حـوار:عدي غزاوي- خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

يُعدُّ الإعلام من أهمِّ الوسائل تاريخيًّا في نشر رسالة أي جهة. ومنذ بداية الثورة الفلسطينية في المنفى عمَدَت حركة "فتح" إلى إنشاء مؤسّسات إعلامية تنشر أخبار الثورة وإنجازاتها وتعمل على حشد الرأي العام، وتعبئة الجماهير لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وكغيرها من وسائل الأعلام، مرَّت وسائل إعلام الثورة بعدة مراحل جعلت منها ما هي عليه اليوم. ولمعرفة أبرز المحطات التي مرّ بها الإعلام الفلسطيني أجرينا مقابلة مع القيادي في حركة "فتح" د.نبيل عمرو، أحد المؤسّسين للإعلام الفتحاوي والفلسطيني.

 

انطلاقة الإعلام الحركي

يشير د.نبيل عمرو إلى أنَّ حركة "فتح" بدأت بالتواصل مع العالم بأبسط وسائل الإعلام ألا وهي المنشور السياسي عبر طباعته وتوزيعه على الأعضاء ووسائل الإعلام وعلى الناس في الشوارع لتُطلعَهم على العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها، ويضيف: "ثُمَّ بدأت الحركة ببناء علاقات مع الصحف اللبنانية التي كانت هي الموجودة في ذلك الوقت، وبالأخص صحيفة اللواء التي كانت تهتم بأخبار حركة "فتح"، وبعد ذلك ظهرت للعالم وسائل إعلام واضحة لفتح وكانت البداية في سوريا، وبالتحديد في دمشق، حيثُ أُسِّس مركز إعلامي، وأذكر أنَّ رقم المبنى كان (36)، وكان المسؤول عنه أنيس الخطيب، ولكن لم يكن لهم إذاعة أو مجلة ينشرون فيها أخبار الحركة. ومع مرور السنوات، بدأ إعلام "فتح" يتطوَّر حتى افتتاح إذاعة صوت العاصفة الخاصَّة بالثورة الفلسطينية، والتي انطلقت من القاهرة في العام 1968. وفي السبعينيّات أُسِّسَت جريدة "فتح" التي كانت تصدر في الأردن كمنشور ولكن على هيئة جريدة، وكانت تصدر أحياناً بصورة يومية كصفحة واحدة تضمُّ أهم إنجازات الثورة وأخبارها وتُوزَّع مجانًا، وبدأ إعلام "فتح" يستقر إلى أن أصبح يظهر بأبعادٍ جديدة كإعلام مهني، ومن بعدها أخذت باقي الفصائل الفلسطينية تُصدِر وسائل إعلامها الخاصّة من مجلات ومطبوعات دورية، وأصبح الإعلام الفلسطيني ذا طابع مؤسّساتي، ومن الجدير بالذكر أنّ الثورة الفلسطينية استخدمت المنابر العربية لنشر أخبار الثورة بالإضافة إلى منابرها الخاصة، وفي فترة نشاط الإعلام في بيروت كان العصر الذهبي للإعلام الثوري لفتح".

وينوّه د.عمرو إلى أنَّ "وظيفة الإعلام كانت كما فهمتها "فتح" ومارستها وهي نشر أخبار الثورة وتعبئة الجماهير حيث ما وجدت بأفكار الثورة وأهدافها وإقناع المواطن الفلسطيني بأنَّ الثورة هي الطريق الوحيد لاسترجاع الحقوق لأنَّ انطلاق القضية الفلسطينية في البداية لم يكن بأيدي الفلسطينيين بل بيَد العرب، فكانت مهمّة الإعلام الترويج بأنَّ الفلسطيني استعاد زمام المبادرة في قضيته، وأنَّه الأَولَى بتحرير وطنه وإقناع الجماهير بجدوى العمل القتالي، وذلك لوجود أصوات مُشكِّكة بجدوى عمل الثورة الفلسطينية أمام الواقع العربي الذي كان ممزَّقًا وقتها، وقد نجح الإعلام الفلسطيني بإقناع الجماهير بأهميّة وفعالية العمل الوطني من وجهة نظر "فتح"، وحتى عندما وقعت معركة الكرامة بعد حرب العام 1967 تدفّقت الجماهير بالملايين لتنضم لفتح وللثورة الفلسطينية".

 

مرحلة التحوُّل إلى الإعلام الرسمي

حول الانتقال لمرحلة الإعلام الرسمي يقول د.عمرو: "تأسيس تلفزيون فلسطين كان في البداية بطريقة بدائية، فلم يكن هناك طرق لبثِّ الإشارة عبر الأقمار الصناعية لتصل لكل العالم، وكان ممنوعًا من قِبَل إسرائيل، فقد كان يبث من غزة وتلتقطه هوائيات في الضفة وتنتقل الإشارة من منطقة إلى أخرى، وبعد ذلك اقتحمنا الفضاء، وأصبح تلفزيون فلسطين يبث عبر الأقمار الصناعية، وكانت قفزة في وسيلة الإعلام الفلسطيني. وبالنسبة للإذاعة فقد كانت جهازًا ضعيفًا بالإمكانيات لأنَّها كانت تبث عبر موجات ضعيفة (موجات الراديو)، وتغطّي المحيط فقط، وبرأيي كان يجب أن تكون الإذاعة أقوى وأسرع في نقل الحدث منذ البدايات على أرض الوطن لأنَّها أرض الأحداث ومركز صناعة الخبر، وهي موجودة بشكل مباشر، على عكس الشتات، فكل محطات العالم تأخذ الخبر من مكان حدوثه، وطبعًا عدم رصد الإمكانيات المادية هو السبب في أنَّ التلفزيون والإذاعة على أرض الوطن لم يكونا بالقوة المأمولة.

أمَّا على المستوى الصحفي فقبل مجيء السلطة كانت هناك عدة وسائل مطبوعة منها جريدة القدس التي كانت تدعمها الثورة الفلسطينية عندما تطوّرت وأصبحت الجريدة الأولى، وكانت هناك جرائد صغيرة غيرها كالنهار والفجر وكانت ضعيفة مهنيًّا من حيث الطباعة واللغة، وقد توقّفتا قبل العودة إلى الوطن، واستمرّت القدس. وعندما دخلت السلطة الفلسطينية أرض الوطن، كان لي الشرف بتأسيس الحياة الجديدة مع صديقي حافظ البرغوثي كصحيفة أسبوعية استمرَّت لعدة أشهر هكذا حتى طلبَ الرئيس الشهيد ياسر عرفات تحويلها إلى يوميّة، وأعتقد أنَّها الجريدة الوحيدة في العالم التي كانت تصدر من شقة مساحتها 120م2 لمدة عام كامل، وقد كانت هذه التجربة تحدّياً لنا، أي أن نؤسِّس وسيلة إعلام وطنية رسمية، وبعد فترة وجيزة صدرت جريدة الأيام وكانت مهنيًّا وتقنيًّا أعلى جودة لصدورها من قطاع خاص بعكس جريدتنا الصادرة من قطاع عام، وهما تصدران لليوم بشكل يومي، وباعتقادي أنّهما تصدران بجودة أعلى من كثير من الصحف العربية، لكنّني أنتقد فيهما قلّة كمية الأخبار العربية والدولية مقابل التركيز على الأخبار المحليّة، التي نحتاجها بطبيعة الحال، إلّا أنَّ الصحيفة لكي تكون كاملة فيجب أن تعالج قضايا الوطن والمحيط والقضايا الدولية كون العالم أصبح متصلاً ببعضه البعض، لا سيما مع ظهور الصحافة الإلكترونية ما أضعف تأثير الصحيفة الورقية وحجّم الإقبال عليها. ولأنّنا إعلام يحاول نقل الصورة في فلسطين، فالصحافة الفلسطينية تواجه تحديًّا كبيرًا كونها تتنافس مع الإعلام الإسرائيلي والذي يُعدُّ إعلاماً متطوّراً، وله قنوات كثيرة تحاول نقل الصورة التي تريدها إسرائيل للعالم".

