"إبني وطني وعروبي وضد التطبيع ويناضل من أجل القضية الفلسطينية"، بهذه الكلمات عقبت والدة المخرج اللبناني على احتجاز ابنها "زياد دويري" في مطار بيروت على خلفية زيارته إلى اسرائيل والاقامة فيها لعدة أشهر لتصوير مشاهد من فيلمه "الصدمة"، الذي يتناول فيه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عن رواية "الاعتداء" للأديب الضابط في الجيش الجزائري "ياسمينة خضرا" الذي ظل متخفياً باسم زوجته "يامينة خضرا" بعد أن اضاف لها حرف السين بناءاً على نصيحة الناشر الفرنسي، حتى بعد أن غادر الجيش وأفصح عن هويته بأنه رجل وليس امرأة واسمه "محمد مولسهول" بقيت كتاباته تحمل اسم ياسمينة خضرا، يومها تم منع عرض فيلم "الصدمة" في الدول العربية تطبيقاً لقرار مكتب مقاطعة اسرائيل التابع لجامعة الدول العربية، المقاطعة اقتصرت على الفيلم دون رواية الاديب الجزائري، على اعتبار أن مخرج الفيلم ارتكب جريمة التطبيع بتصويره بعض مشاهد الفيلم داخل اسرائيل.

البعض يعتقد أن احتجاز المخرج اللبناني وعرضه في اليوم التالي على المحكمة العسكرية التي برأته لم يكن بسبب فيلم "الصدمة"، سيما وأنه قدم بعده مراراً إلى بيروت ولم يخضع للاستجواب، وإنما جاء على خلفية فيلمه الجديد "قضية رقم 23"، الفيلم الذي يعيد طرح الحرب الاهلية في بيروت من خلال الخلاف الصغير بين طوني "المسيحي المتطرف" وياسر "اللاجيء الفلسطيني المسلم" الذي لا يلبث داخل اروقة المحكمة أن ينفض الغبار عن سنوات الحرب الأهلية وتداعياتها، ليحاول المخرج من خلال جلسات المحكمة ومرافعة المحامين كشف سوءة الحاضر وجريمة الماضي، من الجدير ذكره أن الممثل الفلسطيني كامل الباشا، والذي سبق له أن امضى سنتين في سجون الاحتلال، قد حاز على جائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية عن دور "ياسر" في فيلم قضية رقم 23، يضاف إلى ذلك أن الدولة اللبنانية رشحت الفيلم لجوائز اوسكار عن فئة الفيلم الأجنبي.

عودة المخرج اللبناني زياد دويدي لتصوير بعض مشاهد فيلمه الجديد "قضية رقم 23" داخل اسرائيل أعادت من جديد طرح التطبيع، فهل حقاً يمكن وضع ذلك في خانة التطبيع؟، وهل تبدل مفهوم التطبيع ولم يعد بذات المحددات التي كان عليها في السابق؟، ولعل هذا يعيدنا إلى طرح السؤال التالي: هل لدينا تعريف محدد للتطبيع أم أن كل منا ينطلق في تعريفه من الأدبيات التي تحكم فكره؟، وان استندنا على التعريف اللغوي للتطبيع المبني على جعل العلاقة مع العدو طبيعية، وبالتالي أي عمل من شأنه أن يحافظ على العلاقة مع العدو في اطارها الغير طبيعي لا يمكن لنا ادراجه تحت مسمى تطبيع، هل يمكن لنا توجيه تهمة التطبيع لمن جاء الينا لكشف تفاصيل الارهاب الذي تمارسه حكومة الاحتلال والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني لمجرد أنه رصد ووثق ذلك بعمل داخل فلسطين المحتلة؟.

اعتدنا ومعنا العرب خلال سنوات مضت أن نترك القاعة بمجرد أن يعتلي منصتها من يتحدث نيابة عن دولة الاحتلال في المحافل الدولية تحت شعار المقاطعة، كم كنا سذج حين سمحنا بهذا السلوك لدولة الاحتلال أن تقلب الحقائق بسرد روايتها المبنية على جملة من الاكاذيب دون أن نقدم للعالم روايتنا ونفضح سلوكها اليومي الذي تنتهك به القانون الدولي والانساني، وكم نخطيء حين نلاحق بتهمة التطبيع من يعمل على كشف حجم الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وجاء ليرصد ذلك بأم عينيه، الطبيعي أن الاحتلال يعمل على اخفاء جرائمه بحق شعبنا فكيف يمكن للضحية أن تساعده على ذلك؟.