في العام 2006، بعد شهور قليلة من الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة، وهو انسحاب أُحادي الجانب، لم تقبل (إسرائيل) أن تُشرِك الفلسطينيين ممثَّلين بالسلطة الوطنية في أيِّ جزءٍ من تفاصيل وحيثياته، تمَّت انتخابات المجلس التشريعي الثاني، وفازت "حماس" بتلك الانتخابات، ووافق الرئيس أبو مازن على النتائج، رغم أن "فتح" حصلت على أصوات أكثر، ولكنَّها ترجمتها إلى أعضاء أقل، وذلك بسبب تصرُّفات كثيرة وتسميات كثيرة ثبت أنَّ لـ(إسرائيل) الضلع الأوفر فيها، ولكنَّ الشرعية الفلسطينية قبلت النتائج، وكان فوز "حماس" مأزومًا منذ اللحظة الأولى، لأنَّ فوزها لم يكن بالحجم الذي يعطيها القدرة على إحداث تغيير دستوري، لأنَّ القرارات حول مسائل دستورية تحتاج إلى ثُلثي الأصوات، و"حماس" لم تمتلك الثلثَين أبدًا، وهذا هو المأزق الأول الذي لم تتعامل معه "حماس" برؤية فلسطينية، وهكذا من محاولة فاشلة إلى أخرى، ومن خطيئة إلى أخرى وصلت "حماس" إلى يوم 13-6-2007 إلى المأزق القاتل وهو الانقلاب الدموي المسلَّح والانقسام.

فرضت "حماس" نفسَها بقوة الأمر الواقع، وقرَّرت استمرار التداول مع هذا الأمر الواقع إلى أجل غير مسمّى، وكلّ الاتفاقات التي وقَّعنا عليها بمشاركة الكل الوطني، كانت "حماس" توقِّع عليها بعدَ لأْيٍ ولكن مع عدم تنفيذها، ابتداءً من ورقة المصالحة المصرية التي وقَّعت عليها "حماس" في 2011، وقبل ذلك اتفاق مكة المكرمة، وبعد ذلك اتفاق حكومة التوافق الوطني، وبعد ذلك اتفاق 2017، توقيع بلا التزام، واتفاق بلا تنفيذ، رهانٌ حمساوي على شيء ما، ولكنَّ هذا الشيء لم يحدث قط. وبما أنَّه لا يمكن الاستمرار في هذه اللعبة القاتلة، لعبة المماطلة المجانية التي تُجيدها "حماس"، وبعد أن رفضت "حماس" كلَّ الأفكار الأخرى والضرورات الأخرى مثل العودة إلى الشعب صاحب المصلحة، وإجراء الانتخابات، لأنَّ "حماس" مهووسة ومسكونة حتى الجنون برهاناتها وأوهامها، فقد تقرَّر تشكيل حكومة جديدة، حكومة سياسية من فصائل منظمة التحرير، وشكَّلنا لجنة حوار عُليا للتحاور، من كلِّ الفصائل ومع كلِّ الإطارات الفلسطينية، ومع شخصيات مستقلّة من أجل أن تكون الحكومة بأعلى مستوى، وبأعلى جاهزية لتنفيذ برنامجها على الأصعدة كافّةً. وبالتالي، لم يعد أمام "حماس" وقت لاستمرار إهدار الوقت المجاني، أو لرهاناتها بإلحاق الأذى بالشعب الفلسطيني من خلال الإبقاء على الجمود أو تحقيق التآكل أو الضعف، فالآن لدينا لحظة نضالية مكثَّفة وعالية المستوى في مواجهة مآزق نتنياهو التي يحاول أن يحلّها على حساب الشعب الفلسطيني بشكل متغوّل من الاعتداءات والممارسات والقوانين العنصرية الهابطة، ومآزق حليفه ترامب الذي يعاني من شبه استعصاء وسقوط في الملفات الداخلية الأميركية فيهرب إلى افتعالات خارجية، ولكنَّ الهروب لن يفيد بل سيجلب المزيد من المشاكل.

إذًا، فإنَّ "حماس" لن تلوم بعد اليوم سوى نفسها، إن ظلَّت على حالها، بعيدة ومعادية للأولويات الفلسطينية، فسوف تجد نفسها وحيدة مهملة على قارعة الطريق.

"حماس" في المأزق الوجودي القاتل، لأنَّها خارج أولويّات شعبها لا قيمة لها على الإطلاق، هذا هو الدرس الأعظم للنضال الفلسطيني العظيم.