داخل مخزن يقع على أطراف بلدة أوصرين جنوب شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، تتدلى من السقف أكياس بلاستيكية محشوة بالتبن، فيما تنفر نباتات تشبه المحار من خلال ثقوب بتلك الأكياس.

لم تكن قطع "المحار" تلك سوى ثمار الفطر الذي بدأت رابعة محمد حمايل بزراعته واتخاذه مصدر دخل لأسرتها منذ عدة أشهر.

رابعة أسيرة محررة أمضت خمس سنوات في الأسر، وأم لثلاثة أطفال، وتنحدر من بلدة بيتا، وتقيم مع زوجها في بلدته أوصرين المجاورة.

في صيف العام الماضي 2016 استجابت لتوصية شقيقتها بتجربة زراعة الفطر المحاري، المعروف محلياً باسم "عيش الغراب"، وكانت النتيجة مشجعة.

وتقول رابعة: "أختي أعطتني الفكرة، وقد أعجبتني وتحمست لتطبيقها بحثاً عن شيء استغل فيه وقتي واملأ به فراغي".

بدأت بزراعة 2 كيلوغرام من تَقاوي الفطر، وعندما نجحت التجربة، تشجعت وفتحت مشروعاً صغيراً وفق إمكاناتها المادية المتواضعة، واستخدمت مخزنين مدمجين أسفل منزل قيد الإنشاء للعائلة.

استعانت رابعة بدروس فيديو عبر موقع "يوتيوب" لكيفية زراعته، كما لجأت لمديرية زراعة محافظة نابلس بعد أن بدأت بزراعة الكمية الأولى.

ويزرع الفطر في أكياس معلقة من البلاستيك للحفاظ على الرطوبة المثالية وهي بين 75-85%، ويحتاج إلى البقاء مدة تتراوح ما بين 30-40 يوماً في الحضانة، قبل أن يبدأ في النمو والإنتاج.

إصرار للنجاح

لم تعبأ رابعة بردّة فعل المجتمع المحيط، والتي تصفها بأنها كانت غير مشجعة في البداية، وشكلت واحدة من التحديات التي واجهتها.

وتقول: "لم يكن هناك استيعاب لفكرة زراعة الفطر الذي اعتاد الناس على قطفه من البراري، وليس زراعته بطريقة حديثة في أكياس معلقة داخل مخزن مغلق".

وبعد أن بدأت بالزراعة عملت على الترويج لتناول الفطر في محيطها مستغلة المجالس التي يحضرها الأقارب والجارات والصديقات، والحديث عن فوائده الكثيرة وطعمه الطيب.

ويحتوي كيلوغرام واحد من فطر "عيش الغراب" على فيتامينات توازي ضعف تلك الموجودة في نفس الكمية من اللحوم، بحسب رابعة.

كما ويمتاز بطعمه القريب من اللحم، وسرعة طهيه، مما يجعله بديلاً غذائياً للعائلات الكبيرة وذات الدخل المحدود.

وتسعى رابعة من خلال المشروع إلى استغلال وقت فراغها، وتحسين الوضع المادي لعائلتها، لكن الهدف الأسمى لها هو إكمال دراستها الجامعية للحصول على الماجستير.

وترغب خريجة الخدمة الاجتماعية من جامعة القدس المفتوحة، بدراسة تخصص الزراعة إذا ما أتيحت لها الفرصة.

النتائج المشجعة لمشروعها المتواضع، تمدها بالحماس لتوسعته وتطويره، وتقول: "بكل تأكيد، لو توفر مكان أكبر سيكون هناك فرصة لتحسين وزيادة الإنتاج".

لكن أحلامها بتطوير المشروع تصطدم بعقبة التكاليف المرتفعة للمعدات والتجهيزات اللازمة، وأهمها المكيفات، والرشاشات، والمضخات، والعازل الحراري.

إمكانات محدودة

وبسبب بُعد المكان عن بيتها بوسط البلدة، تضطر رابعة للحضور صباحاً ومساء كل يوم للإشراف على المزروعات ومتابعتها.

وواجهت خلال فصل الشتاء تحدياً كبيراً بسبب انخفاض درجة الحرارة بشكل كبير عن المستوى المطلوب، مما يؤثر سلباً عليه ويوقف نموه، ولهذا لجات إلى إشعال مدفأة حطب مرتين يوميا.

ويحتاج الفطر إلى توفير بيئة مناسبة لينمو بشكل صحيح، فهو يحتاج إلى درجة حرارة بحدود 28 مئوية بغرفة الحضانة، ودرجة حرارة بحدود 18 مئوية بغرفة الإنتاج.

برامج تدريبية

وتشير رابعة إلى الخبرة العملية التي اكتسبتها بعد تواصلها مع رئيسة قسم التنمية الريفية في مديرية زراعة نابلس شمس سرطاوي، والتي قدمت لها المساعدة والتدريب اللازمين.

بدورها، تقول سرطاوي: " إن قسم التنمية الريفية يشجع ويقدم التدريب للراغبين بزراعة هذا النوع من الفطر الذي يعتبر ذو جدوى اقتصادية وله فوائد صحية وغذائية، وهو مضمون صحياً لأنه يعتمد على تقاوي مستمدة من بذور القمح.

وتضيف أنهم يقدمون للمزارع التقاوي في بداية المشروع، ويدربونه على زراعتها، ويشرفون عليه حتى يصبح قادراً على الاعتماد على نفسه.

كما يقدمون المساعدة للمزارعين في تسويق إنتاجهم الزراعي، ويتم تدريبهم على التعليب وكتابة تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية.