"مستعدون للموافقة على هدنة لمدة 5 سنوات أو أكثر مع إسرائيل وسنتخلى عن السلاح وحل الجناح العسكري، ونتحول إلى حزب سياسي، إذا أقيمت دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967". الموقف هذا طرحه خليل الحية نائب رئيس حماس في غزة خلال مقابلة مع وكالة أسوشيتدبرس – كبرى وكالات الأخبار الأميركية – وبهذا الموقف الصريح، تبدو امور المفاوضات غير المباشرة التي تجريها حماس عبر الوسطاء مع رؤساء الموساد والشاباك الاسرائيلي حول ملف الأسرى أكثر وضوحا، أي أن (ملف الأسرى) بات الغطاء لتأمين سيناريو وإخراج مناسبين لحماس، لضمان بقاء الجسم المضاد لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية قويا في المشهد الفلسطيني، ولكن بدون سلاح، باعتباره مصلحة إسرائيلية، تم ترسيخها منذ نصف قرن وحتى اليوم، عندما منح  جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك) تصريحًا لفرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين لإنشاء المجمع الاسلامي سنة 1973. لكن ذلك لا يمنعنا من قراءة أبعاده، باعتبار الظروف الراهنة:

أولاً– اشتراط حماس تنفيذ حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران، وعودة اللاجئين حسب القرارات الدولية لتطبيق حل الجناح العسكري، يمكن النظر إليه من زاويتين: الأولى أن رؤوس حماس مطمئنون إلى استمرار بنيامين نتنياهو على موقفه المعادي لقيام (دولة فلسطينية) المطروح في برنامج منظمة التحرير الفلسطينية السياسي، والمنسجم مع موقف حماس، ما يعني استحالة تنفيذ الشرط (حل الدولتين) ما يبرر لحماس الاستمرار بدورها المعهود – خدمة أجندات دول وقوى اقليمية -ومنع بلوغ الوحدة الوطنية الفلسطينية المستوى الذي يمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق الاستقلال!. فيما يرى رؤوس حماس - حسب الزاوية الأخرى – أنهم سيكتسحون الشارع الفلسطيني في أي انتخابات للمجلس الوطني  والتشريعي والرئاسة بعد مناورة، واعلان الموافقة على دخولهم اطر منظمة التحرير الفلسطينية، وظنهم في ذلك أن السيطرة على مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية الثلاث، وعلى مؤسسات المنظمة بات اليوم ايسر من أي وقت مضى، بسبب تقديراتهم التي توسوس لهم بارتفاع مؤشر شعبيتهم محليًا وعربيًا.

ثانيًا – قد يرى رؤوس حماس – إذا احسنا الظن والتقدير - أن اللحظة التاريخية فرصة مناسبة للانتقال إلى ساحة "الواقعية السياسية"، لكن من تراه سيصفق لحماس ويبارك هذا الانتقال بعد أكثر من 50 ألف شهيد وحوالي 250 الف جريح ودمار ثلثي قطاع غزة خلال خمسة أشهر سبقت النكبة والكارثة الأخيرة التي لم تنته بعد 7 أكتوبر، بعد رفض رؤوس حماس كل مبادرات وعروض وتجارب منظمة التحرير الفلسطينية التي وفرت لحماس أسباب دخول الواقعية السياسية من أعرض أبوابها، حتى مشكلة سلاح حماس وحامليه، فمن المقترحات العملية خلال مفاوضات المصالحة (الفلسطينية – الفلسطينية) اتفاق قضى بدمج الأجنجة العسكرية في بوتقة جهاز الأمن الوطني الفلسطيني، لكن رؤوس حماس الذين أخذتهم العزة بالإثم ارتدوا عما أقسموا عليه في مكة المكرمة، ومنهم خليل الحية، واستثمروا ثلاثين سنة بكوارث ومصائب وحروب عبثية على الشعب الفلسطيني، ليبلغوا القناعة -  هذا إذا صدقت نواياهم. 

لكن من قال لهم أن الشعب الفلسطيني سيغفر لمن زجه بحقل تجارب الإخوان المسلمين ومشاريعهم الدموية في الوطن العربي، وكذلك في مشاريع حروب ومعارك (الأمبراطورية الفارسية)!

ثالثًا- أن التصريح يستوجب وضع علامة استفهام كبيرة على سؤال حول  مصير كل من محمد الضيف، ويحيى السنوار، فموقف خليل الحية – نائب يحيى السنوار - مخالف بواقع مئة وثمانين درجة، لنص خطاب محمد الضيف المسمى (رئيس اركان الجناح المسلح لحماس)، الذي قال صبيحة 7 اكتوبر 2023: "إن كتائب حماس انطلقت بحرب تحرير فلسطين من النهر إلى البحر لإعادتها إلى حكم الإسلام". فهل اغلقت (حماس الخارج ) ملف مصير الضيف والسنوار الجسدي، لتنتقل إلى حسم  ملفهما السياسي، ذلك أن كل متتبع بدقة لاتجاهات مراكز القوى في حماس يدرك جيدًا، أن حماس قبل 7 اكتوبر ليست حماس بعده، وأن هذه الجماعة ممكن أن تكون في أي حالة في اليوم التالي، إلا أن تقرر فعلاً رفع المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، وتقيها من إثم مصالحها الفئوية.