منذُ سنتين تقريبًا، والحديث الأميركي الذي يدور همسًا في الغرف المغلقة، أو الذي يجري علنًا بشكل صاخب حول ما تُسمّى "صفقة القرن" يعطي الفلسطينيين قيادةً وشعبًا وإدارةً سياسية، المزيدَ من الثقة أنّها صفقة ميتة موتًا شاملاً، ولن تُكتَب لها الحياة أبدًا، وأنّها معركة من المعارك التي يُثيرها ترامب وإدارته تحت إغراء القوة الرعناء، والتي لا تلقى سوى الفشل، بغض النظر عن المصاعب التي يواجهها من يتعرَّضون لمثل هذا السلوك الأميركي الصهيوني، ولكن الشيء المؤكد أنَّ شعبنا خاض طوال سنوات نضاله وصموده الأسطوري غمار معارك كثيرة، ابتداءً من محاولات التوطين في الخمسينيات التي كانت تبدو لمروجيها أنَّها سهلة للغاية، ولكنَّها فشلت بالكامل، وعلى نفس الوتيرة فشلت كل محاولات، تأهيل الشعب الفلسطيني لتهجيره إلى العالم الجديد، أو محاولات خلق الفلسطيني الجديد، فلسطيني بلا ذاكرة ولا ميراث وطني، أو إذابة الفلسطينيين في قضايا ليس من أولوياتهم على طريقة أعط الفلسطيني خبزًا تجعله يفقد ذاكرته، كلُّ هذه المحاولات مورست ضدنا في الواحد وسبعين سنة منذ نكبتنا ولم تفلح، وسقطت وباءت بفشل تاريخي، وأين هم الذين خاضوا غمار التجارب، جاءتهم النهايات بشكل قاس، وتركوا العبرة الخالدة بان البقاء هو قدر الشعب الفلسطيني، أمّا الأعداء فيذهبون إلى مزابل التاريخ ابتداء من بلفور ووعده الذي صار لعنة إلى مناحيم بيجن وارئيل شارون- اللذين ذهبا إلى العداوة واللعنة، إلى كل الذين حاولوا أنّ يقفزوا عن هذا الشعب وصاروا مثلاً ومجرد ذاكرة قبيحة.

اللاعبون الثلاثة في إدارة ترامب، الذين كُلِّفوا بالأدوار القذرة وهم جيسون غرينبلات، وجاريد كوشنر، وديفيد فريدمان، يحاولون من خلال ورشة المنامة، عاصمة دولة البحرين، أن يبدؤوا المرور من خلال معالجات اقتصادية، كُلُّهم يهود، وكُلُّهم سماسرة سابقون، هذا ما يفهمون به، ولذلك اختارهم ترامب على شاكلته منذ البداية، وكأنّه لا سابق لهم!! وكأن أحدًا لم يطرح شيئًا خلال واحد وسبعين عامًا. الأهم الأذكياء القادرون، الذين وضعوا إصبعهم على الجرح، يا للغباء، إغراء القوة يفعل بأصحابه أكثر من ذلك حين يكونون أغبياء، وقد تورّطوا فيما لم يتورّط به أحد من قبل، حليفهم نتنياهو يحاول جاهدًا أن يعلن ائتلافه ويعلن حكومته حتى لو أدّى الأمر إلى فتح بازار وقرارات إضافية في (إسرائيل)، كل وزارة يقسمها إلى وزارتَين لكي يلاحق مطالبات حلفائه بأن يكونوا وزراء، ويريد من الائتلاف أن يصدر له قانونًا خاصًّا به، "قانون الحصانة".

الوقت يضيق، والفشل يصرخ مثل ذئب مستثار، ولكن ميادين تل أبيب بدأت ترتدي أزياء المعارضين الخائفين من المستقبل، وحلفاء نتنياهو في أميركا ترامب وإدارته البائسة يفتحون من جديد ملف التوطين، وملف الوضع الاقتصادي، مع أنَّ هؤلاء الفاشلين ليس لهم أي تاريخ من النجاح، فكل ما يُطرَح جربناه وأفشلناه، أو "من يجرب المجرّب عقله مخرب"، هكذا يقول المثل الشعبي الدارج، وفي المنامة ستكون المكاشفة، الشعب الفلسطيني وقيادته، وقضيته ليسوا في الوارد، مع انّهم يمارسون أقصى درجات الحذر، لكنهم لا يتداولون بالخوف، فكم من مشاريع تدحرجت رؤوسها تحت الأقدام، وسيكتشفون أنَّ القدس وفلسطين، ودولة فلسطين، أعقد وأكبر مما يتوهّمون.

لا نعرف وحتى الناس في كلِّ بلادنا لا يعرفون ما هي المعايير التي اعتمدها كلُّ مَن قرّر المشاركة، لماذا سيذهب هناك؟ لماذا يحضر؟ هل من أجل أن يقول رأيه، بأنّ ورشة البحرين فاشلة، وأنّه ليس هكذا تورد الإبل، وأنَّ القضية أحق، وربما يكون الانطباع بالإجمال، لماذا يخون الخائنون؟!