الحكومة على الانتفاع بخدماتها، وبما فيها الرواتب للموظفين، وهذا ينعش الاقتصاد على الاقل، وبالإجراءات الاسرائيلية المستخدمة لتسهيل حركة المواطنين الفلسطينيين وبالاقتصاد الفلسطيني او عدمه. أمّا الثانية، فتتعلّق بالمستوى الداخلي، وبشكل أدق بمسألة الحريات العامة، وحاليًا من الملاحظ أن الحكومة تسير بالاتجاه الصحيح في هذا الصدد رغم أننا نرى أن صدرها قد يضيق في قضايا معينة كما حدث مثلاً في قضية النقابات، واعتبار الجسر النقابي لنقابة الموظفين العموميين غير قانوني، والاعتقالات التي طالت ناشطين من نقابيين  وغير نقابيين، والإجراءات المتعلّقة بنقل موظفين من مكان لآخر، وهذه القضايا ليست متعلّقة فقط بالحكومة حيثُ أن  الاجراءات الاخيرة تمَّت بناء على تعليمات من الرئاسة وان كان بمشاورات او بتنسيق او بتعاون مع الحكومة".

 

اسرائيل تخشى المقاومة السياسية وتسعى لجرنا للعنف

يرى حرب أن كل المؤشرات تشير إلى وجود تضييق كبير على قطاع غزة وازدياد في صعوبة الأوضاع لا سيما أننا في فصل الشتاء وهناك بيوت كثيرة مدمرة والبنى التحتية مازالت منهارة، ويضيف "هذه المعطيات تعني إمّا الذهاب الى موجة عنف جديدة او معركة جديدة قد تسعى لها حركة حماس او تقوم الحكومة الاسرائيلية كما فعلت بالأمس بإطلاق صورايخ على خان يونس مما يجدد الاشتباكات المسلّحة، وهذا قد باعتقادي ربما يجدّد موجة عنف طويلة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين مما سيزيد معاناة شعبنا في قطاع غزة، وهو ما تريده اسرائيل أصلاً. فالحكومة الاسرائيلية لا ترغب بصراع سياسي على مستوى الامم المتحدة، لذلك هي تحاول جر الفلسطينيين الى عنف بالضفة او في قطاع غزة أو في مدينة القدس تحديدًا حتى تحرف الانظار في المجتمع الدولي وتحوّل قضيتنا  من قضية سياسية تُستخدَم فيها ادوات قانونية إلى قضية امنية يتعاطف المجتمع الدولي إزاءها مع اسرائيل حينها خاصةً أن إسرائيل لها "لوبي" واسع في المجتمع الدولي لدى الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية وبطبيعة الحال لدى الإعلام الأمريكي والأوروبي الذي يعمل على قلب الحقائق ضدنا".

 

بعد التعديلات..القرار بات اكثر وضوحًا

"أرى أن الخطوات السياسية والدبلوماسية التي تقوم بها السلطة ستؤدي لانتصار فلسطيني وإحراج للسياسة الامريكية والإسرائيلية في العام 2015"، يقول الكاتب والمحلل السياسي د.عبد المجيد سويلم معلّقًا على مشروع القرار، ثمّ يضيف "في المرحلة الاولى من التعديلات كان هناك محاولات لتحويل بعض الصيغ، الا ان القيادة الفلسطينية عدلَت عنها، واضافت تعديلات جديدة، واصبحت الآن الصيغة واضحة. فالقدس الشرقية هي عاصمة فلسطين، وتم الحديث بصورة واضحة وقطعية عن الاستيطان وكل أشكاله، وبالتالي فالصيغة الحالية المعروضة للمناقشة هي موضوعية وواضحة، وكانت هذه التعديلات بسبب ضغوط امريكية واوروبية من اجل وعد بتمرير المشروع، لكن عندما اعلنت الولايات المتحدة بأنها لن تصوت للمشروع، هنا القيادة الفلسطينية عدلت عما كان مُقترحًا. بالطبع ومن حيث المطلوب فلسطينيًا فإن الصيغة لا تلخص جميع المطالب، وهذا طبيعي، ولكن بعض الفصائل اعترضت من حيث الصيغة على فقرة رأوا فيها عدم وضوح البند المتعلّق بالقدس الشرقية كعاصمة للدولتين بمعنى عدم تحديد حدود، مع انها ضمنًا مفهومة والاتحاد الاوروبي اعترف بحدود القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين مبدئيًا، ومع ذلك فإن هذا الانتقاد من حيث الشكل وليس من حيث الجوهر ولنقل ان هذا الانتقاد في مكانه وبالتالي تمت الامور بصورة طبيعية. وبالنسبة للخلاف مع حركة حماس، فهو لا علاقة له بهذا النص او بذاك، لأن الخلاف مع حركة حماس خلاف جذري في امور كثيرة، وبكل الأحوال أعتقد أن الخلافات في اطار منظمة التحرير الفلسطينية قد سويت بالكامل بعد ان تم التعديل الذي اشارت اليه بخصوص القرار".

