حـوار:غادة اسعد- خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

في مقابلة خاصّة لمجلة "القدس" مع رئيس القائمة العربيّة المشتركة في الكنيست المحامي أيمن عودة قال في مُستهَل حديثه مُجيباً عن هوية المواطن العربي في إسرائيل: "دائمًا ما يوجَّه السؤال لنا أينما كنا في الوطن أو خارجه، ودائمًا ما يكون الجواب: (أنا فلسطيني، أُقيم في إسرائيل)، وهو سؤالٌ صعب وإجابته أصعب، وهذا الأمر يدل كثيرًا على حالنا المركَّبة، إذ ينسى كثيرون أنَّنا نحنُ الشعب الفلسطيني رغم النكبة، ورغم سياسات التهجير، وتحويلنا من أكثرية إلى أقليّة، واحتلال الجزء المتبقي من أرضنا في العام 1967، بقينا في الوطن، وصُنَّا الانتماء الوطني، ونعمل بكل قوة للتأثير على القرار السياسي، لكن بالمقابل فإنّ حكومة إسرائيل تعمل على نزع الشرعية عنّا".

وأضاف عودة: "إذا أردتُ أن أقول لك المعادلة الحقيقية فهي كالتالي: تسعى حكومة إسرائيل لبناء العربي الإسرائيلي، وهو عربي، يعرف كثيراً من التاريخ، لكنّه ممنوع من معرفة أي شيء عن فلسطين، فهو منقوص الانتماء الوطني. وفي الوقت ذاته هو ليس إسرائيليًا، إذ لا يمكنه أن يكون إسرائيليًا 100%، فقط اليهودي يستطيع أن يكون إسرائيلياً، إذًا هو منقوص الانتماء المدني أيضًا. هذا هو المواطِن العربي في إسرائيل. ولكن نحن نريد أن نكوّن معادلة أخرى، أن نكون عربًا مكتملين، في الوقت نفسه نناضل من أجل المواطنة الكاملة، وإذا أردتُ أن أُشخِّص ما هي أكثر قضية سياسية مُلِحّة في هذه السنوات، فهي مواجهة حكومة نتنياهو التي تسعى لنزع الشرعية عنّا، منذ كان رابين رئيسًا للحكومة، والاعتماد على أصوات العرب لتمرير اتفاقيات أوسلو، فكان نتنياهو يقول، بأي حقٍ يمكن للعرب أن يقرّروا للدولة اليهودية، في انتخابات عام 1996.

من هنا نفهم سبب رفعهم نسبة التصويت، وتحريضهم علينا يوم الانتخابات بأنّنا نتدفّق بالحافلات إلى صناديق الاقتراع، وقولهم بأننا نرفع عَلم داعش، وتحريضهم علينا في شارع ديزنغوف، ومقاطعتنا في الأسبوع الأول للانتخابات، كل هذه السياسة مقصودة من أجل نزع الشرعية عنّا، لماذا؟ لأنّه في حالة كنّا شرعيين، فيكفي 35% من المجتمع اليهودي الإسرائيلي مع 20% من العرب مِن أجل أن نصِل إلى 50%، لندفع بقضايانا قدمًا، بينما إذا كنّا غير شرعيين فيجب تصويت أكثر من 51%، أو بمعادلة أخرى، في حالة كنّا غير شرعيين فيكفي من نتنياهو أن يكسب 51% من اليهود، وفي حالة كنّا شرعيين في السياسة الإسرائيلية فعلى نتنياهو أن يقنع 65% من اليهود، هذه هي أهم معادلة سياسية نضعها نصب أُعيننا في هذه الأيام".

 

كأعضاء برلمان، هل تشعرون أنّ لديكم قدرة على فرض قوانين أم أنّ الأمر مستحيل في ظل حكومة نتنياهو؟

البرلمان بطبيعته لا يأتي بإنجازات ثورية، وإنّما النضال الشعبي المنظَّم هو الذي يأتي بإنجازات ثورية، لذا يبقى البرلمان قاصرًا بدون نضال شعبي، ويجب ألّا نتخلّى عنه. فالبرلمان يضعنا في الحيِّز الخاص والحيِّز العام، جزءٌ من نشرات الأخبار، واللقاءات الصحافية، وخطابات اليهود والعرب، فهل نتخلّى عن هذه المنصة؟ بالتأكيد الجواب بضرورة المزيد من التأثير، نحن صوَّتنا بنسبة 62% واليهود صوَّتوا بنسبة 72%، ولو صوَّتنا بنسبتهم لكان من الصعب على نتنياهو تشكيل الحكومة الحالية، لهذا المطلوب الآن، ليس التراجع بل على العكس، التصويت والتأثير، نحنُ معارضة، ولكنّنا لسنا معارضة كلاسيكية، بل نحنُ معارضة في ظل حكومة مُعادية للعرب. فالتأثير الفعلي والمعارضة للعرب هي إمكانية ضئيلة، ورغم ذلك قُلنا أنّ مَن لا يحمل همَّ الناس، لا يمكن للناس أن تحمل همَّه، ولا يكفي الشعار وحده، لذلك وضعنا خطةً اقتصادية لصالح المواطنين العرب، ولدينا إنجازات عينية، ونحاول أن نثابر كي نكون عنوان الناس، وأيضًا في الهموم اليومية.. لو صوَّتنا جميعًا لحصلنا على 17 عضو كنيست، ولكانَ من الصعب تشكيل الدورة الحالية، ولكانت هنالك فرصة لتعزيز التصويت، والتأثير، هذه هي المعادلة.

 

ما هي أبرز إنجازات أعضاء الكنيست العرب؟

على مستوى الوعي العام، القائمة المشتركة حصدت تصويت 88% من أبناء شعبها، وهو أمرٌ غير مسبوق، أن نكون القوة الثالثة، وأن تتداول الصحف العالمية الخبر في أولى صفحاتها، ورؤساء دول تحدَّثوا عنا وهذا الأمر ليس عاديًا، خاصةً أنهم وجّهوا خطابهم للفلسطينيين في الداخل، وقد التقيتُ بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، كل هذه الأمور تمّت بجهد القائمة المشتركة، وواضح أنه في فترة الانتخابات كان هناك اهتمام إعلامي كبير بقوة صاعقة، وبرأيي كانت تجربةً فريدةً، رفعت من مكانتنا بشكلٍ مهم، بالإضافة للإنجازات الملموسة، قد يكون هذا غير كافٍ، لكنّه يؤسّس، ويقول أن بإمكاننا جمع التناقضات الثانوية، إذ أننا استطعنا الجمع بين الشيوعيين والقوميين والإسلاميين والليبراليين معًا، ونريد للقائمة المشتركة أن تستمر، وأنا واثق أننا نستطيع أن نعزِّز من تأثيرنا ونقوي أداءنا للوصول إلى الأفضل.

 

ما سر غياب اليسار الإسرائيلي؟

أعتقدُ أنّ هناك سببين، الأول: هو أنّ ما يُسمَّى عبثًا باليسار الإسرائيلي- الصهيوني، ضرب نفسه ضربة قاضية في كامب ديفيد، في بداية الانتفاضة الثانية، حين قال ايهود باراك أنه لا يوجد شريك فلسطيني، مقدِّماً أقوى هدية لليمين، وهذه كانت هدية فارقة، وحتى اليوم نعيش في ظل الانتفاضة الفلسطينية أو في إسرائيل في ظل أحداث اكتوبر.

السبب الثاني: حدوث تطورات ديموغرافية داخل إسرائيل، مع وفودِ مليون روسي جديد، غالبيتهم الساحقة مع اليمين، وزيادةِ عدد الشرقيين، وتضاعفِ عدد المستوطنين ثلاث مرات، غالبيتهم الساحقة إن لم يكونوا كلهم مع اليمين، وأيضًا الأحزاب المتديّنة، أحزاب ذوي الملابس السوداء، الذين لا تُهمُّهم المواقف السياسية، نتحدّث عن يهدوت هتوراة، وشاس وغيرهم، ونتيجةً لأسباب اقتصادية بدأوا يسكنون المناطق الحدودية مع الضفة، وكما قال ماركس، الوضعية تشكّل الوعي، فوعيهم أصبح شديداً نحو الأمن، لأنهم يسكنون في المناطق الفلسطينية الحدودية، هذه أربعة تطورات غريبة، وبالنظر إلى المفارقة، الروس ضد اليسار، ليس لأنهم ضدنا، وإنما لديهم موقف من قيادة الاتحاد السوفيتي، والشرقيون ضد اليسار لأنّ لهم مواقف من حزب "مباي" الذي أهانهم، هذه التغيرات الديموغرافية أدّت لانزياحٍ نحو اليمين، وإغفال صوت قوى السلام داخل إسرائيل التي كان صوتها عاليًا في سنوات التسعينيات إبان اتفاقية أوسلو، وكان صوتها عاليًا ضد الحرب على لبنان، فمنذ العام 1982، كانت هنالك مظاهرة خرج  فيها 400 ألف في تل أبيب، ضد الحرب على لبنان، وباراك عندما انتصر على نتنياهو بنسبة 58% مقابل 42% كان التعبير أنه يوجد قوة تريد إكمال السلام مع الفلسطينيين، ولكن للأسف الشديد فبخيانة اليسار الصهيوني اتجاه الحركة الصهيونية ضربَ نفسه بنفسه.

 

برأيكم ما هي أسباب ازدياد العنف في الداخل الفلسطيني مؤخّراً؟

الموضوع ليس مرتبطًا فقط بفلسطينيي الداخل، الموضوع مرتبطٌ بالمؤسسة الإسرائيلية، ففي نهاية المطاف الدولة هي القوة الأساسية بامتياز، ولو أنهم أرادوا سحب الأسلحة من أيدي الناس لسحبوها، لأنّهم يعرفون أين هي موجودة، وعندما قتل الشاب الفلسطيني ملحم تمَّت السيطرة عليه، لكن عندما يقتل فلسطينيٌ فلسطينيًا، هذا لا يؤثّر على المؤسسة الحاكمة ذات السياسة العنصرية، وفي الماضي كان يُقتَل شخص أو اثنين، أمّا اليوم فيُقتَل عددٌ كبيرٌ من المواطنين، فهل هناك تغيير سيكولوجي، أم أنَّ انتشار السلاح هو الذي زاد عمليات القتل؟ علينا محاربة هذا السلاح فهو سلاحٌ مجرم، ويجب سحبه من أيدي المواطنين، وهذا الأساس يمكن أن يقلِّل من العنف، أيضاً استئصال العنف يحتاج إلى بنية سياسية اقتصادية ثقافية مختلفة تمامًا، مِن أجل اجتثاث العنف، فنحن مبنيون بثقافة معيّنة، مبنية على هذا التشجيع، وهذا يجب أن يتغير ولكن الأساس هو مواجهة السلطة الحاكمة التي تغض النظر، إن لم تكن تشجِّع هذا الأمر.

ونحن في القائمة المشتركة يجب أن يكون لدينا خطة وأن نطلب إلى ذوي القتلى أن يحملوا صُوَرَ أولادهم، أن نغلق شوارع، يجب أن يكون هنالك مشروع جدي في أقرب وقت ممكن لسحب السلاح.

 

ما هو الدور الذي تؤديه القائمة المشتركة في وجه عنصرية إسرائيل؟

جوهر المشروع الصهيوني هو إخراجنا من البلاد، وبقاؤنا في وطننا خطأ في المشروع الصهيوني، كانوا يريدوننا جميعًا أن نترك البلاد، لكن الناس تشبّثت بوطنها مهما كلّف الأمر، وأقول نحنُ أهل الوطن ولا نريد فقط حقوقاً مدنية، بل نريد حقوقاً قومية لأهل البلاد الأصلانيين، وهذا الموضوع هو بتناقض تام مع الوطن والمواطنة، وأنا برأيي هنالك أمور ثلاثة حدثت لنا، تؤثّر على تعاملنا مع موضوع المواطنة، الأول حرب العام 1967، حين قيل لنا بأنّ الفارس العربي لن يأتي، ثم جاءت المواجهة الشاملة في يوم الأرض، أما الربيع العربي فيقول نحنُ هنا، ولكن هذه انعكاسات ما يحدث حولنا، ولا شك أن تشكيل القائمة المشتركة أعطى قوة إضافية وأبرزت قوة هؤلاء الفلسطينيين الذين يشكلون 20% من دولة إسرائيل، وهذا بالنسبة لليمين أمرٌ خطير ويجب أن يُواجَه.

 

ألا ترى أنّ هناك ضرورة في تعزيز دور السلطة الفلسطينية؟

تسعى الحكومة الإسرائيلية لتحويل النضال السياسي إلى صراع ديني، وهناك معادلة معروفة أنّ القدس الشرقية محتلّة، وهناك فرق بين النضال الشرعي والنضال غير الشرعي، الذي يسير وفقه نتنياهو، إذ يسعى نتنياهو لتحويل الصراع مِن سياسي ونضال شرعي، إلى بعدٍ ديني، ويعتقد أنه من الأسهل له أن يخاطب الغرب من خلال البعد الفلسطيني، والهجوم على الأذان جزء من تحويل الصراع إلى صراع ديني، وجزءٌ منه محاولة لتفريغ المسيحيين من القدس، لأنه يريد أن يندمج ضمن صراع الحضارات، بين الغرب والإسلام، ويريد أن تبقى المعادلة بين اليهود والمسلمين، وليس بين الشعب الفلسطيني وبين الاحتلال، فالكثير من مواقف نتنياهو تصب في هذا المجال، وعلينا ألا نقع في هذا الفخ، فقضيتنا قضية وطنية بامتياز لشعبٍ واقع تحت الاحتلال من أجل حريته هذا هو الأمر الأساسي.

ومن نافل القول احترام جميع الديانات، والحريات الدينية، الميّزة الأساسية لحكومة نتنياهو، عدا عن التفريق بين الديانات، فرض الشرعية على فلسطينيي الداخل والمنهجية الأساسية أنّ هذه الحكومة تعمل بمنهجية القضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية، عبر الاستيطان بالأساس، فهذه حكومة مستوطنين، وهم يشعرون أنَّهم مع فوز ترامب ربما تكون فرصة تاريخية، من أجل التوغل أكثر، وقطع إمكانية إقامة دولة فلسطينية في حدود الـ67، هذا هو هدف الحكومة الرئيس بالإضافة إلى الهدفين الآخرين اللذين ذكرتهما سابقًا. والمهمة السياسية الأساسية أمامنا هي أن يكون هنالك ارتباط بين القيادة، ويجب أن نقوم سريعًا بعقد لقاءات وحلقات في كل قرانا ومدننا العربية وأن نقول لهم أننا مواطنون، وعلينا أن نصوّت بنسبة 80% ونأتي بـ20 مقعداً، وهذه المقاعد عبارة عن نفوذ سياسي، والأمر الآخر أن يكون لنا توجه ديمقراطي، لأننا نستطيع أن نساهم في منع تشكيل حكومة نتنياهو، وهذا دور وطني ومرحلي نستطيع أن نساهم به بقوة.