سأل ديفيد أكسلرود، مستشار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، مندوبة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي، عما إذا كان يمكنها دعم حل الدولة الواحدة أثناء استضافتها في معهد الأبحاث التابع له في شيكاغو، فردت عليه قائلة:" إنها تجد صعوبة في رؤية سيناريو كهذا"، وتابعت "يصعب عليّ رؤيتهم يرغبون بحل كهذا". وأضافت "أعتقد إنهما يدفعان باتجاه حل الدولتين، ونحن سندعم ما يقررانه في هذه المسألة". وأشارت إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، تشرف على الانتهاء من إعداد خطة السلام الأميركية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وألقت بلغز ساذج أثناء ردها على أسئلة أكسلرود، جاء على الشاكلة التالية، وفق تقييمها فإن "الطرفين لن يحبا، ولن يكرها الاقتراح النهائي (صفقة القرن)". رغم أنها لم تكشف عن تفاصيل خطة رئيسها، لكنها قالت "إن جارد كوشنير، صهر الرئيس ترامب ومستشاره لعملية السلام، جيسون غرينبلات، يتابعان العمل عليها، وأنهما يواصلان التحدث مع قادة المنطقة لمناقشة عدة أفكار". وعمليا باتت في الرتوش الأخيرة لإعدادها.
لكن قبل مناقشة لغز هيلي، يُّطرح السؤال الآتي، مع منْ مِن قيادات المنطقة يناقش كوشنير وغرينبلات الأفكار المتعلقة بـ "صفقة القرن" في ظل رفض الفلسطينيين مسألتين هامتين، الأولى رفض الرعاية الأميركية المنفردة لعملية السلام؛ والثانية رفض القيادة الفلسطينية الحوار مع ممثلي الإدارة الأميركية بشأن الصفقة، بعدما اعترف الرئيس الأميركي القدس عاصمة لإسرائيل ؟ وما قيمة النقاش مع الزعماء الآخرين في قضايا تتعلق بمصير فلسطين والشعب الفلسطيني؟ أم آن النقاش مقتصر على الإسرائيليين وحدهم، على اعتبار أنهم "الطرف المقرر" فيما يجوز وما لا يجوز بركائز صفقة "الاستسلام"، التي تعدها الإدارة القائمة للفلسطينيين؟
تخطئ نيكي هيلي وأركان إدارتها في قراءة الواقع، لأنها تتجاوز طرفا أصيلا ومقررا في مصير السلام والمنطقة عموما. وهذا ليس تطيرا ولا تطرفا، إنما هو قراءة عاقلة وهادئة للواقع. وتغير المعادلات السياسية في المنطقة لم يسقط دور الفلسطينيين كلاعب أساسي في صناعة السلام وضمان التعايش، أو العكس إن لم يحصلوا على حقوقهم السياسية وفق المقر في برنامج الإجماع الوطني.
أما اللغز الساذج، الذي أثارته مندوبة أميركا أمام معهد الأبحاث التابع لأكسلرود، فيكمن في قولها إن "الطرفين لن يحبا، ولن يكرها الاقتراح النهائي". وهي تعلم أن صفقة رئيسها فصلت على المقاس الإسرائيلي، والدليل أنه تبرع بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، مع أنها أحد أهم ملفات الحل النهائي. وادعى انه أزاحها عن طاولة المفاوضات؟! وإذا كان قد تجرأ على ملف مركزي من الملفات النهائية، وإذا كان كل من كوشنير وغرينبلات يجريان حوارات حول عدة أفكار ذات صلة بالصفقة، ولا يعلم الفلسطينيون بمحتوى ما يجري، ولا يريدون أن يعلموا، لأنهم أمسوا يرفضون الرعاية الأميركية الفردية لعملية السلام، فعلى أي أساس سترضي أو لا ترضي الفلسطينيين؟
محاولات الإدارة الأميركية فرض منطقها المتغطرس والأرعن على الشعب الفلسطيني فيها جهل بواقع الصراع، وعدم إدراك لإمكانيات الشعب الفلسطيني الصغير الكبيرة في معادلات الصراع في الإقليم العربي من مشرقه إلى مغربه، والنتيجة لما يمكن أن تطرحه الإدارة، أولاً لا يعني الفلسطينيين، ثانيا هو محصور بالجانب الإسرائيلي، الذي تجري الحوار معه في أدق التفاصيل بشأن الصفقة الترامبية، ثالثا أية نقاشات مع الزعماء العرب لا يعني القيادة الفلسطينية، وهي في حل من أية التزامات يقطعها أولئك القادة على أنفسهم أمام الإدارة الأميركية، رابعا إذا شاءت إدارة ترامب التعامل الواقعي مع المسألة الفلسطينية، وترغب في أن تكون مساهما رئيسيا مع الأقطاب الدولية الأخرى في رعاية عملية السلام، عليها أن تتبنى مبادرة الرئيس محمود عباس، التي طرحها قبل أيام أمام أعلى منبر أممي، أي مجلس الأمن. غير ذلك تكون أميركا تدور في حلقة مفرغة، وتعمل على تصفية التسوية السياسية وفق مرجعيات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وهذا ليس في مصلحة أميركا، ولا في مصلحة الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وستنزل السماء إذا شاء الفلسطينيون إنزالها ووفق معاييرهم.