حـوار: وسام خليفة- خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

شَهِدَ عهدُ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تضاعفاً في عدد المستوطنين في الضفة الغربية وصل إلى 55%، على خلفية ممارسات حكومته المتطرّفة التي أطلقت العنان للمستوطنين لزيادة عدد الوحدات الاستيطانية في الضفة، وشرعت تُصدِر إخطارات الهدم والطرد ضد الفلسطينيين ضمن مخطَّطٍ يهدف للسيطرة على أكبر مساحة من أراضي الضفة لعزل المدن الفلسطينية وتوسيع البؤر الاستيطانية. وللوقوف على خطورة ذلك التقت "القدس" رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير وليد عسّاف الذي أطلعنا على أهمِّ التطورات في هذا الملف ودور الهيئة في دعم المواطن الفلسطيني للصمود في أرضه.

 

إصدار القوانين أساليبٌ إسرائيليةٌ لسرقة الأرض

يرى الوزير وليد عسّاف أنَّ الحكومة الإسرائيلية الحالية استغلَّت الظروف الإقليمة والعالمية خاصةً أنَّها الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل وتعتمد على أغلبية في الكنيست من المستوطنين، فمضت في توسيع مخططها الاستعماري وتشريع البؤر الاستيطانية منوّهاً إلى أنَّها تفعل ذلك عبر استصدار قوانين وأوامر عسكرية لتنال مبتغاها من الأرض الفلسطينية، ويضيف: "يتلخَّص ما قامت به إسرائيل في العام 2016 بخصوص الاستيطان بأربعة محاور. أولها محاولة تهويد المسجد الأقصى، واستكمال حصار مدينة القدس، واستكمال الأطواق الثلاثة لمدينة القدس، وهي حول البلدة القديمة، وحول مدينة القدس عموماً، وحول محيط ما يسميه الإسرائيليون القدس الكبرى، وهي المناطق المحيطة بمدينة القدس، وقد استمرَّت بتشريع البؤر الاستيطانية ضمن هذا المخطَّط المعروف بـ(E1) والهادف للسيطرة على أكبر مساحة من الأراضي حول القدس لبناء ما تسميه إسرائيل القدس الكبرى. وثانيها، المصادقة على 66 مخطّطاً هيكليًّا في الضفة الغربية و6 داخل القدس لتكوين كتل استيطانية أو توسيعها لتشكِّل فيما بعد فواصل ما بين التجمعات الفلسطينية لتعزلها عن بعضها، بهدف حصار المناطق الفلسطينية وقطعها عن بعضها جغرافيًا. أمَّا المحور الثالث فيتلخَّص بإصدار قانون تنظيم الأراضي الذي يضمن تسهيل تشريع البؤر الاستيطانية وجعلها قانونية رغم قيامها على الاراضي الفلسطينية التي لم تستطع إسرائيل السيطرة عليها إلّا بالقوة بسبب تمسُّك أصحابها بها، كما في بلدة سلواد التي أقيمت على أراضيها مستوطنة إسرائيلية اسماها المستوطنون (عاموناه). والمحور الرابع هو منهج التهجير الذي تنتهجه إسرائيل منذ قيامها، والذي كثَّفته الآن في المناطق المصنَّفة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية حسب اتفاقية أوسلو، ويتركّز في مناطق محيطة بالقدس والسفوح الشرقية للأغوار، وهي خطة تعمل عليها إسرائيل ببطء منذ سنوات، ولكن بمنهج مدروس حيث ضاعفت عمليات الهدم للمساكن المقامة فيها، ففي العام 2015 هُدِمَ 585 منزلاً، وفي العام 2016 هُدِمَ 1124 مسكناً ومنشأة فلسطينية".

 

المقاومة الشعبية وسيلة للدفاع عن أنفسنا

تشكِّل المقاومة الشعبية وسيلة الدفاع الاستراتيجية الفلسطينية وإحدى الوسائل لإنهاء الاحتلال ومواجهة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي وخاصةً في مناطق التَّماس بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ تعمل على حماية الشجر والبشر والحجر من الاستيطان، ويشير عسّاف إلى أنَّ الكثير من القرى اتَّخذت من المقاومة السلمية وسيلةً للدفاع عن نفسها وضربت نموذجًا في الصبر والثبات في الدفاع عن الأرض نفخر به، مضيفاً: "شاهدنا الهبَّة الشعبية الأخيرة التي حاول الاحتلال تصويرها بأنّها انتفاضة سكاكين والتركيز على الجانب العنيف منها لقمعها بأي وسيلة يشاء، ولإظهار إسرائيل كضحية أمام العالم، ولكن مَن يشاهد الأوضاع يعلم أنَّ المقاومة الشعبية السلمية هي الوسيلة الأنجح لنا في هذه المرحلة، وقد انبثق عنها لجان الحراسة الشعبية التي كانت موجودة وأُعيد تفعيلها بعد حادثة إحراق عائلة دوابشة في دوما، وقد قامت لجان الحراسة بدور فعّال خاصةً وقت الهبَّة الشعبية لحماية المناطق الفلسطينية من هجمات المستوطنين الإرهابية المنظَّمة، وقد حقَّقت المقاومة الشعبية انتصارات عديدة على إسرائيل وكشفت حقيقتها الدموية للعالم".

 

دعم المواطن والحفاظ على الأرض

حول دور هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في دعم صمود المواطنين والحفاظ على أرضهم يقول عسّاف: "تعمل الهيئة على دعم المواطنين وثباتهم على عدة صعد. فقانونياً، نتابع آلاف القضايا المتعلِّقة بالدفاع عن أراضي المواطنين ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونوفِّر الغطاء القانوني لهم والدعم المادي والمعنوي ليستمروا في صمودهم على أرضهم، ونستعين بمسّاحين ليحدِّدوا الأراضي، ونستصدر وثائق ثبوتية ملكية المواطنين لأراضيهم، ونستعين بمحامين وخبراء تحليل خطوط لمعرفة إن كان هناك تزوير، وقد اكتشفنا عشرات عمليات التزوير في العام الماضي، وتم وقف تسريب آلاف الدونمات للاحتلال، واستعدنا 5000 دونم في مناطق عديدة، بالإضافة إلى مئات الدونمات في بدية، ونحن نبذل جهوداً متواصلة في هذا المجال، وتقوم الهيئة بالإشراف على القضايا من خلال محامين أو مؤسسات شريكة للدفاع عن أراضي المواطنين وممتلكاتهم. كما تدعم الهيئة المواطنين وتعزّز صمودهم عبر إعادة بناء ما يهدمه الاحتلال من منازل ومنشآت فلسطينية في المناطق (ج)، وقد أعدنا بناء معظم المنازل التي هُدِمَت العام الماضي بشكل مباشر أو بمشاركة مؤسسات دولية. كذلك تقوم الهيئة بتنظيم حملات أعمال تطوعية لدعم المواطنين كقطاف الزيتون في المناطق (ج) التي يُمنَع أهلها من دخولها، حيثُ نجمع المتطوعين ونذهب مع أصحاب الأراض لنساعدهم في حصاد المحصول وحمايتهم من اعتداءات المستوطنين،  كما نقوم بزراعة أشجار الزيتون في الجبال الفلسطينية لأنَّ هذه الأرض لنا وعلينا زراعتها للأجيال القادمة أيضاً، إضافةً لتوفير أشتال الأشجار للمزارعين المتواجدين في مناطق التّماس مجانًا، هذا وتقوم الهيئة بتوثيق جرائم الاحتلال ونشرها للمجتمع الدولي لفضح ممارسات الاحتلال".

 

طريقنا طويل ولكنّنا مستمرون في الدفاع عن أرضنا

يتوقّع الوزير عسّاف عاماً مقبلاً ساخناً جدًا في ملف الاستيطان، إذ يقول: "من المصاعب التي ستواجهنا هي الحملة الانتقامية التي سيخوضها المستوطنون ضد المواطنين في سلواد بعد نجاحنا في استصدار أمر بإخلاء ما يُسمّى مستوطنة (عاموناه)، وهذا واضح الآن من خلال تحرش المستوطنين بالمواطنين الفلسطينيين، ويقود هذه الحملة جيش الاحتلال بزيادة عمليات الهدم للسيطرة على الأراضي ومصادرتها في الضفة وشقِّ الطرق الالتفافية، كطريق النبي الياس الذي أخذنا قرارًا بوقفه، والذي سيقتلع آلاف أشجار الزيتون المعمِّرة، ولكنَّ السلطات الإسرائيلية أهملت القرار والمحاكم الإسرائيلية تتعاون مع الجيش بشكل كبير وتتعاطف معه إلى درجة بعيدة. لذلك أرى أن 2017 سيكون عام زيادة محاولات التهجير القسري للمواطنين وخاصة في منطقة مخطّط (E1) ومنطقة المعرجات في الأغوار ولا تزال معركة أهالي سوسيا للبقاء في أرضهم قائمة، وقد نجحنا في إيقاف إخلاء 46 تجمُّعًا في منطقة القدس والمعرجات ونحن مستعدون لإفشال هذا المخطط من جديد. كذلك علينا ألّا ننسى القدس واستمرار إسرائيل في عزلها وتنفيذ مخطَّط القدس الإقليمي الإسرائيلي 2030 الذي يربط مناطق شرق رام الله بالقدس ومنطقة (E1) بالقدس ويربطها مع مناطق أخرى في بيت لحم، لمنع وجود دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا بفصل الشمال عن الجنوب وفصل القدس عن بعدها التاريخي والجغرافي الفلسطيني. وهناك موضوع إقرار ملف الهيكلية للمستوطنات الإسرائيلية وهذا يعني السيطرة على عشرات الآلاف من الدونمات وتشريع المستوطنات وزيادة العطاءات للمستوطنات الإسرائيلية، وبالتالي لا نزال في أوج المواجهة في ملف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وإسرائيل تدفع بكامل طاقتها لإنجاح هذا المخطط باستغلال الظروف المحيطة خاصةً مع وجود إدارة أمريكية جديدة لم تتضح رؤيتها ولكن حسب حملتها الانتخابية فالقضية الفلسطينية ليست من أولوياتها، وهي تسعى لدعم الاحتلال، وإسرائيل ماضية في مشروع الدولة الواحدة".

ويختم حديثه قائلاً: "الطريق طويل في صراعنا مع الاحتلال، ولكنّنا متمسِّكون بالأرض ومقاومة الاحتلال، ولن نسمح بتنفيذ مخطَّطات التهجير والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ونحن باقون على هذه الأرض، ونعمل على تعزيز صمود أبناء شعبنا، ويجب علينا كفلسطينيين العمل مع بعضنا البعض، وإعادة الوحدة فيما بيننا، وتعزيز المقاومة السلمية ولجان الحراسة، وأقول لإخواننا في المناطق المهدَّدة بالمصادرة أنَّنا في الهيئة شركاء معهم في الصمود ومقاومة الاحتلال، وعلى استعداد لدعمهم في كل المجالات ليبقوا في أراضيهم".