بقلم: محمد سعيد

لا يَخْفى على أحدٍ أنّ ناجي العلي انطلق في مسيرته الابداعيّة كرسّام كاريكاتير من مخيم عين الحلوة، ويعود الفضل في ذلك إلى غسان كنفاني الذي تعرّف إلى فنه في العام 1961، ونشر إحدى أولى لوحاته في مجلة "الحرية" في ذلك الوقت. تلك المرحلة تميّزت بالمدّ الثوري الذي كان سائداً في عالمنا العربي، وانقسامه إلى معسكرين مختلفين كما هو حاصل اليوم. في تلك الحقبة حصلت منعطفات ومعارك ومواجهات مع العدو الاسرائيلي، وجاءت هزيمة حزيران 1967، مدوية في جدان الشعوب العربية.
 واكب ناجي العلي هذه المرحلة بما فيها من خضّات وانعطافات، وعاش التغريبة الفلسطينية بكل مآسيها، من بيروت الى الكويت الى لندن، عاملاً في مجال الصحافة والاعلام كمتمرّد يحمل ريشته التي أرعبت الانظمة المتخاذلة والمتآمرة، وأرعبت العدو الصهيوني. استطاع ناجي العلي بفنه الفذ أن يشكل مدرسة ومرجعاً من الطراز الأول، وأحدثت رسوماته شيئاً جديداً في عالمنا العربي، فكانت كل واحدة من لوحاته تروي قصة مختلفة، وحكاية معينة من عذابات الشعب الفلسطيني. أسس في هذا المجال فناً حقيقياً واقعياً يمسّ جوهر حياة الناس الذين يعيشون في المخيمات كواقع مرير حلّ بأبناء الشعب الفلسطيني منذ النكبة ما عكّر صفو حياة الأعداء فانطلقت رصاصات الغدر واغتالته في احد شوارع لندن أثناء توجهه الى عمله في جريدة القبس الكويتية، في 22 تموز 1987.
ناجي العلي شخصية موهوبة وصاحب رؤية ثاقبة استطاع أن يكون علماً منفرداً يصعب أن يتكرّر، سخّر ريشته ببساطة والتزام يحاكيان الواقع الأليم في المخيمات، وما ترمز اليه من قضية وطنية وانسانية، واستطاع أن يبدع شخصية حنظلة ابن العشر سنوات الذي لن يكبر الا حين يعود ناجي العلي الى قريته الشجرة في الجليل، وهذا ما عاهد نفسه عليه لو ظلّ حياًّ. أصبحت شخصية حنظلة رمزاً لكل المسائل التي تحمل قضايا انسانية ووطنية وواقعية، قضايا صادمة تمسّ حياة المعذبين على وجه الارض، وتظهر الظلم والاجحاف اللاحق بالشعب الفلسطيني.
  اليوم تريد الشرطة البريطانية اعادة فتح التحقيق بقضية اغتيال ناجي العلي بعد مضي ثلاثين عاماً على مسألة اغتياله متقدمة من أي شخص لديه معلومات بأن يتقدم ويدلي بها بالاعتماد على أن التحالفات التي كانت موجودة في ذلك الوقت قد تغيرت وكذلك الناس تغيروا، بحيث أن الذين لم يكونوا مستعدّين للحديث وقت الجريمة، ربما أصبحوا الآن مستعدين للتقدم بمعلومات تفيد القضية. الهدف من هذا احضار المسؤولين عن الجريمة أمام العدالة. وهنا نسأل ما هي التحالفات التي كانت موجودة وتغيّرت الآن؟ هل اختلفت المعسكرات والمحاور؟ في رأينا أنه لم يتغيّر شيء إنما قد يكون هناك تغيّر في التسميات، ولكن الأحوال ما زالت موجودة الى الآن كما كانت سابقاً. جاء في تقرير الاغتيال مشاهدة شخصين شرق أوسطيين ثلاثين وخمسيني وسيارة مرسيدس فضية والمسدس التي انطلقت منه رصاصات الغدر وشهود عيان في المكان  كل هذه الأدلة الملموسة في حينه لم تكفِ الشرطة البريطانية للوصول  الى الجناة، نهايك بكاميرات المراقبة إذا كان هناك من كاميرات موجودة في المكان في ذلك الوقت.
 ألا يكفي كل ذلك للوصول الى حقيقة من اغتال ناجي العلي؟ كيف ستستطيع الشرطة الوصول الى الجناة من خلال الادلاء بمعلومات، تَحتمل الخطأ والصواب فيما الأدلّة الثابتة موجودة لديهم منذ ثلاثين عاماً! هل حقيقةً تريد الشرطة البريطانية لمكافحة الارهاب الوصول الى حقيقة من قتل ناجي العلي؟ إذا كانت فعلاً تريد ذلك عليها أن تعود إلى أصحاب السيارة الحقيقيين للوصول الى من اطلق النار على ناجي العلي، وإلا علينا أن نقول لمن يبحث بهذه الطريقة عن مقتل ناجي العلي انك تبحث عن ابرة في مخزن تبنٍ، ونقول له ان اردت ان تعرف من  قتل ناجي العلي عليك معرفة من قتل الشهيد الرمز ياسر عرفات، ونقول أيضاً لو افترضنا ان القاتل الحقيقي هو من الموساد أو يقف خلفه الموساد الاسرائيلي هل ستكشفون عن الجناة؟ علماً ان اسرائيل قتلت علناً العديد من القادة والمناضلين الفلسطينيين في أماكن مختلفة من دول العالم، ولم نسمع من هذه الدول تقديم افراد الموساد الاسرائيلي الى العدالة، ولم يتم ادانتهم أو محاسبتهم. نأمل أن يظهر شيء في مجال التحقيقات مع أننا نستبعد حصول أي جديد بناء على المعطيات التي سردتها الشرطة البريطانية لمكافحة الارهاب ليظل مقتل ناجي العلي لغزاً يصعب تفكيكه بهذه الطريقة.