خاص فلسطيننا- حوار: فاطمة الاسدي

طبعَت المرأة الفلسطينية طيلة 66 عامًا وأكثر بصمتها على خارطة النضال، وتصدَّرت ولا زالت تتصدر شتى أنواع التحديات وتؤدي جميع المهمات التي من شأنها خدمة قضية فلسطين العادلة في الوطن والشتات ولا سيما في لبنان. وللإطلاع على الدور النضالي للمرأة الفلسطينية في لبنان  وكيفية مواكبتها للأحداث المتعلّقة بوطنها، كان لنا هذا اللقاء مع عضو قيادة إقليم حركة "فتح" في لبنان مسؤولة مكتب المرأة الحركي في الإقليم وعضو المجلس الاداري والهيئة الادارية باتحاد المرأة زهرة ربيع الوكّال.

هل لكِ أن تلخّصي لنا من خلال تجربتك الدور الذي أدّته المرأة الفلسطينية في لبنان بوصفها شريكًا في النضال بكافة أشكاله؟

لم تألُ المرأة الفلسطينية جهدًا في تأدية واجبها الوطني والدفاع عن فلسطين رغم عادات وتقاليد مجتمعنا الفلسطيني. فقدَّمت الدعم المعنوي لأشقائها من الفدائيين، وجمعت التبرعات ولا سيما خلال معركة الكرامة، بل وحملت السلاح لتقاتل في خندق واحد مع شريكها الرجل، وكان للتجربة النضالية للمرأة الفلسطينية في الوطن نفس الصدى في لبنان. وأنا كامرأة فلسطينية افتخر واعتز بالتحاقي والتزامي بالثورة، وبأنني وأخواتي من المناضلات حملنا السلاح في العام 1974 بسبب الأوضاع الأمنية التي مثّلت خطرًا علينا، ودافعنا عن أحيائنا ومناطقنا تماماً كما فعل الرجل.

ولاحقًا أخذت المرأة تؤدي دورًا فعّالاً على مستوى العمل النقابي والتنظيمي، ولا سيما بعد تدمير مخيم تل الزعتر، وكنتُ آنذاك عضوًا في الاتحاد وعضوًا في حركة "فتح"،  وكان هناك تداخل ما بين العمل النقابي والعمل التنظيمي، وبعد نزوح أهلنا من المخيم تركَّز عملنا على تقديم الخدمات معتمدين على التنسيق بيننا وبين مؤسسات دولية بينها منظمة اليونيسيف.

ثمَّ كان الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 فعانينا ما عاناه الشعب الفلسطيني من حصار للمخيمات واعتقال للشبان، وكانت مهمتنا إيصال المساعدات والذخائر للفدائيين، وتوفير المؤن الضرورية للمحاصرين في المخيمات، إلى جانب زيارة الجرحى والمشاركة بتشييع الشهداء وتنظيم المسيرات.

وبعد الانسحاب الإسرائيلي زارت وفود أجنبية مخيم البرج الشمالي ومخيم عين الحلوة، وفي ذلك الوقت كان جميع المقاتلون والشبان في المعتقلات الإسرائيلية، وكانت المخيمات قد دُمِّرت عن بكرة أبيها، فأدّت النساء دورًا كبيراً بإعادة إعمار البيوت، الأمر الذي دفع الوفود الأجنبية لإطلاق تسمية "مملكة النساء" على المخيمات، وهذا ما هو إلا جزء مما بذلته المرأة إضافةً إلى وقوفها إلى جانب الرجل في الجانب العسكري والخدماتي والاجتماعي.

وبعد العام 1985 وضعنا كمكتب حركي للمرأة، إستراتيجية وخطة جديدة وهي الانتقال من الخدمات للتأهيل. وكان في هذه الفترة أن تزايدت الاحتياجات في ظل الوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي وعدم توفر فرص العمل، فعملنا على مستوى الاتحاد- وتحديدًا بشخصي وشخص مسؤولة الاتحاد في لبنان حاليًا الأخت آمنة جبريل- بهدف الحصول على دعم مالي من اليونيسف لتأسيس مشروع قروض للنساء، ونجحنا بذلك، وكانت انطلاقة المشروع في العام 1996- 1997 على مستوى منطقة الجنوب، ووجدنا اقبالاً واسعًا من النساء، فعملنا على تأهيل قدراتهن وواكبناهن في اطلاق مشاريعهن. وإلى جانب ذلك، أسّسنا صفوفًا لمحو الأمية، وتمكّنا من خلال هذا المشروع على مدار السنوات من خفض معدّل الأمية بنسبة 90%، كما استطعنا أن نعيد عددًا من المتسرّبات من المدرسة لصفوف الدراسة بالتعاون ونسج العلاقات مع المدارس، وفي فترة لاحقة وسّعنا دائرة القروض بالتعاون مع اليونيسف لتشمل النساء والرجال على حد سواء، وتمكّنا من تأمين مستلزمات المكاتب بعد ان كنا لا نملك شيئًا سوى الورق للكتابة، وأنجزنا عدة مشاريع مثل "القرض الدوار"، ومشروع التدعيم الدراسي للطلاب الذين يعانون صعوبات تعلُّمية، إلى جانب تشجير بعض المخيمات، وكنا في الريادة على صعيد أعمال الإغاثة والخدمات طوال فترة الحرب و في أية محطة صعبة كان تطرأ.

وخلال الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان في العام 2006 مررنا بفترة صعبة وكان يترتب علينا جهد كبير، لا سيما مع استقبال أبناء شعبنا لإخواننا اللبنانيين في مخيمات الجنوب وبيروت في المنازل والمدارس، فعملنا على توفير احتياجاتهم كافةً بالتنسيق مع المؤسسات، وحاولنا قدر المستطاع أن نُثبِتَ أننا والشعب اللبناني اخوة من دم واحد، فنحن لا ننسى احتضان الشعب اللبناني لنا كلاجئين، ونقدّر ذلك للبنان رئيساً وحكومة وشعباً.

أّما بخصوص الجانب التربوي، فقد حرصنا منذُ البداية على انشاء روضات للأطفال، واليوم هناك 19 مركزًا ما بين روضات ومؤسسات حركية وتربوية ومراكز شبابية وأندية ومكاتب تتوزّع في جميع المخيمات، وهذا بدوره لم يأتِ من فراغ ولكن من خلال جهد وتنسيق مع المؤسسات. كما عملنا على تدريب مدربات رياض الأطفال على تقنيات جديدة من خلال دورات تدريبية. وقد نجحنا في المحافظة على التراث والنسيج الفلسطيني من خلال تأسيس مراكز للتراث في المخيمات وإحياء المعارض والدورات التثقيفية ونقل الذاكرة والموروثات من جيل لجيل عبر أحدايث كبارنا، ومن هنا كانت فكرة تأسيس مراكز للمسنين تمكنهم من إيجاد مساحة للترويح عن انفسهم من خلال الحديث عن فلسطين وعن قصصهم وعن إرث بلداتهم وقراهم، وكنا نأتي بطلاب المدارس والروضات ليستمعوا إليهم لنكذّب مقولة غولدا مائير بأن الكبار يموتون والصغار ينسون، وليبقى أطفالنا محافظين على تواتر الذاكرة ونقل الذاكرة من جيل لجيل عبر التوثيق والاهتمام بكبارنا.

ومؤخّرًا وبعد نزوح آلاف العائلات الفلسطينية من مخيمات اللجوء في سوريا ترتّبت علينا قضايا ومسؤوليات كبيرة تتطلّب إمكانيات تعجز دول العالم عن تقديمها، فتوجّهنا لمؤسسات دولية وقمنا بالتنسيق معها على المستوى الدولي ونجحنا بتوفير أغطية وفرش وسلات غذائية للعائلات، وقدّمنا المساعدة والمشورة على صعيد الاقامات. أمَّا على صعيد الطبابة والصحة، فقد تمكّن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في فلسطين من جمع مبلغ 300 ألف دولار رُصِد منها 200 ألف دولار لسوريا والباقي خُصص للنازحين في لبنان. بالإضافة إلى ذلك عملنا على إدراج الأطفال من النازحين في الروضات وأعفيناهم من أية رسوم، ووفرنا العلاج بمراكزنا بالتعاون مع اليونسف لمن تعرَّض من الأطفال لحالات نفسية أو صدمات إثر الحرب، وعملنا على تحويل بعض الحالات لمركز الاستماع.

وخلال شهر رمضان الكريم وزعنا سلات غذائية ومبالغ نقدية من فاعلي خير لعدد من الأيتام، بالإضافة الى تنظيم افطارات رمضانية.