 

الإعلام الفلسطيني ضعيف ولا ينافس وسائل الإعلام

يرى د.عمرو أنَّ "مَن يتابع الإذاعات المحلية يجد أنَّها ليست قوية على الصعيد المهني لوجود زحام إعلامي ومنافسة قوية جدًا"، مضيفاً: "يجب أن يكون المنبر الإعلامي قويًّا فنحن في زمن قنوات إعلامية عملاقة كالجزيرة والعربية والحرة وآلاف القنوات الفضائية الناطقة بالعربية، لذا على الإعلام الفلسطيني الرسمي أن يصبح أقوى وأكثر انتشاراً، وعلى صعيد الإعلام الخاص الفلسطيني، فهناك كمٌّ كبيرٌ منها بعضها وصل إلى الفضاء وبعضها يبث أرضيًا، ولكنَّني غير راضٍ عن مستوى الإعلام الفلسطيني سواء أكان الخاص أم العام، وللأسف لا أجدُ أيَّ منبر إعلامي خاص بفتح، فهي تعتمد على إعلام السلطة بشكل كبير، ووسائل إعلامها غير منتشرة كما في السابق وغير معروفة لجموع الجمهور الفلسطيني.

وبرأيي الإعلام الفلسطيني في المنفى كان أقوى منه في أرض الوطن للحرية المتاحة والتعامل مع المنابر الإعلامية المتوفّرة بكَمٍّ أكبر مّما في الوطن، إذ كان لدينا إذاعة صوت العاصفة، وكانت ناجحة جدًا، والمطبوعات مثل فلسطين الثورة، لكن عندما عدنا لأرض الوطن امتلكت السلطة الفلسطينية محطة تلفزيونية، وهذا لم يكن متاحًا في المنفى، ومن هنا بات لديها إذاعة عادية تقليدية تبث معظم الوقت ولكنّها تشبه بطابعها أي إذاعة عربية أخرى، وفي السابق كانت الإذاعات ثورية لا علاقة لها بالترفيه وبالأغاني الفردية، ففي الخارج كانت الأغاني مدروسة من حيث الكلام واللحن أكثر، وكانت تُؤدَّى بشكل جماعي وإيقاع سريع حماسي وثوري، أمَّا في الوطن فدخلت الأغاني العاطفية على وسائل الإعلام المسموعة وهذه احتياجات أي إذاعة تبث لفترات طويلة.

وبالتالي، إعلام "فتح" في المنفى كان أقوى كون وسائل إعلامها كانت مستقلّةً أكثر، وحتى باقي أذرعها ومؤسّساتها الأخرى، وعندما أنهيت هذه المؤسسات بدمجها تحت إطار منظمة التحرير والسلطة ضعف إعلام الحركة، وأضرب مثالاً حيًّا بحركة حماس التي رغم اندماجها في السلطة إلّا أنَها أبقت على وسائل إعلامها مستقلّةً عن السلطة، وأبقت طابعها الحزبي ورسالتها الخاصة تُبَث عبر قنواتها وإذاعاتها ومواقعها الإلكترونية، وعلى "فتح" أن تعود لذلك، وبرأيي فإنَّ وسائل إعلام "فتح" حاليًّا غير مؤثِّرة كما كانت في السابق، ولا تصل للجمهور الفلسطيني، وعليها وضع استراتيجية إعلامية تجذب الجمهور، فمَن سيترك قنوات إعلامية مليئة بالترفيه والأخبار اليومية المحدَّثة كلَّ ساعة إذا لم يجد المادة الجديدة والقوية؟!".