التقيتُ بالصدفة المحضة مع الصديق د.علي الجرباوي مساء يوم الخميس الماضي (31-1-2019)، فقال لي: (لي عتب على مقالك المنشور حول "الدور المؤمل للحكومة"، عندما ذكرت، أنَّ "الحكومة عادت لأصحابها"). وعدتُ أستاذ العلوم السياسية الرد على ملاحظته الإيجابية، لأنَّ الوقت لم يكن يسمح بالحوار لتبيان نقاط الاتفاق والاختلاف، إن وُجِدَت. ورأيتُ ألّا يقتصر الردُّ على البعد الشخصي الثنائي، بل أحببتُ توسيع دائرة المشاركة في الحوار لتشمل كلَّ الأخوات والأخوة، الذين يتابعون ما أكتب، لإغناء الحوار.

مرةً أخرى أودُّ توجيه الشكر للدكتور الصديق على ملاحظته، التي أعتقدُ أنَّها جاءت نتيجة القراءة الحرفية للجملة، وقصرها على الجانب التنظيمي، الذي يتعلَّق بحركة "فتح"، وفصَلَها بشكل ميكانيكي عن أبعادها السياسية والتنظيمية والشعبية. وللتوضيح أودُّ أن أُدوِّن موقفي من مرجعية كلِّ حكومة من الحكومات المتعاقبة في فلسطين، وحتى بالمعنّى العام لحكومات الدول والشعوب في العالم ككل، على الشكل التالي:

أوّلاً، كلُّ حكومة تتشكَّل، وبغض النظر عن الحزب أو الحركة أو الائتلاف، الذي يُشكّلها، هي حكومة الشعب، كلّ الشعب، لأنّ برنامجها يصب في خدمة أبناء الشعب بطبقاته وشرائحه الاجتماعية، وقواه السياسية من الموالاة والمعارضة.

ثانيًا، الحكومة وإن كان يقودها حزب أو ائتلاف من لون محدَّد، وبخلفية سياسية وفكرية وعقائدية، فإنَّها بقدر ما تمثِّل سياسات وبرامج القوّة المشكِّلة لها، لكنَّها في كلِّ المعايير، هي حكومة الشعب، ومسؤولة أمام الشعب وممثّليه في البرلمان للدفاع عن خططها وسياساتها، وأمام الشارع عمومًا، ونجاحها أو فشلها بالضرورة يعود على الحزب أو الائتلاف سلبيًّا أو إيجابيًّا بالقدر، الذي تُطبّق فيه البرنامج المتوافق مع مصالح الجماهير، والعكس صحيح.

ثالثًا، وارتباطًا بما تقدّم، عندما يرد في الكتابة، أو التصريح أمام المنابر الإعلامية المختلفة تعبير "القائمين على الحكومة" أو "أصحاب الحكومة"، فلا يعني هذا بحال من الأحوال، أنّ الحكومة تقتصر على الجهة التنظيمية المحدّدة المشكّلة للحكومة، ولكن بحكم العلاقة الجدلية بين التنظيم أو الائتلاف الجبهوي الحاكم والبرنامج الاقتصادي والصحي والاجتماعي والتربوي الثقافي والبيئي ... إلخ، فإنَّ المصطلح أو المقولة هنا لا تخضع للقياس الحرفي، إنَّما يجري النسب والربط هنا مع القوة المشكِّلة لها للدلالة لـمَن تعود القيادة، غير أنَّ الحكومة بكلِّ الأحوال، هي حكومة الشعب بكلِّ أطيافه وتلاوينه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

أمَّا لماذا استخدمتُ تعبير "عودة الحكومة لأصحابها"، وهل هذه المقولة تُقصي دور ومكانة القوى الأخرى وقطاعات الشعب المختلفة، فالجواب: لا بالمطلَق، ولكنَّني كنتُ من أصحاب الرأي القائل، إنَّ على حركة "فتح" منذ اللحظة الأولى للانقلاب في حزيران/ يونيو 2007 رئاسة الحكومة، لأنَّ الانقلاب حصل على الشرعية الوطنية، التي تقودها حركة "فتح"، كبرى فصائل منظمة التحرير. ولأنَّ الاستهداف الإخواني كان للوطنية الفلسطينية، التي حملت حركة "فتح" رؤيتها منذُ مطلع كانون الثاني/ يناير 1965 وحتى الآن. وعليه فإنَّ تشكيل حكومة فصائلية ومن المستقلّين بقيادة حركة "فتح" (هذا إذا لم يحدث تطوّر يُعيد الأمور لشكل آخر من أشكال الحكومات الفلسطينية)، هو من وجهة نظري، عودة الحكومة لأصحابها، الذين عليهم مسؤولية التأكيد على دورهم، ومكانتهم، ورد الاعتبار للذات الفتحاوية والوطنية عمومًا دون الاعتماد على التكنوقراط، أو حكومات من المستقلّين مطعّمة بالفتحاويين وغيرهم من الوطنيين، أو من غير إنابة أحد عنهم في تحمُّل أعباء المسؤولية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المطروحة على الشعب. وبالتالي العودة هنا، لا تقتصر على حركة "فتح"، وليست حركة "فتح"، هي صاحبة الحكومة، إنَّما في كلِّ الأحوال، الحكومة، هي حكومة الشعب بكلِّ تلاوينه ومشاربه وقطاعاته وطبقاته، ومن الموالاة والمعارضة. وهي كما يعلم الدكتور علي، حكومة ائتلافية من فصائل منظمة التحرير، التي آمل أن تشارك جميعها في صفوف الحكومة، لأنَّها حكومة الشعب، وعندما تتمُّ المصالحة، وتستعد حركة الانقلاب للعودة لجادّة المصالحة، وتعلن التزامها باتفاق أكتوبر 2017، فإنَّها ستغادر المشهد لصالح حكومة الوحدة الوطنية الأعم، بحيث تحتضن كلّ مكوّنات الشعب السياسية.