الانتخاباتُ الإسرائيليّةُ ليستْ كمثيلاتِها منَ الانتخاباتِ في الدّولِ الغربيّةِ، رغمَ محاولاتِ دولةِ الاحتلالِ تسويقَ نفسِها كامتدادٍ للثقافةِ الأوروبيّةِ وكـ"واحةٍ" للديمقراطيّةِ لا تُشبِهُ جوارَها في شيء. وإذا كانت الميزةُ الأساسيّةُ للديمقراطيّاتِ الغربيّةِ هي أولويّةُ الشأنِ الداخليِّ وهمومِ المواطنِ في حسْمِ الانتخاباتِ واستقطابِ الرّأيِ العامِّ فإنَّ السِّلعةَ الأكثرَ رواجًا في الانتخاباتِ الإسرائيليّةِ هي التهديدُ بالحربِ والمزيدُ من سَفْكِ دماءِ الفلسطينيّينَ وتصعيدُ سياسةِ البطشِ والإرهابِ ضدّهم. ولا يخفى على أحدٍ أنَّ تغذيةَ الشُّعورِ بالتهديدِ الخارجيِّ هو أحدُ أهمِّ أركانِ العقيدةِ التي أسَّستْ لقيامِ الدّولةِ الصهيونيّةِ في فلسطينَ ورافقَتْها حتّى يومِنا هذا، مصرّةً على التمسّكِ بعقليةِ "الجيتو" الذي ميّزَ وجودَ أتباعِ الديانةِ اليهوديّةِ في أوروبا حتّى نهايةِ الحربِ العالميّةِ الثانية.

 

تكادُ "الديمقراطيّةُ" الإسرائيليّةُ أنْ تسبقَ إيطاليا في عددِ الحكوماتِ وسُرعةِ انهيارِ التحالفاتِ والانتقالِ منْ حملةٍ انتخابيّةٍ إلى أخرى. ولا يجدُ أقطابُ الخريطةِ الحزبيّةِ والسياسيّةِ الإسرائيليّةِ حَرجًا في اختلاقِ الأخطارِ وتكريسِ جُهدِهم لصَرفِ انتباهِ النّاخبِ نحوَها وبشكلٍ يتعمّدُ الهروبَ من القضايا التي تشكّلُ تهديدًا فعليًّا لا مُصطنَعًا للكيانِ الإسرائيليّ. لا نُضيفُ جديدًا حينَ نقولُ إنَّ الخطرَ الحقيقيّ الذي يقرّرُ مصيرَ الدّولةِ العبريّةِ هو استمرارُ الاحتلالِ والاستيطانِ في فلسطينَ والتّمادي في التهرّبِ منَ استحقاقِ الاعترافِ بالشّعبِ الفلسطينيّ وبحقّهِ في الحريّةِ والكرامةِ والاستقلالِ الوطنيّ. ولن تُجدي نفعًا كلُّ وسائلِ الكذبِ وخداعِ الرأي العامِّ بوجودٍ أخطارٍ داهمةٍ خارجيّةٍ تتربّصُ بإسرائيلَ وتنتظرُ الانقضاضَ عليها، فالخطرُ الأكبرُ يكمنُ في عقليّةِ النُّخْبةِ الإسرائيليّةِ التي لا تريدُ الاعترافَ بالواقعِ وتظنُّ أنّها تُلغيهِ بمجردِّ تَهرُّبِها من مواجَهتِه.

 

تعملُ حكومةُ نتانياهو على جسِّ نَبضِ حزبِ اللهِ، وهي على قناعةٍ تامّةٍ أنَّ الحَربَ ليستْ لا في صالحِها ولا في صالحِ الحزبِ وحلفائه، ولذلكَ فهي لا تُقدِمُ على تجاوزِ الخطوطِ الحمراءِ التي تشكّلُ ما يسمّى بقواعدِ الاشتباكِ، وهو المصطلَحُ السحريُّ الذي يعني ببساطةٍ أنَّ هناكَ مستوى من التّصعيدِ يمكِنُ تقبُّلهُ من الجانبَينِ دونَ أنْ يعني الوصولُ إليهِ حَربًا شاملةً، فقواعدُ الاشتباكِ هي إحدى ضماناتِ تجنُّبِ المواجهةِ التي لا يرغبُ الطرفانِ في اندلاعِها، فعلى الجانبِ اللبنانيِّ يمكنُ للحربِ أنْ تكونَ وصفةً للفوضى الشاملةِ، أمّا في الجانبِ الإسرائيليِّ فإنَّ آخرَ ما يتمنّاهُ نتانياهو هو إجبارُ ناخبيهِ على النزولِ إلى الملاجئ.

 

يختلفُ الأمرُ فيما يخصُّ قطاعَ غزّةَ والعلاقةَ معَ "حماس"، فقدْ أنتجت المواجهاتُ السّابقةُ حالةً تخدمُ أهدافَ الاحتلالِ في تكريسِ الأمرِ الواقعِ، حيثُ تولَّدتْ قناعةٌ لدى قيادةِ "حماس" أنَّ استمرارَ سيطرتِها على القطاعِ مرتبطٌ بشكلٍ مباشرٍ بالتهدئةِ مع دولةِ الاحتلالِ، وهذا ما يفسّرُ هَرولةَ النّاطقينَ بِاسمِها إلى حلْفِ الأيمانِ المغلّظةِ أنَّ حركتَهُم "العاقلةَ" بريئةٌ منْ مُطلِقي الصواريخِ "العبَثيّةِ" حتّى يومِ الدّين. لقدْ وُلدِتْ وترسّختْ حالةٌ طالما سَعت الحكوماتُ الإسرائيليّةُ المتعاقبةُ إلى تحقيقِها، حالةٌ تكرِّسُ فصلَ غزّةَ عن بقيّةِ الوطنِ وتُصبحُ فيها "حماس" من الناحيةِ العمليّةِ الضّامنَ الرئيس لعدمِ الوصولِ بالأمورِ إلى حربٍ جديدةٍ، وهو ما يُبقي أيّ تصعيدٍ مجرّدَ جولةٍ أخرى من جولاتِ الاعتداءاتِ الإسرائيليّةِ المحسوبةِ والمحصورةِ، وإطلاقِ الصواريخِ باتجاهِ مستوطناتِ غلافِ غزّةَ بشكلٍ محدودٍ يستغلُّهُ الجانبُ الإسرائيليُّ لتذكيرِ النّاخبينَ أنَّ الخطَرَ على أمنِهم ووجودِهم ما زالَ قائمًا، ويستخدمُهُ كوقودٍ مجّانيٍّ في حملةِ الكذبِ والتضليلِ لتَحريضِ العالَمِ ضدَّ الشّعبِ الفلسطينيّ. 

 

*آنَ لقادةِ إسرائيلَ أن يُدرِكوا أنَّ الاحتلالَ والاستيطانَ مِثْلَ البَرْدِ.. سَبُبُ كلِّ عِلّة

 

٢٦-٨-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان