خاص/ مجلة القدس- تحقيق:عدي غزاوي

سجلت السنوات الاخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون بحق سكان القرى التي تقع في المناطق المصنّفة (ج). وكان آخر هذه الجرائم إحراق بيت عائلة الشهيد سعد الدوابشة الذي راح ضحيته هو وابنه الرضيع وسط اشاعات سرت عن وفاة زوجته رهام سريرياً وتأجيل الاحتلال اعلان ذلك تفادياً لحدوث غضب شعبي فلسطيني. وكرد فعل على هذه الجريمة فعّلت حوالي مئة قرية فلسطينية لجان الحماية الشعبية بالتعاون مع المحافظات وكوادر حركة "فتح" واهالي القرى لتسيير دوريات ليلية في المناطق المعرضة لهجمات المستوطنين. وفي هذا التقرير تسلّط "القدس" الضوء على ماهية هذه اللجان وآلية عملها.

 

تفعيل لجان الحراسة الشعبية رداً على إحراق منزل الدوابشة

حول أسباب تفعيل لجان الحماية الشعبية يقول أمين سر حركة "فتح" في دوما عز الدين دوابشة: "بعد الاعتداء الاخير على قرية دوما قام السكان بتشكيل لجان حراسة هدفها السهر على راحة وامن اهل القرية كي لا يتكرر الاعتداء مجدّداً، فتم  الحديث مع اكثر من اربعين شاباً من شبان القرية وتشكيل فرق للسهر على المحاور الخطرة داخل القرية وعلى أطرافها والتي يدخل من خلالها المستوطنون للقرية، وهذه اللجان تأتي بدعم وتنسيق مع المحافظة والتنظيم والجهات المهتمة بمصلحة البلدة، علماً أنه حتى قبل الاعتداء على منزل الدوابشة كانت هناك مبادرات فردية من قِبَل السكان للحراسة لكنها لم تكن على هذا القدر من التنظيم".

وينوّه دوابشة إلى أن الاعتداءات على قرية دوما ليست بالجديدة موضحاً "تقع دوما بالقرب من مستوطنات يسكنها متطرفون حاقدون ويحدُّها شارع استيطاني يسمى شارع "الون". ولطالما كان المستوطنون يعتدون على السيارات وعلى المواطنين عند انتظارهم لسيارة تُقلُّهم للعمل بالقرب من مدخل البلدة القريب من الشارع الاستيطاني الواصل من طبريا وحتى القدس. كما ان اعتداءات المستوطنين تزداد في موسم قطاف الزيتون، ولكن لم يحصل ان تم الاعتداء على احد او بيت داخل هذه القرية بخلاف هذه المرة التي تجرّأ فيه المستوطنون وأقدموا بكل وحشية وهمجية على حرق بيت الدوابشة!".

ويضيف "في الليلة التي احترق فيها المنزل تسارعت الاحداث بوتيرة عالية، فقد استيقظت القرية على حريق هائل لمنزل تبيّن انه بيت الشهيد سعد الدوابشة. بالدرجة الاولى كان همُّ الجيران انقاذ أفراد الاسرة بشكل كامل وظنوا أنه حريق عادي، إلى أن تنبهوا لوجود كتابات عنصرية بالعبرية، كما شاهد المواطنون ملثمَين يقفان بجانب والدي الرضيع سعد ورهام، وكأن الأخيرَين كانا يتعرّضان للضرب وعند حضور الجيران لاذ الملثمان بالفرار دون تمكن سكان القرية من الامساك بهما".

لجان الحراسة الحل الوحيد لمواجهة المستوطنين

يرى الدوابشة أن المستوطنين يبتكرون كل يوم اسلوباً جديداً للاعتداء على المواطنين الفلسطينيين، مضيفاً "كلما قام السكان الفلسطينيون بإيجاد طريقة لحفظ انفسهم من همجية ووحشية المستوطنين قام المستوطنون بإيجاد طرق اجرامية تعبّر عن وحشيتهم لايذاء السكان العُزّل في اراضيهم وبيوتهم. لذا فلجان الحراسة الشعبية هي حلنا الوحيد المتوافر لنا في المناطق المصنّفة (ج) حسب اتفاق اوسلو والتي تخضع للسيطرة الاسرائيلية ولا تستطيع السلطة الفلسطينية دخولها وحماية اهلها، حيثُ أن المستوطنين أجبن من القيام بمواجهات مباشرة مع السكان، لذا هم دائماً يستغلون الظلام او الغدر لتنفيذ مساعيهم الاجرامية".

ويردف "صحيح أن لجان الحماية الشعبية ستحد من اعتداءات المستوطنين على الناس داخل قراهم، ولكنها لن توقف الاعتداءات على مداخل القرى والمناطق الواقعة على اطراف القرى الفلسطينية. واذا نظرنا لتاريخ اسرائيل لوجدنا ان كل من تعدّى على المواطنين وارتكب اشنع الجرائم بحقهم كان يُكافأ ويوُلّى منصباً مهمّاً بالدولة، والدليل أن العديد من القادة الاسرائيليين كانوا زعماء لعصابات مثل رابين وشامير وشارون وما اوصلهم الى السلطة هو الدم الفلسطيني الذي يُعدُّ طريق دخول الحياة السياسية ودخول البرلمان الاسرائيلي بالمزاودات ولا استبعد تكرار هذه الاعتداءات. لذا فاستمرار الشباب في حماية القرى مطلوب لأن من يقومون بحراسة القرى هم ابناؤها الذي يحرصون على عائلاتهم واقربائهم وجيرانهم وبيوتهم، وحرصاً على عدم اصابتهم بالتعب والارهاق سيتم تقسيمهم الى فرق ومناوبات".

 

دعم اللجان أبرز الأولويات

يؤكّد الدوابشة أن المطلوب من السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة رعاية لجان الحراسة وتأمين الغطاء القانوني للمواطنين في البلدات والقرى بالتنسيق مع المحافظات والمؤسسات حيث جاءت لجان الحراسة بدعم من المحافظة ومن المستويات السياسية باجتماع اللجنة المركزية بقيادة سيادة الرئيس محمود عباس، وتم تعزيز لجان الحراسة وإمدادها بما يلزم من الخدمات البسيطة للحفاظ على التواصل واستمراريتها على المستوى البعيد، لافتاً إلى أن خيارات السلطة قليلة في هذه المناطق كونها خاضعة للسيطرة الاسرائيلية.

أمّا عن ردة فعل المواطنين حيال الاعتداءات الاسرائيلية فيقول: "في هذه المرحلة الناس ثائرة غاضبة ولا احد يتوقع ردة فعلهم على المستوطنين، خاصةً أن الاعتداء ما زال حديثاً والناس ما زالوا يشعرون بالغضب نتيجةً للاعتداء الذي لحق بعائلة الدوابشة وأدى لاحتراق منزلهم واستشهاد الاب وابنه الرضيع وتعرُّض الأم لحروق خطيرة جعلتها ترقد في المستشفى حتى الآن علماً أنها معلّمة وبالتالي لم تستطع ان تكون بين طالباتها هذا العام".

ويختم بالقول: "من الضرورات الملحّة دعم لجان الحراسة والمقاومة الشعبية لتستمر ولتكون رادعاً للمستوطنين وليرجعوا لجحورهم كما كانوا سابقاً. وكما يعلم الجميع من يدعم المستوطنين هي قيادة الجيش الاسرائيلي والمستوى السياسي الاسرائيلي وذلك واضح من خلال تصريح وزيرة العدل التي وصفت الاطفال الفلسطينيين بالثعابين الصغيرة التي ستكبر في يوم من الايام، وهي تلميحات واضحة للمستوطنين لاستباحة الدم الفلسطيني. كما أتوجّه بالشكر الجزيل لأهلنا في القرية لوقوفهم معنا، وأقول لهم نحن اهل ونستمد قوتنا وعزمنا ووحدتنا منكم".

عشرات الاعتداءات على "قصرة" استوجبت تشكيل لجان الحماية

بدورها كان لقرية قصرة التي تقع في الجنوب الشرقي من مدينة نابلس نصيب كبير من اعتداءات المستوطنين التي طاولت إحراق مسجد القرية والاعتداء على الاراضي والناس مما دفع اهالي القرية لتشكيل لجان الحماية الشعبية منذ العام 2011. وفي هذا السياق يقول عضو إقليم حركة "فتح" محافظة نابلس ابراهيم وادي موضحاً "بدأت لجان الحراسة في قصرة العام 2011 بعد حرق المسجد مباشرة، حيثُ بدأنا بحراسة ممتلكاتنا وأراضينا منعاً لهجمات المستوطنين، فأصبحنا كل يوم نشكّل 3 الى 4 مجموعات في مناطق مختلفة تعدُّ مستهدَفة أثناء الليل ونسهر على حماية الاهالي وممتلكاتهم" .

 وينوّه إلى أن أكثر من 84 اعتداءً سُجّل من قِبَل المستوطنين على المزارعين والممتلكات في قصرة منذ نهاية العام 2009 وحتى اليوم، كانت نتيجتها ارتقاء شهيد خلال المواجهات وهو الشهيد عصام بدران وذلك قبيل ساعات من كلمة الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة لإعلان الدولة في 23/9/2009، إلى جانب قطع واقتلاع حوالي 2400 شجرة وشتلة زيتون، والاعتداء على الأغنام والمواشي وحرق المسجد وإصابة أكثر من 77 جريحاً 90% منهم أصيبوا بفعل اعتداءات جيش الاحتلال. ورغم ذلك فنحن في قصرة قاومنا وواجهنا الاعتداءات بمساعدة الشباب والنساء والاطفال من القرية، وعندما نتعرّض لاعتداء يعلن على مكبرات الصوت في القرية سواء كان للقرية نفسها او للقرى المجاورة ويقوم الجميع بتلبية النداء مباشرة ويتوجهون لصد اعتداء المستوطنين".

أمّا عن أساليب وأدوات التصدي لاعتداءات المستوطنين على المواطنين فيقول: "نحن في مناطق تحت سيطرة اسرائيلية كاملة وبالتالي لا نملك امكانيات أكثر من عصا او حجر، ولا اعتقد ان اي وسيلة اخرى ستكون مُجدية بل إنها ستشكّل خطراً علينا من الجانب الاسرائيلي ما سيؤدي لاعتقالنا".

ويضيف "تمكّنا من احتجاز مستوطنين مرتين مرة كانت في 26/8/2011، حيث احتجزنا حوالي 9 مستوطنين كان جزء منهم مسلّحاً واصيب يومها ثلاثة اشخاص من القرية برصاص الاحتلال، وتم احتجازهم نتيجة اطلاق المستوطنين النار ليتم الافراج عنهم بعد تدخل الجيش والارتباط الفلسطيني. اما المرّة الثانية فكانت في تاريخ 7/1/2014 عندما تمّت محاصرة واحتجاز 18 مستوطناً من قِبَل رجال الحراسة وأهالي القرية أثناء محاولتهم الاعتداء على بعض المزارعين، ولمدة 4 ساعات كانوا تحت اقدام ابطال قصرة حتى انهم قد لعقوا احذية بعض الشباب لكي يتوسّلوا لهم للافراج عنهم. وقد تدخّل الجيش الاسرائيلي وحضر الى المكان، ولكن الاهالي رفضوا تسليمهم للجيش الاسرائيلي إلا من خلال الارتباط الفلسطيني وحضور اهالي القرية. وتم تسليمهم من خلال الارتباط بشكل مذل حيث كانوا يتلقون الضربات وهم يُسلَّمون فرداً فرداً الى الجيش الاسرائيلي وكل ذلك وثّقته عدسات المصوّرين".

 

لجأنا لعدة وسائل لحماية أراضينا

حول وسائل حماية الأراضي يقول وادي: "قمنا ببناء غرف في المناطق المهدّدة بالمصادرة وهذه الغرف عددها حوالي 20 غرفة لعشرين مزارع والآن أصبحت 37 غرفة مبنية في المناطق الجنوبية المهدَّدة بالمصادرة إضافة الى مشروع استصلاح الاراضي بتمويل جهات خارجية ووزارة الزراعة. والآن هناك مشروع قام على اصلاح 450 دونم ارض. فالاسرائيليون يقومون كل سنة في شهر أيلول بتصوير الاراضي جوياً ويتعمّدون التصوير في هذا الشهر لأن الاراضي بداية الخريف تكون شبه قاحلة وذلك ليثبتوا ان هذه الاراضي غير نافعة او انها خراب وليست مزروعة، وبالتالي عندما يتم تصوريها على مدار 6 سنوات في الوقت نفسه فهذا يدل عندهم على ان هذه الارض ليس لديها صاحب، وبعد 6 سنوات يتم السيطرة عليها تحت قانون وضع اليد  ليحوّلوها الى اراضي دولة او الى اراضٍ عسكرية وبعد ذلك يمكن ان يؤجّروها للمستوطنين او يعطوهم اياها، فهم يعتبرونها الطريقة الشرعية لسرقة الاراضي.

 

دعم السلطة يعزّز صمودنا في وجه المستوطنين

يؤكّد ابراهيم وادي وجودَ تواصلٍ دائم ما بين لجان الحماية الشعبية والجهات الرسمية في السلطة سواء أكان عبر الهاتف او الزيارات شبه الدائمة، ويضيف "المطلوب من السلطة التركيز على هذه المناطق ودعمها وبناء مشاريع فيها لإعمارها واستصلاحها. فنحن في معركة صمود وتعزيز صمود المزارعين ومعركة الحفاظ على الارض خاصةً أن هدف الاسرائيليين الرئيس الآن هو سرقة اراضي الضفة الغربية وإلغاء حلم اسمه الدولة الفلسطينية على الاراضي الفلسطينية. لذا ندعو لاستصلاح الأرض وزراعتها لئلا يتم الاستيلاء عليها، ضمن مشاريعهم لإخافة المواطنين في المناطق (ج) وخصوصاً الشريط الحدودي للاغوار وتهجيرهم لتسهل السيطرة عليها".

وينوّه وادي إلى انه نتيجة قيام شباب القرية بدوريات ليلية تم استدعاؤهم من قِبَل الجيش الاسرائيلي والتحقيق مع جزء منهم خلال الدوريات الاسرائيلية على الحواجز بحيث يجري التحقيق معهم على انهم جزء من لجان الحماية الشعبية، ويوضح "عندما نُسأل نجيب اننا اشخاص نقوم بحماية ممتلكاتنا والاهالي واراضينا الزراعية من الاعتداءات فنحن نواجههم بأيدينا او بالعصي والحجارة  لأننا لا نريد القتل او أي شيء آخر بل حماية انفسنا. ومنذ آخر احتجاز للمستوطنين العام 2014 في قصرة لم يجرؤ المستوطنون على الاقتراب من قصرة  فحتى جيش الاحتلال اصبح يحسب لنا الف حساب لأنه ادرك انه هذه المرة لن يتم فقط اذلالهم وضربهم بل إن الأمر قد يصل لقتلهم".

 

"تلفيت" بدورها تفعّل لجانها الشعبية للحراسة

ومن قرية قصرة الى قرية تلفيت قضاء مدينة نابلس والتي فعّل سكانها لجان الحماية الشعبية بعد جريمة حرق منزل الدوابشة للدفاع عن انفسهم والحرص على سلامتهم حيث يقول رئيس المجلس القروي في تلفيت خالد بشر إن "لجان الحماية  تتكوّن من شباب تطوعوا لحماية قراهم لأنهم كانوا يشعرون بالتهديد من قِبَل المستوطنين في داخل البلد حيث تكرّرت الاعتداءات أكثر من مرة عليهم، فبادر بعض الاشخاص بعد دعم من المجلس القروي لديهم والمؤسسات داخل القرية للتناوب معظم الليالي في الفترة الحالية إلى أن اصبح الامر شبه ليلي".

ويردف بشر "الاعتداءات علينا في تلفيت تتركز من الجهة الغريبة خاصة من جهة الساوية وقريوس حيث يوجد هناك مستوطنة اسمها عليت يفصل بيننا وبينها وادٍ، وفي احد الايام اقتحم المستوطنون منزلاً ولكن لم يكن هناك سكان فيه فقاموا بتحطيم النوافذ ولاذوا بالفرار".

 

الجيش الاسرائيلي يحمي المستوطنين أثناء اعتداءاتهم

يلفت بشر إلى أن من يوفر الغطاء للمستوطنين أثناء اعتداءاتهم هو الجيش الاسرائيلي الذي يرافقهم أحياناً كنوعٍ من الحماية لهم عندما يشعرون بأن المستوطنين قد يتعرضون لخطر، ويضيف "تأتي دورية من قوات الاحتلال بذريعة أنها تسعى لحل المشكلة ولكن هدفهم الرئيس الواضح حماية المستوطنين. وفي احدى المرات اتى مستوطن وقطع عدة اشجار فقامت مجموعة من الشباب بحجزه، فما كان من جيش الاحتلال إلا أن حضر واخذه معه دون تعرُّضه للمحاسبة".

ويتابع "اتت فكرة تشكيل لجان حماية شعبية من القرى المحيطة بسلفيت بشكل عام وخاصة قصرة التي كانت تتعرض بشكل مستمر لهجمات المستوطنين، واصبح الشباب يحمون القرية منذ 3 سنوات وامتد الامر الى باقي القرى المجاورة حيث تتم حراسة المناطق القريبة من المستوطنة والمساجد واطراف البلدة لان اغلب الاعتداءات اصبحت على المساجد في جنوب نابلس وتكرر الامر في الساوية والمغير ودوما وغيرها من قرى نابلس الجنوبية. إن ما نقوم به لحماية انفسنا غير كافٍ لكن حالياً هناك انخفاض في اعتداءات المستوطنين، فالكل يعلم أن المستوطنين بشكل عام جبناء فهم يحتمون بالاسلحة وان شعروا بالخطر او بمقاومة يخافون، لذا فعملنا مؤثّر على الصعيد النفسي أكثر من العملي".

ويختم بالقول: "المطلوب من السلطة الفلسطينية اليوم دعم لوجستي وحتى سياسي للجان الحماية، فنحن مقاومة شعبية لا نحمل اسلحة او بنادق بل فقط العصي والاشياء الخفيفة لنستطيع حماية أنفسنا، ونحتاج الى دعم سياسي وإعلامي حتى نُريَ العالم ان الشعب الفلسطيني ما زال يقاوم من خلال مقاومة شعبية ومقاومة داخلية".