ما هي آخر المشاريع التي تعملون عليها على مستوى اتحاد المرأة والمكتب الحركي للمرأة؟

ليكون العمل منظّمًا نضع على مستوى اتحاد المرأة ومكتب المرأة الحركي خطة سنوية لتنظيم مهامنا بالتوازي مع العمل التنظيمي والنقابي، وحاليًا نحن مستمرون في برامج روضات الأطفال والتدعيم الدراسي ومراكز الاستماع، بالإضافة إلى الانشطة الموجودة والأندية والمساعدات بحسب ما يتوفر، ومشاريع القروض وآخرها المشروع الذي خُصّص لخريجي معهد "سبلين" لمساعدتهم على افتتاح مشاريع خاصة بهم، وكذلك فمشروع التكافل الاسري مستمر وهذا بفضل اهتمام الرئيس ابو مازن الذي نوجّه له التحية على جميع المشاريع التي اسسها في لبنان للتخفيف من معاناة الأهالي كصندوق الطالب الفلسطيني، وصندوق الاستثمار، وصندوق التكافل والضمان الصحي وهي مشاريع مدعومة من اثرياء فلسطين في الخارج والمهجر.

أمَّا على مستوى مكتب المرأة الحركي في لبنان، فنحن نعمل حسب النظام الداخلي وحسب توجيهات أمين سر الإقليم، الحاج رفعت شناعة، ونعقِد اجتماعات تنظيمية، وهذه الاجتماعات ليس الهدف منها مجرد الجلوس للاجتماع بل توعية إخوتنا في الأُطر سياسياً وثقافيًا بثقافة الحركة والفكر الفتحاوي، ونحن نحرص على الالتزام بالاجتماعات والأنشطة والفعاليات سواء أكان على صعيد التنظيم أو المشاركة، ولنا الفخر أنه يُقال أن المرأة حاضرة بشكل فاعل دائمًا في كل المناسبات، ونتمنى أن نواصل عطاءنا بهذا الزخم.

والآن ننظِّم دورات تدريبية تثقيفية بحسب النظام الداخلي، بدأنا بها في صيدا، لمواكبة الوضع السياسي الدائم، ومن المعروف أن أُطر المرأة من أكثر الأطر فعالية والتزامًا، ولأن المسؤولية ريادة واستجابة، فعلى المسؤول أن يكون قدوة لأن التزامه ومتابعته للأمور التنظيمية ينعكسان التزامًا من قِبَل الإطار. كما نحرص على نسج علاقة فتحاوية وأخوية مع المجتمع، ولا سيما من خلال بعض الزيارات تحت المسمّى الإنساني، ونعمل بالتنسيق مع الجمعيات والمؤسسات الموجودة كإطار للوقوف عند حاجات أهلنا في المخيمات وتوفير ما يحتاجونه.

من جهة ثانية، فغالبية الأخوات اللواتي يعملن في أُطر مكتب المرأة الحركي يخضعن لدورات حول العنف ضد المرأة، وحل النزاعات، والتخطيط، والبرمجة، والتمكين ولا سيما في المجال السياسي، وقد أصبح لدينا عدد من الأخوات القادرات على التدريب وإعطاء دورات بمجال مناهضة العنف ضد المرأة والتثقيف السياسي.

في ظل العدوان الاسرائيلي الهمجي عى غزة كيف تفاعلتم على مستوى اتحاد المرأة ومكتب المرأة الحركي؟

بدايةً لا بد أن أوجّه التحية لصمود شعبنا الجبار في وجه هذا الاحتلال الإسرائيلي الذي تربّى وترعرع على الدم، ولم يكن مستغربًا منه أن يُقدِم على حرب الإبادة هذه التي شنّها على شعبنا الفلسطيني جاعلاً من الأطفال والنساء بنك أهداف له، ولكننا نحمد الله أن العدو خرج من هذه الحرب دون مكاسب وانجازات، في حين أننا خرجنا موحدين ومتحدين، وهذا اكبر انجاز نحقّقه لأنه قضى على الهدف الذي كانت تسعى إسرائيل لتحقيقه من خلال أكذوبة المستوطنين التي ابتدعتها لاستباحة الضفة والقدس والاعتداء على المقدسات وعلى البيوت والمكتبات والجامعات ثمَّ نقل عدوانها إلى غزة، ألا وهو تحقيق الانقسام.

ونحن على مستوى الساحة اللبنانية لم نوفّر جهدًا بما اتيح لنا، لكي نؤكّد لأهلنا في فلسطين وغزة أننا معهم في الميدان وأنهم ليسوا وحدهم. فقد نظَّمنا كمكتب حركي وكاتحاد للمرأة عددًا من الفعاليات والأنشطة والوقفات التضامنية والاعتصامات دعمًا لأهلنا في غزة والضفة والقدس، إلى جانب مشاركتنا في الفعاليات التي كانت تُنظّم، وأطلقنا حملة تبرعات على مستوى اتحاد المرأة لدعم أهلنا في غزة، وكنا نعمل بتوجيهات من أمين سر الإقليم، وقيادة الساحة، والسفارة لتتكامل الأدوار فيما بيننا. بالطبع نحن نعلم أننا مهما فعلنا سنبقى مقصّرين ولكننا نأمل أن نكون قد قدمنا بذلك شيئًا من الدعم.

ما هي الرسالة التي توجهينها اليوم؟

بداية أوجّه تحية إجلال وإكبار لأرواح شهداء الثورة الفلسطينية والأمة الإسلامية وشهداء غزة والضفة والقدس، ولأسرانا الأبطال، ولأمهات شهدائنا وأسرانا، وأتمنى لجرحانا الشفاء العاجل. واغتنم هذه المناسبة لأتمنى أيضًا أن يأخذ الله بيد الرئيس أبو مازن وبيد القيادة الفلسطينية ليتمكنوا من دحر هذا الاحتلال عن وطننا الموحّد فلسطين، آملين أن يُرفَع الحصار عن قطاع غزة ويتحرر جميع أسرانا ويُعاد تفعيل الميناء والمطار لأن هذا من حقنا كدولة وكشعب كباقي الشعوب، ولا ننسى أن المطار والميناء كانا موجودَين حين كان الشهيد القائد أبو عمار -رحمة الله عليه- حيًا، ولكن الاحتلال عمل على تدميرهما. كما نأمل أن يتم انشاء ممر ما بين الضفة وغزة وأن تُفتَح المعابر ويُعاد إعمار غزة وتصل المساعدات اللازمة لأهالينا.

كذلك أوجّه رسالة نداء من امرأة فلسطينية للأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، وأقول لهم إن القدس تهوّد فأين انتم من القدس والمقدسات؟!

 فلسطين وطننا وطن للجميع، وهي قلب الأمة العربية وارض المقدّسات من الحرم الإبراهيمي في الخليل إلى المسجد الأقصى، لذا أناشد الأمة العربية والإسلامية أن يهبوا لنجدة شعبنا وأهلنا في القدس تحديدًا والضفة وغزة.

وأشدُّ على ايدي القيادة الفلسطينية مجتمعة لما بذلوه ويبذلونه من جهود تكلّلت -بحمد الله- بوحدة فلسطينية أخافت وأرعبت إسرائيل ووضعتها في الزاوية، وأوجه التحية لمن شارك وساهم بخطوة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية على مستوى الوطن والدول الأوروبية، كما أُحيي دول اميركا اللاتينية على موقفهم الداعم والمتضامن مع شعبنا وكذلك الأمر بالنسبة لوزيرة الدولة في بريطانيا التي استقالت بسبب موقف دولتها الداعم لإسرائيل، ولا ننسى من التحية لبنان لموقفه الداعم لشعبنا.

واختم بالتأكيد على أننا ماضون على درب سيادة الرئيس محمود عباس وعلى يقين بأن هذا الاحتلال إلى زوال كما غيره من الاحتلالات.

 

زهرة ربيع الوكال

وُلِدَت في مخيم البرج الشمالي العام 1955، وهي تحمل إجازةً في "العلوم الاجتماعية" من الجامعة العربية.

كان لوالدها  الذي انضوى في صفوف بالقوات الخاصة لحركة "فتح" ولحديثه الدائم عن فلسطين والتمسُّك بحق العودة الأثر الأكبر في دفعها للالتحاق بحركة "فتح"، فاتنتسبت كزهرة في الـ14 من عمرها، وتلقَّت بعدها دورات سياسية وتثقيفية وتربوية وتدريبًا عسكريًا.

مع بدايةتأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في السبعينيات، التحقَت بالاتحاد عضوًا، وشغلَت وتولَّت في الفترة الممتدة ما بين العام 1970 و1980 عدة مهمات بينها عضو بلجنة محلية، وعضو في حركة "فتح" بإطار خلية، وعضو شعبة، وأمينة سر لمكتب المرأة الحركي في البرج الشمالي. كما عُيِّنت عضو منطقة. وفي منتصف الثمانينيات عُيِّنت أمينة سر/مسؤولة منطقة على مستوى حركة "فتح" واتحاد المرأة، وتدرَّجت في المهمات وصولاً إلى تعيينها مسؤولة لمكتب المرأة الحركي في إقليم لبنان وعضو قيادة حركة "فتح" في الإقليم.