 

"فتح" تستوعب الخلافات.. ولا مشكلة في تشكيل تيار مستقل خارج الحركة

يؤكّد د. سويلم أن "ما حدث في غزة من مسيرة فتحاوية خرجت ضد الرئيس ابو مازن لا يضعف حركة "فتح" على الصعيد السياسي، ولكن ما قد يضعفها هو محاولة احداث الفرقة والفتنة الداخلية فيها. لذا اعتقد ان الحركة يجب ان تحل هذه المشكلة قبل المؤتمر، وهذا الحل ينبغي أن يكون من خلال الاطار الشرعي للحركة وليس باتجاه تصعيدي، وطالما أن الأمور تحت السيطرة فلا داعي للقلق لأن فتح حركة واسعة وتتسع لكثير من الخلافات، واذا كان لدى الذين يعترضون الان على سياسة حركة فتح من داخل الحركة نية لأن يشكلوا تيارًا مستقلاً خاصًا بهم شخصيًا لا اعتقد ان في ذلك اي ضرر، أمّا ان نتحدث كلنا باسم الحركة بصورة خارجة عن شرعيتها فهذا سيضر بوحدة الحركة وسمعتها وهو أمر مرفوض".

 

تحسُّن الأوضاع في غزة يعتمد على حماس

يرى د. سويلم أن تحسُّن الأوضاع في غزة على صعيد اعادة الاعمار وتلبية بعض الاحتياجات يعتمد على موقف حماس لجهة موافقتها على تسليم المعابر للسلطة الفلسطينية ولحكومة التوافق الوطني، مشيرًا إلى أن عكس ذلك سيؤدي إلى انفجار الوضع في القطاع.

وتعليقًا على أداء حكومة التوافق يقول سويلم: "على الرغم من ان هناك الكثير من الانتقاد للحكومة في عدم ديناميكيتها المطلوبة، الا انها بشكل عام تقوم بأداء طبيعي معقول، وربما يكون مقبولاً بالضفة. وبالنسبة للانتقادات الموجّهة لها فهي أمر طبيعي يُمارس من اجل تصويب وتعديل أي اعوجاج، ولكن يجب ان تكون الانتقادات مبنية على روح البناء وليس الهدم، وفي الوقت ذاته ينبغي أن تولي الحكومة المزيد من الانتباه للقضايا الاقتصادية والاجتماعية".

 

الظروف السياسية ستؤثّر سلبًا على الاقتصاد

يرى مدير عام التخطيط والسياسات في المجلس التشريعي د.هيثم دراغمة ان الاقتصاد الفلسطيني مرتبط ارتباطًا كاملاً بالاقتصاد العالمي وخصوصًا دول الجوار، إلى جانب خضوعه للاستقرار السياسي. وفي ظل الوضع السياسي الراهن الذي تمر به القضية الفلسطينية لا يخفي د.دراغمة أن الوضع الاقتصادي متجه نحو الأسوأ لافتًا إلى أن توجّه القيادة الفلسطينية للأمم المتحدة سيزعج الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها ممن لهم ثقلهم وتأثيرهم في السياسة العالمية، مما سينعكس بديهيًا على الاقتصاد. وحول ما أوردته بعض التقارير الاقتصادية العالمية والجهات المستقلة من إشادة بنمو شهدته الاراضي الفلسطينية على مستوى الاقتصاد الحديث، لفت إلى أن هذا  التطور مرهون باتفاق باريس الاقتصادي الذي لم يبقَ منه ما يخدمنا نحن كفلسطينيين سوى المقاصة (الضريبة) بجباية من الجانب الاسرائيلي.

