تحقيق: مصطفى ابو حرب- انشأت الاونروا مخيم البداوي في العام 1955 على قطعة ارض لا تتجاوز الكيلو متر المربع الواحد، وحسب آخر احصاء للاونروا عام 1999 بلغ عدد سكان المخيم 17 الف نسمة، ولكن هذا العدد ارتفع ليتجاوز الـ50 ألفا بعد نكبة مخيم نهر البارد والأحداث التي ألـمّت بسوريا واستضافة البداوي للمهجّرين من الوجهتين، ما أدى الى تفاقم الازمات في المخيم حتى تعدت الماء والكهرباء والبنى التحتية الى البحث عن قبور لايواء الموتى من الاهالي.


حاجة ملحة لمقبرة جديدة والالتزام بالمعايير الشرعية لاستخدامها
تتفاقم مشكلة امتلاء مقابر مخيم البداوي وعدم وجود مساحات فيها لدفن الموتى الجدد، ومع تعقيد هذا الوضع لم يجِد الأهالي حلاً أمامهم ليواروا موتاهم سوى بدفنهم فوق موتى آخرين، وتعقيبًا على ذلك يقول عضو لجنة المساجد والرعاية الدينية في اللجنة الشعبية في مخيم البداوي الشيخ زياد عبد الغني:"من الناحية الشرعية يُحرّم دفن ميت فوق ميت آخر طالما هناك مجال ومساحة في الارض وطالما أن الجسدلم يبلَ.اما في حال امتلأت المقبرة وبلي الجسد فيجوز دفن الميت فوق ميت آخر .وهذا طبعًا في غير حالات الحروب والاوبئة حيث يجوز حفر المقابر والدفن فيها بطريقة جماعية".
أمّا عن هوية من يُدفَن في مقابر مخيم البداوي فيضيف الشيخ عبد الغني"مقابر مخيم البداوي يُدَفن فيها ابناء المخيم المقيمون فيه وابناء الشعب الفلسطيني المقيم في مدينة طرابلس، وكذلك ابناء الجوار اللبناني (حارة اللبنانية)ممن ليس لهم مدافن في قُراهم .وبعد احداث مخيم نهر البارد في العام 2007، أصبح يُدفن فيها أيضًا النازحون من ابناء مخيم البارد الى حين سمُحِ لأهالي البارد بالعودة الى مخيمهم وباتوا يدفنون موتاهم في مقبرة المخيم هناك. كذلك وبعد احداث سوريا ولجوء عدد كبير من اهلنا من مخيمات سوريا الى مخيمات الشمال، ومنها مخيم البداوي، بات يدفن في مقبرة البداوي كل لاجئ فلسطيني من مخيمات سورية.لكل هذه الاسباب التي ذكرنا وجدنا بأن مقبرة مخيم البداوي قد امتلأت بصورة سريعة جدًا وبوقت قياسي غير متوقع وأصبحنا امام معضلة حقيقية وهي كيف نؤمن قطعة أرض جديدة لتكون مقبرة لأموات مخيم البداوي كي يُدفنوا بكرامة".
وأكّد الشيخ عبد الغني ان ارض المقبرة هي ارض وقف شرعي ولا يجوز التعدي عليها بغير حق كالبناء على القبور الذي يمنع الغير من الدفن في حال الضرورة، مشيرًا إلى أنه في حال تم الحصول على أرض لبناء مقبرة جديدة فينبغي للجنة المشرفة عليها ان تعمل على تضييق المسافات بين القبور بحيث لا تستنزف المقبرة الجديدة كما استُنزفت المقبرة القديمة، وأن تمنع الحفر والبناء العشوائي مما يمنع الغير من الاستفادة من الارض،اضافة الى تنفيذ حملة توعية من خلال المساجد لتعريف الناس بما يجوز وما يحق لهم وبما لا يجوز ولا يحق لهم في شأن القبور والمقبرة .
وختم الشيخ عبد الغني كلامه بالقول: "من حق الفلسطيني في لبنان أن يعيش بكرامة،وأن يحظى بالكرامة بعد موته، وذلك بدفنه بطريقة لائقة، حيث ان الفلسطيني في بعض الاماكن في لبنان لا يجد مكان يُدفَن فيه ولو اراد ان يشتريه بالمال. لذلك فالمطلوب من المرجعية الفلسطينية ممثلّة بمنظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها سيادة الرئيس محمود عباس ابو مازن العمل بسرعة لشراء قطعة ارض كمقبرة لمخيم البداوي بعد ان امتلأت مقبرته كليًا".
من جهته نوّه احمد فؤاد البنا، وهو احد ابناء مخيم البداوي، إلى أن امتلاء المقبرة في البداوي أجبر العديد من الناس على دفن موتاهم فوق موتى لهم قد توفاهم الله منذ مدة افساحًا في المجال امام الاخرين كي يستفيدوا مما تبقى من قطعة ارض في المقبرة لأنها لم تعد تتسع الا لعدد من القبور لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة، وأضاف "أعرفُ اشخاصًا دفنوا موتاهم فوق اقرباء لهم ولم يأخذوا قبورًا في هذه المقبرة، وذلك يدل على وعي وادراك وتحمّل للمسؤولية تجاه الاخرين. وفي الوقت ذاته فإن بعض أهالي الموتى اساؤوا استخدام محيط قبور احبائهم ببناء المقاعد واحواض الزهور، وهذا يؤدي الى حرمان الاخرين من الحصول على قبور لمواراة موتاهم. لذا أتوجه للجميع حين أقول إن كنتم تحبون موتاكم أنفقوا هذا المال ليس على بناء الحجر وانما لمساعدة الفقراء والمحتاجين وبذلك يصل الأجر لمن تحبون من الاموات. وإلا فمن أين نأتي بقطعة ارض اذا امتلأت هذه المقبرة، ولم نجد من يساعدنا في شراء قطعة ارض جديدة؟!.لذلك على الجميع ان يتحمل المسؤولية منذ الآن وأن يكون للمقبرة الجديدة،في حال أُوجِدت، نظامها الخاص".

سعي حثيث لتوفير مقبرة جديدة
يوضح أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" في الشمال ابو جهاد فياض أن "مقبرة مخيم البداوي لم يعد فيها مكان سوى لبضعة قبور"، ويضيف "لقد وصلنا الى وضع صعب وانا بصفتي ممثلاًلـ"م.ت.ف" يجب ان اتحمل مسؤولياتي، وان اعمل على حل اي اشكالية لشعبنا، وان اقوم بمتابعتها لذلك أعمل بالشراكة مع لجنة المساجد في مخيم البداوي منذُ 7 شهور على متابعة هذا الملف بجدية مع سفير دولة فلسطين لدى لبنان اشرف دبور. وبعد البحث واستعراض أسعار الأراضي، وُفّقنا بقطعة ارض تتوسّط مقبرتَي البداوي، والتقينا بصاحبها السيد خالد حميد وتوصلنا الى سعر 250 دولار للمتر وهي بمساحة 2700 متر، ولكن الاشكالية تكمن في وجود مبنى عليها وهو عبارة عن عقارين يصرصاحبهما على بيع العقارين (المبنى)والارض معًا. وقد قام السفير دبور بتشكيل لجنة تضم كلاً من مسؤول اللجان الشعبية في لبنان ابو اياد الشعلان،ومسؤول مؤسسة الشؤون في لبنان شريف"ابو ايمن"،وبعضويتي، حيث التقينا كلجنة بصاحب الارض واطلعنا منه على الخرائط بشكل واضح، وقمنا بكتابة رسالة وُقِّعَت بأسماء اللجنة، ورُفِعت للسفير للاطلاع واجراء اللازم بهذا الخصوص من خلال الكتابة للرئيس ابو مازن من اجل المساعدة في تأمين الأموال اللازمة لشراء هذه القطعة من الارض او غيرها، ونحن نبذل مساعي لحض الاونروا على تحمُّل مسؤولياتها في هذا الخصوص، وايضا نحاول التواصل مع رجال اعمال فلسطينيين من ابناء المخيمات ذوي الأيادي البيضاء كي يقدّموا العون بهذا الشأن".
ويضيف فياض "نأمل اذا أن تتم الموافقة على شراء هذه القطعة لقربها من المخيم، ونرجو ان لايشكل المبنى الموجود بداخلها عائقًا لانه يمكن الاستفادة منه في تأمين مساكن للمهجرين من تل الزعتر الذين يسكنون في بنايات ابو نعيم وهم مهدّدون بالإخلاء من قِبَل القضاء اللبناني".اما بخصوص المساحة المتبقية في المقبرة القديمة فيقول فياض: "المساحة المتبقية من المقبرة القديمة لا تزيد عن 20 مترًا مربعًا بحيث لا تتسع لعشرة قبور،مما يزيد من تأزم الوضع،حتى بتنا نبحث بين القبور عن مساحات منسية ونبحث كيفية الافادة منها في دفن الموتى من اهالي المخيم لحين تأمين قطعة ارض جديدة، لذا طلبنا إلى لجنة المساجد والشؤون الدينية في مخيم البداوي ان تدعو الاهالي لدفن موتاهم فوق الموتى الذين مضى على وفاتهم ما يزيد عن عشر سنوات لحين تأمين مقبرة جديدة وهذا لا يخالف الشرع والدين".
ويختم فياض حديثه قائلاً: "إذا كان الفلسطيني في لبنان لا يحق له ان يتملّك بيتًا فهل يحرَم أيضًا من تملُّك قبر يُدفَن فيه كي يتمتع بكرامة المأوى بعد موته وهو الذي حرم منها في حياته؟!".