في الأول من أيار / مايو من كل عام يقف كل إنسان يدرك أهمية وقيمة وثقل العمال في المجتمعات البشرية كافة منذ العام 1886، ليس تخليدًا لشهداء الطبقة العاملة الأميركية في شيكاغو الذين سقطوا في الأول من أيار آنذاك، وإنما تمجيدًا لدور السواعد السمراء في بناء حضارات شعوب الأرض بجهودهم وعطاءاتهم وعرقهم ودماءهم، التي أريقت دفاعًا عن الفقراء والمسحوقين جميعًا بمختلف تلاوينهم الاجتماعية من الفلاحين والعمال والكادحين عمومًا وحتى من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة الذين سحقهم أباطرة رأس المال المالي والصناعي والتكنولوجي والسيبراني والمستعمرين الصهاينة وأذنابهم من حكام دول العالم الثالث لتعظيم أرباحهم الاحتكارية. 

أشكال النضال الاجتماعي الطبقي والقومي ضد أساطير الاحتكارات بمسمياتها وعناوينها المختلفة، وضد العسكرتاريا والأنظمة الاثنوقراطية وضد الاستعمار القومي الأخير في العالم، الاستعمار الصهيوني لارض فلسطين، جميع اشكال النضال هذه توحد طاقات الطبقات والشعوب المنكوبة ضد سالبيهم عيونهم وقوة عملهم واستقلالهم وحريتهم، الذين لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الموبقات لتحقيق مآربهم واهدافهم المالية والاقتصادية والسياسية. ورغم كل التباينات بين اشكال النضال في دول العالم الثالث والعالم الأول وضد الاستعمار الإسرائيلي، إلا أنها جميعها تتوحد في المحصلة ضد أعداء الشعوب والطبقات الاجتماعية المنكوبة بهم، وتتلاقح تلك الاشكال الكفاحية في الدفاع عن تحرر الطبقات والشرائح والفئات الاجتماعية والشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار لبناء صرح عالم جديد خال من النهب واستغلال الإنسان للإنسان، وبناء حضارة إنسانية تقوم على أنسنة الإنسان، وسيادة قيم التكامل والتكافل والديمقراطية الحقيقية في أرجاء المجتمعات البشرية، وتطهير البشرية من كل الأدران والموبقات، ونزع أظافر الإمبرياليين وأدواتهم الاستعمارية في إسرائيل اللقيطة أو الأنظمة المأجورة والتابعة لسوق رأس المال الغربي المتعطش للمال والدماء على حد سواء. 

نعم إن كفاح الشعب العربي الفلسطيني القومي ضد غلاة الفاشيين الصهاينة، وقطعان المستعمرين تجار الدين والدنيا والإرهاب كان ومازال يشكل جزءًا هامًا من كفاح كل الطبقات والشرائح الاجتماعية في دول الغرب الرأسمالي، ورديفًا أساسيًا وقويًا لنضال كل القوى السياسية في دول العالم الثالث والثاني، ولصيق الصلة بكفاح أنصار السلام والعدالة الاجتماعية في أرجاء الأرض من أقصاها إلى أقصاها. وبالتالي النضال الوطني والقومي، الذي هو بالأساس نضال طبقي اجتماعي، لأنه نضال ضد المشروع الكولونيالي الرأسمالي الغربي، الذي أنتج وأسس ودعم الحركة الصهيونية الرجعية والعنصرية لتأمين مصالحه الاحتكارية، ولنهب ثروات شعوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، والحؤول دون نهضتهم وتطورهم، وإبقاؤهم في إطار المحوطة والتبعية للاستعمار القديم الجديد. 

ويخطىء من يفصل بين النضالين في المجتمع الفلسطيني، لأن البرجوازية الفلسطينية الوطنية تخضع للاستغلال والملاحقة وترفض دولة إسرائيل المارقة السماح لها ببناء سوقها واقتصادها الحر والمستقل، وتعمل على تكبيلها وخنق تطورها وتحاصرها في كل مجال من مجالات الحياة، وتجبرها على التحول إلى كمبرادور ووكيل لشركاتها ومؤسساتها وخاضعة لقوانين واملاءات الغلاف الجمركي الإسرائيلي. ولهذا مازال الاقتصاد الفلسطيني مكبل بكل أدوات الخنق والمقصلة الاقتصادية الإسرائيلية، ليس هذا فحسب، بل إن قادة الدولة الصهيونية الاستعمارية يرفضون من حيث المبدأ وجود سوق واقتصاد وطني فلسطيني. لأنهم يعملون ويسعون دون كلل لتبديد المشروع الوطني الفلسطيني سياسيًا واقتصاديًا وقانونيًا وثقافيًا. 

إذا الكفاح الوطني التحرري الفلسطيني يعتبر جزءًا لا يتجزأ من كفاح الطبقات الاجتماعية الواقعة تحت سيف الاستغلال والاضطهاد الرأسمالي في العالم، الأمر الذي يستدعي من القيادات الفلسطينية بمختلف تصنيفاتها الفكرية السياسية تعميق روابطها وتحالفاتها مع كل الطبقات والشرائح الاجتماعية المضطهدة والمستغلة ومع ممثلي القوى السياسية المناهضة لانظمة القمع والديكتاتورية والعسكرتاريا في العالم لتعزيز وتطوير هذا التحالف وترجمته في فعاليات وأنشطة مشتركة تحت عناوين وبرامج تكاملية وتساندية. ورفد الكفاح الوطني التحرري بقوى جديدة داعمة ومعززة الرصيد الفلسطيني في أرجاء المعمورة. 

في الأول من أيار واجب على كل وطني فلسطيني تمجيد يوم العمال العالمي، وفاءًا لأرواح الشهداء الأوائل وكل شهداء الشعوب المناضلة من أجل الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة وفي الطليعة الشعب العربي الفلسطيني، صاحب قضية العصر الأهم لكسر شوكة الاستعمار الإسرائيلي وسادتها في الغرب الرأسمالي وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة الأميركية.