لا ينتقِصُ من تجربةِ الكبارِ أنْ يزاحمَهُم جيلُ الشّبابِ على تحمّلِ المسؤوليةِ والمشاركةِ في اتّخاذِ القرارِ وتنفيذِه. وعندما نتحدّثُ عن "الشّبابِ" فهذا يشملُ الّنساءَ والرّجالَ الذينَ ينطبقُ عليهِم هذا الوصفُ دونما تمييزٍ أو تفضيلٍ لفئةٍ على أخرى، إلّا بمقدارِ الاستعدادِ للتفرّغِ للشّأنِ العامِّ وامتلاكِ المؤهلّاتِ التي تدعمُ هذا الاستعدادَ وتجعلُهُ برنامجَ عملٍ يحملُ كلَّ شروطِ النّجاحِ. ولا مجالَ هنا لتوفيِرِ مظلّةٍ مصطنعةٍ لحمايةِ فئةٍ على حسابِ أخرى، ولا مجالَ في المقابِلِ لاستخدامِ العاداتِ والتّقاليدِ كسَوطٍ نجلدُ بهِ المنادينَ بفتحِ أبوابِ الحياةِ العامّةِ أمامَ المرأةِ الرّاغبةِ بمنحِ الوطنِ جزءًا من خبرتِها وصبرِها ومثابَرتِها على القيامِ بواجباتِها، وهي صفاتٌ ملازِمةٌ للمرأةِ بحُكمِ ما خصّها بهِ اللهُ وما توافقَ عليهِ المجتَمعُ من مهامَ لا يقوى غيرُها على تحمّلِ أعبائها. 

 

نحمدُ اللهَ أنَّ الشّبابَ هُم الجزءُ الأكبرُ من شعبِنا، فهذهِ الحقيقةُ هي واحدةٌ من أسبابِ التّفاؤلِ بالمُستقبَلِ، وخاصّةً في ظلِّ فهمِنا لأحدِ أهمِّ جوانبِ الصّراعِ مع المشروعِ الصّهيونيِّ في فلسطينَ، وهو الجانبُ "الديمغرافيُّ" أو السّكانيُّ. كما أنَّ النسبةَ العاليةَ من الشبابِ هي ضمانةُ القُدرةِ على ابتكارِ وسائلَ جديدةٍ للمقاومةِ والصّمودِ في الوطنِ والدّفاعِ عنهُ والتّصدّي للمحتلِّ ومستوطنيهِ، ولا حاجةَ بنا للتأكيدِ على أنَّ فئةَ اليافعينَ والشّبابِ هي التي تتحمّلُ العبءَ الأكبرَ في مواجهةِ اعتداءاتِ المستوطنينَ وجيشِ الغُزاةِ المكرَّسِ لحمايتِهم. ولو قُمنا بعمليّةِ جردٍ بسيطةٍ لوَجَدْنا أنَّ شبابَ فلسطينَ لا يشكّلونَ فقط أغلبيةً عدديةً في مجتمعِنا، لكنّهم أغلبيّةٌ مُطلَقةٌ بينَ الشّهداءِ والجرحى والأسرى، وهذا ما يزيدُ من قناعتِنا بأنَّ للتفاؤلِ بالمستقبَلِ ما يبرّرُه. كما يجبُ ألا نغفِلَ عنْ حقيقةِ ما نعيشُهُ من ثورةٍ تقنيّةٍ وخاصّةً في مجالِ المعلوماتِ والبرمجيّاتِ وتغيّرِ مفهومِ العملِ الإعلاميِّ، ولا يستطيعُ أحدٌ مجاراةَ الشّبابِ في قدرَتِهم على ترويضِ التّقنياتِ الحديثةِ وإجبارِها على خدمةِ طموحاتِهم. هذا بدورِهُ يقودُنا إلى الإقرارِ بأنَّ نجاحَ الخططِ الإعلاميّةِ مرهونٌ بتركِ أمرِها للشّبابِ عملاً بالمثلِ الشّعبيّ: "أعطِ الخُبزَ لخبّازته"، ومَن أكثرُ إلمامًا بصَنْعَةِ إنتاجِ "الخُبزِ والخَبَرِ الإعلاميِّ" من شبابِنا؟

 

لا أحدَ يجادُلُ في الحقائقِ التي ذكرناها والتي تعطي صورةً مختصرةً عن الدّورِ المحوريِّ الذي يقومُ بهِ شبابُ فلسطينَ، وهو دورٌ طبيعيٌّ نابعٌ من ثقافةٍ وطنيّةٍ تتوارَثُها الأجيالُ الفلسطينيّةُ المتعاقبةُ منطلقةً من إيمانِها بواجبِ الاستمرارِ في المشروعِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ حتى يتمَّ إنجازُ أهدافِهِ كاملةً. ويجبُ أن يشكّلَ هذا الإجماعُ على تقييمِ دورِ الشبابِ منطَلقًا لترجمتِهِ إلى سياسةٍ وطنيّةٍ عامّةٍ تضعُ في مقدّمةِ أولويّتِها إعطاءَ هذه الفئةِ الطليعيّةِ دورَها الذي تستحقُّهُ ويستحقُّهُ شعبُنا، فلا يجوزُ الاستمرارُ في تجاهلِ ثُلُثَيْ أبناءِ شعبِنا مهما كانت المبرّراتُ التي يسوقُها المتمسّكونَ بمناصبِهم، وكأنَّ المنصبَ صارَ هو الآخرُ يخضعُ لقوانين "الطابو". لقد آنَ الأوانُ لإفساحِ المجالِ أمامَ الشبابِ للقيامِ بدورِهم في إدارةِ الشأنِ العامِّ بما يتناسبُ معَ قدراتِهم واستعدادِهم للتّضحيةِ والعطاءِ. وهذا مطلبٌ وطنيٌّ شاملٌ لا بدَّ أن يحظى بالأولويّةِ أمامَ كلِّ المطالبِ الأخرى. 

 

*في ظلِّ الحديثِ عن الانتخاباتِ التشريعيّةِ في فلسطينَ يجبُ على كلِّ القوى والتّنظيماتِ والأحزابِ أنْ تتوقّفَ عن إعادةِ اجترارِ الأسماءِ المُستَهلَكَةِ وأنْ تثقَ بالجيلِ الشابِّ وبقدرَتِهِ على إثراءِ العملِ الوطنيِّ، بنفْسِ القدرِ من الثّقةِ التي تمنحُها لشبابِنا كلّما اقتربَ المستوطنونَ وجيشُ الغزاةِ من بوّاباتِ الحُلمِ الفلسطينيّ.

 

٥-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان