نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرَت قبل أيام، تشير إلى أنَّ القارة العجوز قد تغيّرت خريطتها السياسية التي سيطرت عليها في العقود الأربعة الماضية.

فالأحزاب التقليدية من يمين ووسط ويسار تتفكَّك ويتراجع دورها الوطني على صعيد القارة، لتبرز مكانها الأحزاب الشعبَويّة اليمينية المتطرّفة واليسار المتطرّف، كما تعزَّز وجود حزب الخضر وأصبح وجودًا قويًّا في البرلمان وعلى الخريطة.

على كلِّ مهتم أن يقرأ المتغيّرات، فالوحدة الأوروبية اليوم على المحك، وبالتالي الدور الأوروبي في السياسة الدولية سيتغير وفقا لهذه النتائج.

الأوروبيون صوتوا ضد الهجرة واللجوء بتصويتهم للأحزاب اليمينية القومية المتطرّفة بنسبة كبيرة، كما صوّتوا من أجل هواء وبيئة نقية ونظيفة عندما صوَّتوا للخضر، وزادوا مقاعدهم في البرلمان الأوروبي. فأولويات الأوروبي باتت واضحة ولم يعد الاتحاد والحفاظ عليه هو همه.

إنَّ تفكُّك وتراجع دور الأحزاب التقليدية التي كان همّها الاتحاد على حساب الأولويات الوطنية والبيئة، يؤكِّد أنَّنا أمام جيل أوروبي مختلف في التوجهات والمتطلبات، جيل يريد الحفاظ على هُوية أوروبا وهويّته القومية في وجه الهجرة، ويريد هواء نقيًّا يتنفَّسه.

إذا لم تأخذ هذه التوجهات بالاعتبار، فإنَّ أزمات هذه القارة القديمة ستتفاقم وتزداد فيها نزعة الانفصال وحتى الكراهية، فما تحتاجه أوروبا، وهذا ما تؤكِّده نتائج الانتخابات، هو إعادة ترتيب الأولويات وفي مقدّمتها تنظيم عملية الهجرة واللجوء، ولكن دون أن تنزلق للكراهية والعنصرية، لأنَّها إن دخلت إلى هذه الدورة الفاشية، فأول ما ستكرهه أوروبا هي أوروبا وتدخل نفسها لصراعات بدل الحفاظ على وحدتها ودورها في النظام الدولي.

من جانبنا نحنُ الفلسطينيين علينا أن نراقب هذه التطورات والمتغيّرات عن كثب ونفتح نوافذ وخطوط اتصال مع القوى الجديدة، فأوروبا وبغض النظر من يقودها هي مهمة وخاصة بالنسبة لنا سواء سياسيًّا أم اقتصاديًّا، فهذه القارة التي كانت قائدة للاستعمار العالمي في مرحلة من المراحل هي المسؤولة أخلاقيًّا عما أصاب الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية من ويلات.