 

ايجابيات وسلبيات ارتفاع الدولار على الاقتصاد الفلسطيني

الحديث في هذا الجانب من وجهة نظر د.هيثم دراغمة يتلخّص في جانبين، يفصّلهما قائلاً: "الجانب الأول هو تأثر السلطة الفلسطينية بارتفاع العملة الاجنبية، وهو تأثير ايجابي حيثُ أن كل المساعدات التي تأتي للسلطة تكون بالعملة الاجنبية مما ينعكس ايجابيًا كذلك على ميزانية السلطة. أما الجانب الثاني، وهو السلبي، فيكمن بأن المتضرر الحقيقي هو المواطن الفلسطيني لأن الغالبية العظمى من المواطنين يتقاضون اجورهم ويتعاملون بالشيكل وبالتالي انخفاض قيمته سيؤثر على القوة الشرائية لأي عائلة فلسطينية. وتكمن صعوبة حل هذه المشكلة في أنها لا تحل إلا بطريقتين. الأولى السياسة النقدية وهذه مستحيلة أصلاً لأننا لا نملك عملة وطنية خاصة بنا، والثانية رفع قيمة الفائدة، ولكن ذلك سيؤثّر على مصالح الناس الاخرى، ولا يمكننا ايضا ان نبيع بعض المدخرات التي توازي العملات". وعن أبرز مسببات ارتفاع  سعر الدولار يقول د. دراغمة "المسببات تدخل في ثلاثة مسارات. الاول هو ان امريكا تريد ان تخدم عددًا من الحلفاء برفع الدولار، وبذلك تُسدّد ضربة سياسية لعدد من الخصوم وعلى رأسهم روسيا وايران للضغط عليهما اقتصاديًا، وبالمحصلة يمكننا التنبؤ بأن الدولار لن يصل الا لأربعة شواقل ونصف او اقل بقليل لأن امريكا لا يمكنها ولا بحال من الاحوال ان تُبقيَ سعر عملتها على ما هو عليه، لأن ذلك سينعكس سلبًا عليها بحكم كون معظم صادراتها بالدولار، وعندها فالمستورِد منها سيبدأ بالبحث عن دولة اخرى يستورد منها بعملة اقل سعرًا، ولكن ذلك في الوقت نفسه يصبُّ في مصلحة كيان العدو بما ان صادراته بالدولار، واسرائيل لها دور في خفض الشيكل فكل من تحدثوا عن هذه المشكلة لم ينوّهوا إلى أن اسرائيل تعمّدت ذلك، وهذه رسالة واضحة لمن يظن ان اي دولة قادرة على التأثير بالاقتصاد الامريكي كما يُشاع ان الصين او اليابان تستطيع فهذا غير صحيح، وذلك واضح من خلال سحب امريكا لعدة شركات عملاقة من الصين الأمر الذي أثّر على الاقتصاد الصيني بشكل كبير جدًا. فالاقتصاد الامريكي قوي ومتين وأمريكا تستطيع ضخ الدولارات كما تشاء دون قيود عليها".

 

على السلطة البحث عن استثمارات دائمة ومنتجة بدلاً من المساعدات

يشير د. دراغمة إلى أن أبرز السياسيات المالية التي من الممكن ان تلجأ الحكومة إليها للنهوض بالاقتصاد هي التخفيض في النفقات وتحصيل الايرادات وتنفيذ اجراءات لها علاقة بالمستوى الاداري على مستوى المؤسسات للحد من أزمة التسرب الضريبي، وتفعيل الرقابة على السوق الفلسطيني وعلى الاسعار، مستدركًا "ولكن بلا شك يبقى الخيار الاهم للحكومة لمعالجة الازمة الاقتصادية هو البحث عن استثمارات مستدامة. فالحديث عن معالجة الازمة بدون البحث عن مصادر دخل دائمة هو خداع للنفس فالاعتماد على المساعدات ليس حلاً".

 

سنة 2015 ستكون اكثر تأزُّمًا اقتصاديًا من سابقتها

يرى الخبير في الشأن الاقتصادي د. نصر عبد الكريم ان المشهد الاقتصادي الفلسطيني لعام 2015 سيزداد صعوبة لا سيما في نصفه الأول على ضوء التوجه الفلسطيني لمجلس الامن لافتًا إلى أن ذلك سيفتح الباب امام مواجهة مع اسرائيل التي لن تتوانى حينها عن فرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين كما كانت فعلت في السابق، ويتابع "اذا ما واصل الدولار الارتفاع مقابل الشيكل، فربما سنشهد المزيد من الضغوط التضخُّمية  أي كالارتفاعات النسبية بأسعار كثير من السلع  والخدمات، وبالتالي يصبح لدينا بطالة اعلى مع زيادة بالأسعار، وهذا سيؤدي لتباطؤ النمو الاقتصادي. وفي الشق الأخير يوضح "النمو الاقتصادي الفلسطيني اعتمد في السنوات الماضية، ولا يزال، على الانفاق الحكومي الذي يعتمد أكثر من ثلثه على المساعدات  الدولية، ولكننا الآن نشهد تراجعًا في هذه المساعدات بحسب آخر تقرير لوزارة المالية حيثُ أظهر أن ما دُفِع للخزينة لا يتجاوز 60% من الالتزامات الأمر الذي سيرتّب ديونًا أكبر على السلطة، ويقلّل من انفاقها مما يعني تباطؤ النمو، وعندما يتباطأ النمو مرة اخرى فإنه سيضر بخزينة السلطة فتتراجع فرص العمل وهكذا دواليك في هذه الحلقة المغلقة في الدورة الاقتصادية الفلسطينية، علاوةً على أن الاستثمارات الخاصة في الاقتصاد الفلسطيني قطعًا لن تكون افضل مما كانت عليه في السابق لأنها ترتبط بالاستقرار السياسي والأمني وطالما أن هذين العاملين غير متوفرين فمن الصعب الحديث عن أية استثمارات لا سيما اننا ما زلنا امام ملف معقد والأداء فيه بطيء جدًا وهو ملف انهاء الانقسام وما يرتبط به من اعمار لغزة وغيره، وهذه كلها معطيات ترجّح ان المشهد الاقتصادي الفلسطيني سيكرر نسخته الاصعب لعام 2014 هذا إن لم يكن بصورة أكثر قتامة".

 

تأثير محدود لارتفاع الدولار على الاقتصاد والسلع الفلسطينية

يشير د. عبد الكريم  إلى أن الدولار حين يرتفع فإن ذلك يكون بشكل بسيط للغاية وهو يضر فئة محددة من المجتمع الفلسطيني وهي الفئة التي تأخذ رواتبها ومدخولها بالشيكل، لأن معظم الالتزامات تُدفع بالدولار مما سيحمّل هذه الفئة عبئًا اضافيًا لدفع المزيد من الشواقل. أمّا بالنسبة لمن يتقاضون راتبهم أو يأتي مدخولهم بالدينار او الدولار- وهم فئة لا بأس بها- فهؤلاء لن يتضرروا، بل إنهم حتى قد يصبحون في وضع افضل من حيث القوة الشرائية إذا لم ترتفع الاسعار بشكل كبير.

ويضيف "وقد لا يكون لهذه المسألة اثار سلبية بالضرورة، ففي السنوات الأخيرة كان  هناك توجُّه لدولرة الاقتصاد الفلسطيني، أي استخدام الدولار اكثر في حياتنا، وهذه الدولرة دفعت كثيرًا من  الاشخاص للادخار في البنوك وامتلاك أصول مُقيّمة بالدولار او الدينار، وكلاهما سيان، وبالتالي فأي ارتفاع بأسعار الدينار او الدولار يكون ايجابيًا ومفيدًا لهم وللاقتصاد الذي ستزاد حصته من الدولار بازدياد المتعاملين به. لذا لا ارى موشرات حادة سلبية او ايجابية لارتفاع الدولار على الاقتصاد الفلسطيني لأن التأثيرات متضاربة فالبعض سيتضرر ولكن البعض الآخر سينتفع وبالتالي ستكون محصلة جمع التأثيرين قريبة من الصفر".

من جهة ثانية ينوّه د. عبد الكريم  إلى أن أي ارتفاع في اسعار السلع سيكون مصدره الوحيد هو الارتفاع بسعر الدولار، وذلك لأن معظم ما يستهلكه الفلسطينيون مستورد وليس من صناعة محلية، وحتى وإن كانت مادة الانتاج الخام محلية فإن الخدمات والطاقة المطلوبة لإنتاجها مستورَدة، ويردف "معظم انتاجنا معرض لتقلبات أسعار صرف الدولار بالاسواق العالمية لأن معظم تعاقداتنا بالدولار حتى مع دول كالصين وتركيا لأن هذه الأخيرة تتعامل بالدولار لكونه عملة صعبة، وبهذا المنطق إن ارتفاع الدولار سيعني ارتفاعًا في أسعار السلع لدينا، ولكن لا بد من التنويه إلى أن هذا الارتفاع سيكون بسيطًا، وذلك لأن العلاقة بين سعر الدولار وسعر النفط علاقة عكسية، اي انه عند ارتفاع سعر الدولار يتم تعويضه بخفض سعر النفط، اي ان احد اهم عناصر تكلفة الانتاج في اي مصنع او اي مؤسسة وهو الطاقة سينخفض بشكل كبير وحاد، ويعادل الانخفاض الارتفاع حينها. كذلك فقد أظهرت التقارير الإسرائيلية الأخيرة أن  التضخم جاء اقل بكثير مما كان متوقّعًا. وبالتالي اظن ان ارتفاع الأسعار لن يكون ذا شأنٍ كبير بالمجمل إلا على بعض السلع. وبرأيي سيبقى التضخم في عام 2015 قريبًا لعام 2014 يعني بين 2-3%، وهو منذ عامين أو ثلاثة لم يزِد عن 3%".

 

عوائق عدة امام اعمار غزة وتحسين الاقتصاد

يرى د. عبد الكريم أن توقعات انتعاش الاقتصاد اذا بدأت عملية اعمار قطاع غزة مبنية على افتراضات، ويعلّق بالقول: "ليس هناك شيء مؤكّد حتى الآن، ولكن الترجيحات تشير إلى أن الانقسام او ملف المصالحة لن ينتهي الى ما يطمح به الفلسطينيون، وبالتالي نتوقّع عندها أن عملية إعادة الاعمار ستبقى تسير ببطء شديد، وربما قاتل، وهذا ايضًا مبني على الفرضية الاولى والفرضية الثانية أي ان ندخل بمواجهة سياسية مع اسرائيل، ويبقى هذا الصراع مفتوحًا متصاعدًا. إذًا فهذه الافتراضات، إن صحَّت، سيكون المشهد الاقتصادي الفلسطيني اكثر صعوبة هذا العام، وقد يكرر نسخة الركود والمرواحة الاقتصادية وتباطؤ النمو الاقتصادي. أمّا في حال اتمام المصالحة وإنهاء الانقسام، وهو احتمال ضئيل، فهو قطعًا سيغيّر المشهد الاقتصادي بشكل جدي وجوهري، لأن ذلك سيمكّن الحكومة من فرض سيطرتها في غزة، وبالتالي ستجري عملية اعاده الاعمار بالسرعة المطلوبة، وسيتبع ذلك انفراج بالملف السياسي الامني مع اسرائيل اذا كان هناك انفراج على المستوى الدولي، ويقترب الفلسطينيون عندها من انجاز حقوقهم الوطنية، وسيتواصل تدفُّق المساعدات الدولية، وهذا لا شكّ سيناريو نأمل تحقُّقه ولكن احتمال ذلك ضعيف جدًا".

 

خيارات السلطة لحل مشاكلها المالية باتت ضعيفة مع مرور السنين

حول خيارات السلطة لحل مشكلاتها المالية يقول د. عبد الكريم: "مع مرور الزمن فقدت السلطة كل خياراتها الاقتصادية وتعمّقت الازمة، وتراكمت بشكل كبير للغاية، وأصبح من الصعب على اي حكومة أو سُلطة في ظل  ظروف ومقيّدات ومعيقات خارجية قبل الداخلية ان تواجه الازمة. بالطبع هناك بعض الخيارات التي تُطرح كلما حدثت ازمة كالدعوة للتقشّف وتحسين الجباية، ولكن هذا لربما يحلّ جزءًا فقط من الازمة، وذلك اذا ما احسنا الاستفادة منه، ولم نبق الأمر كلامًا بدون فعل حيثُ اننا نرى يوميًا كيف تزداد النفقات والتهرُّب الضريبي، وحتى لو استخدمت هاتان الوسيلتان، فذلك لن يحل مشكلة اذا ما قرر الكيان الاسرائيلي ان يمارس عقوبات جدية علينا ولن يحل مشكلة اذا ما قررت دولة او اكثر من دولة ان تحجب المساعدات عنا خصوصًا أن الحكومة حاليًا عليها ديون تقترب من 5 مليار دولار، وفي الوقت ذاته فإن العجز في الموازنة يتزايد وهناك احتياجات غزة وإعادة الاعمار والنفقات الأخرى في غزة كالموظفين الذين كانوا مع حكومة حماس المنحلة فهم بحاجة الى  400-500 مليون دولار اضافة فقط لرواتبهم، واذا تم تسوية هذه الملفات قانونيًا فإن الاحتياجات ستتزايد بشكل كبير، وبالمقابل يبدو افق الاقتصاد الفلسطيني محدودًا، لذا برأيي فإن الحل الأنسب والأسلم والأكثر نجاعة يكمن بإيفاء أشقائنا العرب وأصدقائنا بما التزموا به من  شبكة امان عربية مالية لدعم القدس ودعم إعمار غزة، فهم أعلنوا سابقًا عزمهم على دفع مليارين ونصف إلى ثلاثة مليارات، وتبرّعوا لغزة والقدس بـ500 مليون ومليار، ودائمًا يقولون أنهم يريدون التبرع للضفة الغربية بـ100 مليون وتشكيل شبكة امان حين نتعرض لعقوبات، ولو أنهم يوفون بهذه الالتزامات، وهي جزء يسير مما يملكون من ثروات، فعندها سنتمكّن من تجاوز الأزمة إلى حين انتهاء الاحتلال، أمّا إن بقوا في موقع المتفرجين وواصلوا دفع مساعداتهم بـ"القطارة" فعندها من الصعب الحديث عن خيارات على الاطلاق".

 

تحسُّن الاقتصاد الفلسطني يخضع لعوامل خارجية

يلفت عميد كلية الأعمال والاقتصاد في جامعة القدس د.محمود  الجعفري إلى أن "ارتفاع اسعار العملات بالنسبة للشيكل سيكون له انعكاسات ايجابية على الموازنة لأن بنود الصرف بالشيكل والإيرادات بالدولار، وكذلك الأمر بالنسبة لارتفاع اسعار الواردات التي ستساهم في زيادة ايرادات المقاصة، وعلى تعويضات العمال في اسرائيل التي سوف تزداد من ناحية الشيكل ولكن ستنخفض من ناحية القيمة الحقيقية للدولار، ويخلص إلى أن "تصويب الاقتصاد الفلسطيني أمر ليس في يدينا نظرًا لارتباطه بعوامل خارجية بغض النظر عن كون تأثيرها سلبيًا أم ايجابيًا".

أمّا عن الاستثمار في فلسطين فينوّه د. الجعفري إلى أن ذلك يقتصر على استثمارات في البنوك بتمويل ايداعات من الخارج واسهم وسندات وفي الفنادق وهذا يقدر بـ130 مليون دولار، مشيرًا إلى أن هذه التدفقات المالية من الخارج ليس لها تأثير على الاقتصاد بشكل مباشر لأنها مجرد ايداعات في السوق المالي لا استثمارات في قطاعات الصناعة والزراعة والبناء.

 

رفع ضريبة الاملاك بنسبة 100% لتعويض العجز في الميزانية

ويضيف د. الجعفري "ارتفاع الاسعار سوف يؤدي الى زيادة معدل التضخم وإضعاف القوة الشرائية مما سيضطر الحكومة الى رفع الرواتب وسيزيد الضغوط على الحكومة وسيؤدي الى تضخُّم النفقات مما سيدفعها للبحث عن حل لرفع الايرادات وهذا للأسف ما سعت له الحكومة عبر ضريبة الاملاك بنسبة 100%، وهذا دفع البعض للاعتراض، وهو ما أرجح أنه سيُطبّق مجدّدًا في السنة المُقبِلة، فمن كان يدفع 1000 دينار سيدفع 2000 وهذا شيء مؤسف لتعويض عجز الموازنة برفع الضريبة على الممتلكات.

 

الإنقسام يُدار بذهنية إقتصادية لا وطنية

من جهته يرى الصحفي والشاعر عرفات الديك ان الازمة تعمّقت وان الاعتراف بالدولة يجب ان يصاحبَ بنتائج على ارض الواقع كحماية الشعب الفلسطيني من الاجرام الاسرائيلي، ويضيف "في الحقيقة لا يزال الأداء السياسي مشروخاً. ففي الوقت الذي تجنّد فيه السلطة الوطنية الفلسطينية كل طاقاتها من أجل الحصول على اعترافات متوالية بالدولة الفلسطينية المنشودة، هناك ما يمكن وصفه بالإهمال الكبير داخلياً، فالسلطة لم تنجح حتى اللحظة في اقناع الكل الفلسطيني أو الغالبية على الأقل بالالتفاف حول هذا الخيار، وهو ما يجعله يبدو كخيار خروج من مأزق أو تنويم سياسي.

فالفلسطيني كان ينتظر بعد حصول فلسطين على مقعد في الامم المتحدة- ولو كان بصفة مراقب – أن يرى اسرائيل وقادتها عرضة للمحاكم الدولية وهو أمر لم يحدث، وها هو يتساءل اليوم: ماذا سنفعل بكل هذه الاعترافات الدولية بنا كدولة إن لم نستطع التحرر حتى اللحظة من سطوة اسرائيل وجرائمها؟ ولماذا علينا أن نصفق لهذه الاعترافات اذا كانت الدول الـمُعتِرفة بنا لا تفعل شيئاً لوقف البناء في مستوطنة واحدة؟!".

ويضيف "اذا اردنا قطاع غزة موحّدًا مع الضفة فيجب ان ندير الانقسام بذهنية وطنية لا اقتصادية، لكن للأسف العكس هو ما يحصل. والسلطة اليوم بحاجة لضم حماس تحت جناحها ولو كلّفها الأمر الإنفاق على وجودها، لأن ذلك سيساعدها في مساعيها السياسية وفي الخطط البديلة في حال فشل هذه المساعي. وحماس بحاجة لغزة رهينة في يدها كضمانٍ وجودي، وستبقي باب المصالحة موارباً كخطة بديلة في حال تخلّى عنها الأصدقاء أو أضعفتها النفقات على جغرافيا مأهولة بالبطالة وقلة الموارد والمنافذ. وأعتقد أن اي مصالحة ستحدث ستكون أبعد ما يكون عن كونها نابعة من حاجة لتوحيد الصف الوطني، ولو كنتُ مخطئاً لكانت الـمُصالحة تمت منذ وقت طويل وما كان الحال الآن على ما هو عليه".

 

2015 توأم 2014

وحول آفاق العام 2015 يقول الديك: "يمكن قراءة العام القادم من الحالي، وأعتقد أن ثمة ملامح يمكن أن توصلنا إلى هذه القراءة، وهي:

أولاً: غياب أكبر لدور الفصائل الوطنية المختلفة بسبب اتساع المسافة بينها وبين الناس، ويؤشر على ذلك كل تلك العمليات الفردية التي حدثت خلال هذا العام على هيئة حوادث طعن ودهس وغيرها، فالقاسم المشترك بين هذه العمليات انها لم تكن تنظيمية ابداً، وإن تبنّت بعض الفصائل منفذي بعض هذه العمليات. وهذا أمر لم يحدث خلال الانتفاضة اذ كانت العمليات منظمة والخلايا تتحرّك بأوامر سياسية. وفي هذا مؤشر على أن القادم هو شعبي بمعنى الكلمة.

ثانياً: هناك حالة من الاحباط المتراكم في مختلف الجغرافيا الفلسطينية، ففي الضفة الغربية مشاهد من الديكتاتورية السياسية وخوف من انقلاب الطاولة والدخول في المجهول تحكم الناس، وفي قطاع غزة ديكتاتورية عسكرية صلبة ولا تتهاون مع من يختلف معها وترعب الناس من مجرد انتقادها، وفي القدس والداخل الفلسطيني جيلٌ مُتيقّظ أكثر بقليل من سلفه، يشعر أيضاً بالخوف من ضياع مكونات هويته وما تبقى له. لا أعرف أين سيبدأ الأمر أو متى، لكنه لن يكون دبلوماسياً ولا ضمن نطاق السيطرة السياسية حين يحدث. إذ يتحرر الناس من مخاوفهم حين يُصبح ما هم فيه أكبر من هذه المخاوف".

 

سياسة ابو مازن تُعارَض في البداية وتُفهم في النهاية

اما المدرب في مجال الاعلام ومسؤول المتابعة والتقييم في مركز تطوير الإعلام التابع لجامعة بيرزيت عماد الاصفر فيرى أن سياسة الرئيس ابو مازن تُفهَم في وقت متأخر وان السلطة باتت اكثر عقلانية في ممارسة امورها السياسية من اوقات سابقة، ويتابع موضحًا "غالبًا ما تُقابَل السياسة العقلانية والدبلوماسية الهادئة للرئيس ابو مازن بعدم قبول وإعجاب من قِبَل الشارع الفلسطيني في البداية، ولكن يتضح فيما بعد ذلك انها السياسة الأصوب تبعًا للمعطيات، فيعود الشارع الى تأييدها، وقد حصل ذلك عدة مرات عند التوجه للحصول على عضوية الدولة، وعند عدم التدخل في مجريات الربيع العربي وفي الموقف المسؤول والواقعي من الحرب على غزة، وهو ما اعترفت به جماهير حماس قبل غيرها. إجمالاً طموح ومطالب وحقوق المواطن الفلسطيني اكبر بكثير من ان تحققها خطوات سياسية في الواقع الراهن، والمطلوب هو التقدم الحثيث باتجاهها واستمرار البقاء في ظل اوضاع تتحطم فيها انظمة ودول قوية مثل سوريا والعراق".

ويتابع الأصفر "اعتقد ان الخطوات السياسية الاخيرة للقيادة الفلسطينية كانت مرنة ومدروسة بحيث تضمن عدم تعرض الفلسطينيين لأي حصار او عقوبات او قطع مساعدات دولية وهذا امر مهم، ويندرج في اطاره ايضًا اتمام المصالحة مع غزة بشكل يضمن تدفق المساعدات لإعادة الاعمار بموافقة دولية، وهو ما يجب ان تسهّله قيادة حماس عبر التسليم الفعلي للسلطة والكف عن توتير العلاقات مع مصر لضمان فتح المعبر والتوقف عن العلاقات المتأرجحة مع ايران على حساب الاطراف العربية".

 

لا نتائج مرجوة من اي مفاوضات مقبلة

وفيما يتعلّق بالمفاوضات يعتقد الأصفر أن لا نتائج مرجوة من اي مفاوضات مُقبِلة لافتًا إلى أن المعطيات على الارض تشير الى تصلّب اسرائيلي ومزاج يميني متطرّف آخذ في التصاعد، ويضيف "مع ذلك فلا بأس في الانسجام مع الرغبات الدولية وان نمارس نحن ايضا تشددنا على طاولة التفاوض من دون اغلاق باب التقدّم الحثيث نحو عضوية المؤسسات الدولية كافة. ويبقى الاهم هو تمتين وضعنا الداخلي ويتصدر ذلك تجديد شرعية النظام الفلسطيني عبر الانتخاب وتحديثه وتطويره ليراعي المستجدات".

وبهذا يتضح أن هناك العديد من التوقعات بالنسبة لعام 2015، وكيف سيكون على الفلسطينيين وخصوصًا ضمن سعي القيادة الفلسطينية لنيل دولة فلسطينية، وما قد يترتب على ذلك من محاربة وعقاب مما سينعكس على السياسة والاقتصاد ومجالات اخرى. وبين التفاؤل والتشاؤم يبقى علينا الانتظار لنرى كيف تترجم كل تلك التوقعات على ارض الواقع، وكيف سيكون العام 2015 على فلسطين.

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي