يذكر التاريخ الحديث أن أول عملية إبادة جماعية للبشر، في القرن العشرين، ارتكبها جنود الإمبراطورية الألمانية، فما بين عامي 1904 و 1908 قتل هؤلاء الجنود في "ناميبيا" ما يقارب الثمانين ألف مواطن من هذا البلد الأفريقي، واستولوا على أراضيهم، وأقاموا عليها مستوطناتهم، التي ما زال أحفادهم يسيطرون على العديد منها، وللموضوعية، فقد اعترفت ألمانيا بعد قرن من الزمان، بمسؤوليتها عن ارتكاب هذه الإبادة الجماعية، مع اعتذار، وتعويضات فاقت المليار "يورو" تقريبًا.

لسنا نتصيد في التاريخ هنا، فما ذكّرنا بهذه الواقعة البشعة، هي الألمانية "أورسولا فون دير لاين" التي تشغل حاليا منصب رئيسة المفوضية الأوروبية، التي بعثت برسالة لإسرائيل تهنئها بعيد استقلالها (...!!) الذي لم يكن سوى واقعة النكبة للشعب الفلسطيني . والواقع أن الرسالة هذه لم تكن مجرد رسالة تهنئة، بل إطراء سياسي لإسرائيل، يحاول نزع عنها، ما باتت توصم به اليوم، بكونها دولة احتلال وفصل عنصري، ورسالة "لاين"، تشيد بمديح أعمى، بديمقراطيتها المبتكرة في الشرق الأوسط...!!   

هل كان لسان "أورسولا فون دير لاين"، في هذه الرسالة هو لسان أوروبا ..؟؟ ربما غير أن لغة هذا اللسان فيها، كانت بوضوح هي لغة من يحمل تلك الثقافة الاستعمارية، الاستيطانية العنيفة، التي لطالما وما زالت هذه الثقافة تسيل بدم الأبرياء وعلى جثثهم تعلي أبنيتها، كما هو الحال في بلادنا المحتلة.

كيف يمكن لأي أحد، أن يهنئ بالمجزرة، وأن يبارك الاحتلال، ويشد على يده، ويشيد بإنجازاته، التي هي ليست غير إنجازات العنف العدواني، والإرهاب ...؟؟

في الخامس عشر من هذا الشهر يحيي شعبنا الفلسطيني ذكرى النكبة، وفي الأمم المتحدة لأول مرة سيكون هناك إحياء لهذه الذكرى الأليمة، كاعتراف أممي بهذه  المظلمة الكبرى التي أساسها النكبة، والتي ما زالت تثقل كاهل شعبنا بنزيف من حياته، ودم أبنائه، وأرضه، وإلى الحد الذي  يصعب حقًا وصفه، حتى لو تفتحت اللغة على كلمات جديدة.

في الأمم المتحدة ستكون الكلمة للجرح الفلسطيني النازف وستكون الرسالة هي رسالة فلسطين في تطلعها أن يتمكن المجتمع الدولي من إنصاف شعبها، وإنها لفرصة لأوروبا أن تبعث برسالة، تنسينا رسالة "أورسولا" هذه التي جانبت كل صواب، وكل حق، وكل نزاهة..!   

المصدر: الحياة الجديدة